رغم ما تعوّل عليه دول مجلس التعاون الخليجي من اتفاقيات أمنية وعسكرية مع الدول الكبرى في تعزيز قدراتها على صد أي عدوان خارجي محتمل, إلا أن هاجس القلق الأمني ظل مرتفعاً لدى المراقبين تجاه العديد من التحديات الأخرى التي تفرض مواجهة وطنية واستشعاراً مبكراً لحجم التهديد ومقتضياته. إن في مقدمة الحقائق التي تحدد أفق قراءة الأحداث هي أن النشأة التاريخية لهذه الدول، والامتداد الجغرافي لبعضهم البعض، وصغر مساحة كل منها باستثناء السعودية والانصهار الاجتماعي والثقافي لشعوبها، كل ذلك جعلها الأشد تأثيراً وتأثراً ببعضها البعض - شاءت حكوماتها أم أبت – خاصة في ظل تماثل أنماط الحياة السكانية. ولعل أول التحديات تمليها ساحة الصراعات الدولية للقوى الكبرى في ضوء حسابات العولمة الاقتصادية وقلق الدول الصناعية على احتياطياتها المستقبلية من الطاقة التي تعد دول الخليج أكبر مصادرها.. وهو الأمر الذي يرشح المنطقة إلى دخول حلبة التوتر الداخلي جراء التوغل الأمريكي القوي داخلها، واندفاعه الشره خلال الأعوام الأخيرة، وتقاطع ذلك مع مصالح عدة أقطاب أوروبية وآسيوية يقلقها كثيراً تخيّل أن يصبح مصيرها بيد الولاياتالمتحدة. ونظراً لهذا الإخلال في توازن النفوذ الدولي بالخليج، فإن اللعب بالورقة الأمنية هو الرهان الوحيد الذي قد يرجحه كل قطب لحسم وضعه، بما في ذلك الولاياتالمتحدة المتطلعة لهيمنة مطلقة تمنحها مفاتيح اللعبة الاقتصادية العالمية التي تحوّل مقدراته إلى السلاح الأشد دماراً في العالم. ولا شك أن الأزمة المالية العالمية، وحرب العملات التي فرضت تحدياتها بقوة خلال عام 2010م مثّلت إعلاناً ببدء اشتعال الحرب الاقتصادية العالمية بين القوى الكبرى والتي رفعت أسعار البترول إلى رقم قياسي تاريخي تجاوز التسعين دولاراً للبرميل الواحد، فيما يتوقع الاقتصاديون قرب إشهار سلاح الغذاء الذي من شأنه تفجير ضجة عالمية. وفي ضوء المعطيات القائمة حالياً, فإن المحاولات جارية على قدم وساق لخلخلة الساحات الداخلية للعديد من الدول الخليجية.. ففي البعض منها يجري تصعيد الصراع السياسي على مستوى القوى السياسية المتنافسة، وكذلك تغذية الفتن المذهبية والقبلية. غير أن ما سيفاقم الخطر هو تحريك ساحة العمالة الأجنبية الوافدة والتي بدأت أول شرارة لها قبل فترة وجيزة بقيام نائب برلماني هندي بمطالبة دول الخليج باستحداث تمثيل للهنود في البرلمانات باعتبارهم أصبحوا يمثلون جزءاً كبيراً من النسيج الاجتماعي لبعض الدول الخليجية. ومع أن مطالب مماثلة سبق أن دعا إليها الإيرانيون في البحرين منتصف سبعينيات القرن الماضي, لكن الظرف الحالي يجعل من هذه التوجهات خطراً جدياً نظراً لوجود نشاط دولي يروّج لحقوق الأقليات, ويشجّع مثل هذه المطالب في الدول النامية، وكانت البحرين أول من استشعر الخطر مبكراً، وبادرت إلى طرد المعهد الديمقراطي الأمريكي من أراضيها عام 2008م على خلفية تغذيته هذه النعرات. وعلى الرغم من أن الحكومات الخليجية لا تخفي قلقها من الأعداد الهائلة للعمالة الأجنبية الوافدة التي تجاوزت في بعض دولها أعداد السكان الأصليين، لكنها على الصعيد العملي لم تحرك ساكناً، ولم تضع أي برامج إحلال مرحلي لعمالة عربية، وبالتالي فإن أي جالية آسيوية ستبادر لتنفيذ احتجاجات أو إضرابات أو شغب ستنتقل العدوى في غضون يوم واحد إلى الدول الأخرى. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: ما مدى قدرة بعض الدول الخليجية على حماية ساحاتها الداخلية من أي فوضى أو فتنة أو نقل نشاط إرهابي إلى بلدانها؟!. وما الذي يمنعها من الاستفادة من القوى البشرية القريبة لدول كاليمن مثلاً في تعزيز قدرات أمنها الداخلي طالما أن الجميع يتحدث عن رهانات على تفكيك البيت الخليجي من الداخل!؟.