أرسل لي أخ فاضل فكرة جديرة بوضعها تحت الأنظار عن الحرب فقال: بحسب المسلسلات التاريخية التي نشاهدها عادة في رمضان من نموذج باب الحارة والفتوحات الإسلامية اللاهبة التي لم تكن كلها في سبيل الله فإن قرار خوض الحرب عند العرب كان يتخذ بمنتهى السهولة فما إن يصيح كبير القوم وقائدهم: إلى الحرب أيها الرجال حتى ينطلق المقاتلون كل إلى جواده نحو القتال. والمفارقة أن العرب في هذه الأيام منشغلون شعوباً وحكاماً في محاولات تجنب الحرب ويسمون ذلك إبعاد شبح الحرب أو درء خطر نشوب حرب. ولم يعد خوض الحروب في الواقع على جدول طموحات أو حتى أوهام العرب ولم تعد الشعوب تطالب حكامها بالاستعداد للحرب وحتى خلال المظاهرات التي عمت مختلف الدول العربية خلال السنوات الماضية فإن المتظاهرين الذين يشتهرون عادة بالمطالب التعجيزيه كانوا يعلنون أنهم لا يطالبون الأنظمة بخوض الحرب. أما الجيوش فقد غدت في واقع الأمر اقرب إلى مستلزمات الأنظمة ومن اللافت للنظر انتشار عبارات مثل الصراع في المنطقة أو “النزاع العربي الإسرائيلي أو التوتر في الشرق الأوسط أو الاكتفاء أحياناً بعبارة الوضع في المنطقة كبدائل للحديث عن الحروب والقتال. والطريف أن الغرب والأمريكان يتعاملون معنا كشعوب محبة للحروب والعنف، ويسعون لكي يطيحوا بهذه الميول لدينا ولو عن طريق شن الحروب ضدنا وهي بالطبع ليست حروباً تلفزيونية وإن كانوا يستعدون لها بسرعة وعلى طريقة إلى الحرب أيها الرجال. وأضيف أنا أن المزاج العام العالمي كله ضد الحرب ولايحب الحرب لأنها أصبحت تجارة بائرة وماتت مؤسسة الحرب غير مأسوف عليها. وفي عام 1870 حينما اندلعت الحرب بين فرنسا وألمانيا كانت الجماهير تزعق من كل جانب إلى باريس .. إلى برلين.. وراهن نابليون الثالث على الحرب من خلال ضغط زوجته المغناج يوجينا الطامعة في العرش لابنها من بعد أبيه وهو الذي كان أي الأب رجل برلمان لم ينصب إمبراطورا إلا على سمعة نابليون الأول المعروف الذي مات في جزيرة سانت هيلينا. والمهم فهذا التطور إيجابي ولا أحد يراقبه، أن المزاج العام لكل شعوب الأرض هو ضد اتجاه الحرب.. وهكذا صدقت نبوءة الشاعر العربي القديم الذي وصف الحرب أنها في البداية تسعى كالشابة لتكون نهايتها عجوزاً مكروهة للشم والتقبيل. أول ماتكون الحرب ضراما يسعى لزينتها كل جهول حتى إذا حميت وشبت غدت عجوزاً مكروهة للشم والتقبيل بغير حليل.. وصدق الله العظيم حتى تضع الحرب أوزارها. فهذا هو منحى التطور أن تودع البشرية الحرب والضرب وتتصرف على نحو راشد.