ما انفك المعارضون اليمنيون يسعون إلى التغيير عبر تثوير الشارع ويحثّون الناس على الالتحام بتظاهراتهم, إلا أن الشارع ظل أسيراً لكثير من التساؤلات والهواجس المقلقة التي تحول دون تجاوبه مع تلك الدعوات، حيث إن دعاة التغيير لم يعلنوا حتى هذه اللحظة أهداف التغيير، أو مشروعهم السياسي الذي يفترض التفاف الجماهير حوله، كما أن أحداً من المعارضة لم يجرؤ على الإجابة عن السؤال الذي يدور على لسان كل يمني وهو: ماذا سيحدث بعد رحيل النظام؟!. خلال الأيام القليلة الماضية حاولت قوى المعارضة تبديد قلق الشارع اليمني من عواقب فرض التغيير خارج الأطر الدستورية, فأدلى الشيخ حميد الأحمر وقادة آخرون بتصريحات أكدوا فيها أن المعارضة بما فيها الحراك والحوثيون توحّدوا على مطلب التغيير, وأن النظام يهوّل المخاوف على الوحدة والأمن والاستقرار لثني الناس عن التظاهرات. لكن ذلك الطرح لم يحظ باستساغة الشارع لمنطقه, حيث إن الشيخ عبدالمجيد الزنداني - أكبر الرموز الدينية في اليمن - هو الآخر حذّر من تقليد تجربتي تونس ومصر بسبب خصوصية الساحة اليمنية وطبيعة التحديات التي تواجهها, ومثله فعل الكثيرون من المفكرين والمراقبين ومراكز البحوث والدراسات المحلية والخارجية ممن لا علاقة لهم بالنظام أو الحزب الحاكم. أمس شهدت الضالع مسيرة كبيرة نظمها الحراك ردد المشاركون فيها هتافات عنصرية, فيما ألقى شلال علي شائع كلمة أكد فيها أن الحراك قد يتعاطف مع (ثورة الشمال) لكنه لن يتنازل عن هدفه في فك الارتباط و«تحرير الجنوب من الاحتلال»، وهذه نص العبارات التي استخدمها الحراك الذي تقول عنه قوى المعارضة إنه شريكها في تظاهرات التغيير وتطمئن الشارع بأنه لا يريد الانفصال وإنما التغيير..! خلال العشرة أيام الماضية تصاعدت أنشطة ما يسمى بالحراك في عدن والمكلا وردفان والضالع التي شهدت جميعها أعمال شغب وتخريب وخطف واعتداءات مسلحة, وذلك بعد ان أنعشته قوى المعارضة بوصف نشاطه الانفصالي ب(الثورة الشعبية) وضللت الشباب من أبناء المحافظات الجنوبية أن هذه الجماعات وحدوية تتظاهر من أجل التغيير وليس تمزيق الوطن, فإذا بهؤلاء الشباب يتفاجأون بتظاهرات ترفع أعلاماً شطرية وتهتف (لا وحدة.. ولا تغيير.. ثورتنا ثورة تحرير)!!. في محافظة مأرب كانت عناصر تنظيم القاعدة قاب قوسين أو أدنى من تدشين سلسلة إرهابية تستهدف المنشآت النفطية ومحطة الكهرباء الغازية لولا يقظة حراس الوطن الذين خاضوا معها الاثنين الماضي معركة شرسة أسفرت عن اعتقال أحد أخطر قادة الإرهاب القاعدي في اليمن وقتل آخرين واستشهاد أربعة رجال أمن, في نفس الوقت الذي كان الشيخ حميد الأحمر يتحدث لقناة “روسيا اليوم” عن ثورته الموعودة, وينفي وجود أية تهديدات إرهابية في اليمن وأية نوايا انفصالية للحراك. والمفارقة الأكبر هي أنه في نفس اليوم أيضاً الذي استعرض فيه الحوثيون آلاف الأنصار وقالوا إنهم سيزحفون إلى صنعاء للانضمام إلى تظاهرات التغيير, لكن الشيخ حسين الأحمر سبقهم إلى العاصمة بمئات الرجال في نفس الليلة ممن أناط بهم مسؤولية حماية المتظاهرين وكذلك القيام على خدمتهم بالطعام والشراب وكل ما يحتاجونه, بينما الشيخ حميد لا يعلم شيئاً وكذلك قيادات المشترك لم تجد في كل هذه التطورات ما يقلقها على أمن الوطن ومستقبل الوحدة اليمنية!!. من المؤكد أننا لسنا ضد حق أي حزب أو شخصية وطنية في السعي للحكم، أو المطالبة بالتغيير، أو اللجوء إلى أدوات ضغط سياسية معينة لنيل بعض المكاسب الحزبية, فكل ذلك مكفول دستورياً للجميع, لكن نحن ننتقد التضليل القائم للوعي الجماهيري والاستخفاف بمنجز الوحدة وادعاء أن الحراك تخلى عن الانفصال في وقت هو نفسه ملأ بعض مناطق المحافظات الجنوبية ضجيجاً بهتافاته الانفصالية, ولا يمر عليه يوم لا يؤكد قادته فيه أنهم ماضون على طريق إعادة تشطير اليمن, لذلك يتوجب على اليمنيين قبل الالتحاق بمظاهرات التغيير أن يسألوا قادتها: ما هي الضمانات التي يقدمونها للشعب لحماية الوحدة والأمن والاستقرار؟!. فمن لا يمتلك ضمانة لمشروعه لن يكون إلا مقامر بلعبة محرمة، كونه يقامر بما لا يملك طالما الوطن ملك الجميع وليس لبضعة آلاف شخص من بين 25 مليون مواطن.