ذلك هو لسان حال السواد الأعظم في بلادنا، بعدما أكدت كل الكوارث التي قدرها الله في بلادنا، وبما لا يدع مجالاً للجدال أو السجال، أن “الدفاع المدني” ما يزال مفقوداً محلياً، وأن الموجود منه يحتاج في ذاته إلى دفاع ينتشله من بؤس مستواه الواهن إلى بأس منشود يرقى به إلى أهلية وجاهزية الاضطلاع بمهمة الدفاع ودفع بعض البلاء عنا!!. الحادثة الأخيرة لانهيار منزل وسط العاصمة صنعاء، وقبلها حادثة الانهيار الصخري في قرية “الظفير” بمديرية “بني مطر”، وغيرها من الحوادث الكوارث، أظهرت بجلاء عجزاً مخيفاً لدى فرق الدفاع المدني عن القيام بواجباتهم كما ينبغي، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الضحايا تحت الأنقاض، طالما كان هذا الإنقاذ ممكناً، بإذن الله وعونه طبعاً. خمس سنوات مضت.. خمس سنوات فاصلة بين هاتين الحادثتين غير الوحيدتين ولكن البارزتين، ومع ذلك لم يطرأ تطور ملحوظ في قدرات وخبرات، ولا أجري تطوير مطلوب لآليات ومعدات “الدفاع المدني”، وتبعاً لم يظهر تقدم ملموس في إنجازات هذا الجهاز الأمني الحيوي الهام، في الإنقاذ وانتشال الأفراد من تحت الأنقاض، أحياءً وليس جثثاً هادمة!!. وإذا كانت مباغتة التجربة الأولى، ووعورة البيئة الصخرية، وضخامة الأنقاض الصخرية، والمسافة المكانية والزمنية الفاصلة بين موقع الكارثة ومركز الدفاع المدني بالعاصمة، وغيرها من المبررات؛ قد تعذر تقصير أداء الدفاع المدني وعجزه في إنقاذ ضحايا قرية الظفير.. فما هي الأعذار التي تبرر تقصيره في حادثة “منزل الكميم” وسط العاصمة صنعاء؟!!. هذه المفارقة غير المبررة، تثير السؤال التالي: إذا لم تكن التجارب تُراكم خبرات، وتستدعي تطوير قدرات، وتستلزم تحديث آليات، وتوجب تنمية مهارات، وتنعكس -تبعاً- في نتائج الأداء ومستوى إنجاز المهمات..فلماذا يظل التطور في بلادنا معاقاً والتطوير ناقصاً، ومحصوراً -غالباً- في الإجراءات الإدارية والمسميات الوظيفية والأحاديث الإعلامية؟!!. قبل كارثة “قرية الظفير” في ديسمبر 2005م، كان “الدفاع المدني” في بلادنا لا يزال “إدارة” في وزارة الداخلية..وبعد مرور عامين على هذه الكارثة التي ذهب ضحيتها “أكثر من 100 مواطن ومواطنة” حسب آخر الإحصائيات المُعلنة..لاحظوا عامين كاملين، صدر في ديسمبر 2007م قرار بتحويل “الإدارة” إلى مصلحة عامة لها إدارات متخصصة وميزانية مالية مستقلة. القرار قضى بالحرف الواحد: “بإنشاء مصلحة الدفاع المدني وتحديد اختصاصاتها وتهدف المصلحة إلى مواجهة الكوارث العامة والطبيعية ودرء الأخطار المحتملة والتخفيف من آثارها والقيام بعملية الإطفاء والإنقاذ وإسعاف الحالات الناتجة عنها وتأمين وسائل السلامة والاتصال في الظروف العادية والاستثنائية بالتعاون والتنسيق مع أجهزة الدولة المختصة”. ومع ذلك، ظل أداء “الدفاع المدني” في بلادنا، محصوراً في كوارث الحرائق، ليس لأنها الكوارث الوحيدة التي تقع، بل لأن الله يلطف بنا ويدفع عنا البلاء الأعظم، في مقابل عجز ظل منظوراً في التعاطي مع كوارث الفيضانات، والزلازل، والانهيارات الصخرية والمعمارية،وعلى نحو يضاعف العجز فيما لو قدر الله أية كوارث طبيعية أخرى أو وبائية أو صناعية!!. لا يبدو مقنعاً ولا مقبولاً، ولا مُطمئناً- وهو الأهم- أن يظل جُل إنجاز فرق الدفاع المدني وتحديداً في حوادث “الانهيار”، هو انتشال الضحايا محمولين جثثاً هادمة.. فهذا أقرب إلى مهمة “الحانوتي” وليس الدفاع المدني المعول عليه إنجاز عمل “إنقاذي” وانتشال ضحايا من حافة الموت إلى باحة الحياة، وليس إلى ثلاجات المشرحة أو مقابر الموتى!!. وتزداد الحسرة والأسى بسماع وكيل مصلحة الدفاع المدني، يعترف بشأن حادثة الانهيار الأخيرة لمنزل بصنعاء الأربعاء الفائت، بأن “السبب في التأخر في عملية الإنقاذ يعود إلى الإمكانيات المتواضعة لمصلحة الدفاع المدني التي تعاني من نقص شديد في تجهيز المعدات اللازمة”، وإقراره بأن “كل الآليات المستخدمة حالياً تم توفيرها بجهود ذاتية من مكتب الأشغال العامة والطرق بأمانة العاصمة”. أية سكينة يمكن أن تبقى وجميعنا أمسى يعلم ويحفظ اعترافات صريحة وليس مبررات، بأن “إمكانيات مصلحة الدفاع المدني الخاصة بالحوادث والكوارث والزلازل والفيضانات والسيول والحرائق تم رصدها ضمن استراتيجية خاصة من قبل خبراء تم إعدادها طوال عام كامل وتم رفعها إلى مجلس الوزراء منذ العام 2007م ولم تعتمد حتى اليوم”؟!!. حتماً، أكثرنا -إن لم يكن جميعنا- هجرته السكينة وعلى نحو لا يجدي معه أن يظل لسان حالنا: “يا دِفاع الله ادفع عنا البلاء”، ونكتفي بدعاء الله والتضرع له باللطف، فالله تعالى أمرنا بأن نأخذ بالأسباب وأن نأخذ حذرنا من البينات.. ولا يجوز أن تغفل جهات الاختصاص أو تتساهل في مهمة “الدفاع المدني” فهي مهمة أسمى وذات أولوية قصوى. خلاصة القول: مهمة “الدفاع المدني” لا تقل شأناً عن مهمة “مكافحة الجريمة” أو “مكافحة الإرهاب”.. ولو أن “الدفاع المدني” يحظى فعلياً بنفس مقدار الاهتمام أو حتى نصف مقدار الاهتمام الذي يحظى به قطاع “مكافحة الإرهاب” تشريعياً وتنظيمياً، مادياً وفنياً وتقنياً وبشرياً، لكان بالإمكان حقاً، النوم باطمئنان والسير بأمان.. فالآمان يسبق الإيمان.. والله المستعان. [email protected]