ما الذي يحدث في الساحة اليمنية اليوم؟ لقد وصلت الأمور إلى حد غير معقول من الانقسام والاختلاف في الرؤى والمواقف والسياسات, وماهو أخطر من ذلك.. وصل الخلاف إلى صفوف المصلين في المساجد إلى درجة تنذر بالخطر على السلم الاجتماعي بشكل لم يسبق له مثيل, خصوصاً وقد دخلت الفتوى الدينية على خط السياسة, وراح كل خطيب يسقط أحداث التاريخ على ما يحلو له من واقع اليوم, ليس هذا فحسب, بل وصل الأمر إلى استخدام آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بما يخدم المواقف السياسية, أحد خطباء المساجد شبه نفسه وحزبه بالنبي وأصحابه, وقال بأن تجمع المعارضة اليوم مثل يوم فتح مكة وهو بذلك يقول بأن من ليس معهم فهو ككفار قريش ومكة آنذاك .. هذا الكلام استفز المصلين في الجامع فتحولت الجمعة إلى هرج ومرج وتعالت الأصوات المنددة بما يقول .. كلام لا يستقيم على حال ولا يصح بأن ينسى الخطيب نفسه فيكفر نصف الشعب على الأقل من الذين لهم آراء مختلفة ومواقف مختلفة؛ لأنهم لم يسلكوا مسلك حزب ذلك الخطيب, ولم يسيروا كما يريد فقهاء ومشايخ ذاك الفريق .. أخاف كل الخوف بأن ينفرط العقد الاجتماعي جراء هكذا فتاوى وخطب لا ينتبه أصحابها لدلالات ما يقولون .. ما يطرح اليوم يؤسس لمرحلة قادمة مشحونة بالحقد والكراهية والخلافات لن يستطيع أحدهم أن يوقف هرولة الأوضاع نتيجة الشحن والتعبئة بالكراهية وبالفتاوى, التي ظاهرها الدين وباطنها السياسة والأهداف الآنية .. كيف سيحكم هؤلاء نصف الشعب الباقي إن كانوا ينظرون إليهم على أنهم بلاطجة ومرتزقة وكفار حسب بعض الفتاوى والخطب التي نسي أصحابها أن هذه الفتاوى سلاح ذو حدين اليوم وغداً! فلنقل جميعاً إن الخلاف سياسي ومن أجل مشاريع سياسية مشروعة في ظل التعددية السياسية والحزبية, ولكن بعيداً عن توظيف الدين لصالح فكرة سياسية أوصلت الأوضاع إلى حد العداوة .. الخطاب السائد عند البعض لم يعد خطاباً متزناً تحكمه المسئولية الدينية والأخلاقية بما يمنع الانجرار نحو الهاوية .. الخلافات اليوم وشحن النفوس بالعداوة تمثل بؤر صراع مستقبلية سوف تكون ثقيلة على الجميع .. المشكلة التي نعاني منها اليوم لا تستحق أن تخلق عداوة وحقدا وكراهية بين نصفي الشعب إذا اعتبرنا أن الشعب صار قسمين متساويين, وكل قسم له موقف ورأي, لا ضرورة لأن يتحول المجتمع إلى أطراف متصارعة فهذا لا يخدم الحاكم اليوم, ولن يخدم حكام الغد .. لا مشكلة عندي وعند الناس من يحكم, ولكن المشكلة عندما يتحول الناس في المسجد إلى طرفين متصارعين كان ينذر باقتتال لولا العقلاء الذين التزموا موقفاً وسطياً ليفضوا الاشتباك .. لذلك نقول انزعوا فتيل الصراعات والعداوات وأوقفوا الفتاوى السياسية التي ينسى أصحابها وجود الناس الذين لهم مواقف مغايرة بين الصفوف، وأغلقوا أبواب الشر والفتنة.