في عام 559 قبل الميلاد قفز شاب إلى مسرح الأحداث يدعى (قورش) جمع القبائل الفارسية المبعثرة وزحف بها إلى (ميديا) فامتلكها وهزم ملكها (آستياجس)وتوج نفسه على ميديا وفارس, وشرع في تكوين (الامبراطورية الفارسية) ثم دحر (كروسيوس) حاكم (ليديا) غربي آسيا الصغرى, ثم اتبع سبباً فبلغ مغرب الشمس عند الجزر الأيونية غرب اليونان فامتلكها, ثم اتبع سبباً فوضع يده على كنوز بابل وحرر سبي بابل من اليهود فأعادهم إلى بلادهم. وتوالت انتصاراته خلال ثلاثين سنة, وراح يلقب بقورش الأكبر ملك العالم, ثم اتبع سبباً حتى وصل عام 529 ق.م إلى منطقة قبائل (الماساجيتاي) الهمجية المحاربة على بحر قزوين, فأراد وضع يده على بلادهم, وبعد ثلاثين عاماً من حكم عادل وملك واسع ارتكب حماقة كبيرة فعبر نهر (آراكسيس) إليهم فأرسلت له ملكتهم (توميريس) أنه ليس عندنا ثروة بابل فتطمع بها, وأرضنا جبلية, وشعبنا محارب فضحك منها. وفي خدعة حربية وقع الشاب (سبارغابيزيس) ابن الملكة أسيراً في يده فأرسلت له توميريس تستعطفه أن يطلق لها ابنها ويكتفي بثلث مملكة الماساجيتاي فأبى, ثم ان ابن الملكة لم يطق الإذلال والأسر فقتل نفسه, فغرقت الملكة في الأحزان وأرسلت له تقول: “إنني أقسم بإله الشمس سيدنا أن أعطيك دماً أكثر مما تستطيع شربه رغم كل شراهتك” وفي غمرة غضبهم مزّقوا الجيش الفارسي شر ممزق وقتلوا قورش نفسه!!. ويعقب (روبرت غرين) في كتابه (القوة) بقوله: “إنها بحثت عن جثة قورش, وعندما وجدتها قطعت الرأس ودسته في زق جلدي للشراب مملوء بالدم صائحة: رغم أنني انتصرت عليك وأعيش الآن فإنك قد دمرتني بأخذ ولدي عن طريق الغدر, وانظر كيف أنفذ تهديدي فلديك ما يشبعك من الدم” وبعد موت قورش انحلت الامبراطورية الفارسية وأصبحت في ذمة التاريخ. وتفسير ما حدث أنه لا شيء يسكر أكثر من النصر, وهو ما يحصل مع أمريكا بعد أفغانستان, وكما يقول نابليون: “يأتي الخطر الأعظم في لحظة الانتصار”. وحسب القانون 47 لكتاب شطرنج القوة (لروبرت غرين) فإنه يحذر بأن لحظة الانتصار قد تدفع إلى الغطرسة والثقة المفرطة بالنفس والاندفاع إلى ما هو أبعد من الهدف الموضوع, وخلق أعداء أكثر من الذين تدحرهم, فلا تدع النجاح يدير رأسك, ضع نصب عينيك هدفاً, وعندما تصل إليه توقف. ولكن إذا اعتاد النمر أكل لحم الإنسان استعذبه فلم تمنعه طلقة الصياد. ويقول (توينبي) عن مناط الحقيقة “إن السيف الذي انغمس في الدم لن يحال بينه وبين العودة إليه”. وجميع أولئك الذين يتخذون السيف بالسيف يفنون, والشيء الوحيد الذي لا يمكن فعله بالحراب الجلوس على أسنتها.