خبر اقتصادي يمني أفاد بأن ما أنتج من الحبوب بأنواعها في الموسم الزراعي الفائت بلغ مليون طن, دون أن يذكر بالتفاصيل كم القمح وكم الذرة وكم البقوليات. ولعل نشر الخبر يراد به الرد على من يتخوفون من قلة الإنتاج الزراعي لأسباب رئيسية منها تغيّر المناخ والتصحر ومنها الإهمال في زراعة الغذاء والاهتمام بزراعة القات ومدخلاته كالمبيدات والمياه وأخيراً المشاكل السياسية الطاحنة. من وجهة نظري كان الأفضل عدم ذكر الكمية الضئيلة لأنها ربما تحولت إلى خيبة أمل لدى نسبة كبيرة من السكان الذين ربما كانوا يعتقدون أنه وبعد الإعلان الرسمي الصادر قبل حوالي العامين عن تخصيص وتحديد مساحات كبيرة في كل محافظة لزراعة القمح, وظنوا أن كل التجهيزات قد تمت لمنع أي عراقيل كادعاء بعض المواطنين ملكيتهم للأراضي التي - وهذا افتراض- كانت لعشرات أو مئات السنين غير مزروعة إلا بالأشواك والأشجار الحراجية أو صحراء قاحلة تلعب فيها الرمال كأمواج البحر وتتحرك في كل اتجاه بحسب حركة الرياح إلى أن تغمر أراضي جديدة في كل عام وتقطع الطرق الاسفلتية لتصل إلى سفوح الجبال الأقرب, أي التي لا تفصلها عن الجبال إلا كيلومترين أو ثلاثة. فالذي نعرفه أو نقدّره أن اليمن يعتمد على الخارج في استيراد القمح وأنواع الذرة في كل سنة يزيد عن خمسة ملايين طن, وهذا الرقم يتصاعد تبعاً لارتفاع عدد السكان, ويتطلب ذلك إنفاق مئات الملايين من الدولارات لشرائها من أمريكا أو كندا أو استراليا أو فرنسا كقروض أو بالنقد الفوري, فما كان من القروض تضاف عليه فوائد بنسبة العشرة أو العشرين بالمائة تتراكم لتصل أو تتجاوز مبلغ القرض عندما لا تستطيع الحكومة سداد تلك الديون أولاً فأولاً. وإن كان الشراء بالنقد فهناك مشكلة أخرى تتربص بنا وبغيرنا من الدول المستوردة, وهي عربية بالدرجة الأولى, من بين دول العالم كرفع الأسعار بحجج كثيرة كالتي تذرّعت بها روسيا في منتصف العام الماضي على إثر الحرائق الهائلة وانقطاع الأمطار التي فرضت على الحكومة الروسية وقف التصدير مؤقتاً كما قالوا, فارتعدت فرائص المصريين الذين يتقدمون الدول المستوردة للبر الروسي من حيث الكمية السنوية التي تتجاوز الثلاثة ملايين طن إضافة إلى ما تستورده من الدول المنتجة الأخرى التي ذكرناها. وفي مثل هذه الحالات لا تراعى إلا المصالح الوطنية والقومية, أي أنه لا يلتفت إلى الاتفاقات التي من ضمن بنودها يحصل المستورد الدائم والأكبر على أفضلية في النوع وفي السعر وفي التسديد العاجل أو الآجل, وكم سمعنا عن الشروط المجحفة التي تفرضها علينا الدول المصدرة والمنتجة بغية إضافة ملايين الدولارات أو إحداث تعديلات على الاتفاقيات التي يكون حبر بعضها لم يجف بعد. وعليه فإننا أمام مستقبل أقل ما يوصف بأنه صعب في مجال الزراعة واستيراد الغذاء, ولن يحلها لنا إلا نحن إذا كنا نقدّر خطورة ما يجري الآن وما سبق, فتجاربنا كثيرة جداً في هذا المجال المزدوج.