إن سقوط النظام بطريقة غير دستورية سيكون ذلك من أكبر الأخطار التي تهدد الديمقراطية، خاصة في ظل ضعف المؤسسات وسيطرة مراكز القوى والتحالف بين الإسلاميين وبعض القبائل , إضافة إلى التحالف المؤقت بين جزء من الجيش المنشق والحوثيين.. لذلك وجب على الشباب أن ينفكوا من أحزاب اللقاء المشترك ومن مراكز القوى التي تريد ابتلاع ثورتهم، ولابد أن يطرحوا طموحاتهم وآمالهم ، بقوة ووضوح بحيث يمكن تحقيقها في الواقع وليس في السماء السابعة.. عليهم أن يضعوا تساؤلاتهم من الآن أمام من سيحكم البلاد في المرحلة القادمة وكيف يمكن تحقيق أكبر معدل للنمو الاقتصادي، وكيف يمكن توزيع عائد هذا النمو , وهذا السؤال يختلط بسؤال آخر حول كيفية تحقيق العدالة الاجتماعية.. المهم في هذه اللحظة ينبغي أن لا يهرب أحد من المشاركة السياسية ,حيث يصبح على كل طرف أن يدلي بدلوه في الحفاظ على الوطن وليس بالخروج عليه ،ولا بأس علينا إذا ما خصصنا يوماً في الأسبوع للعن النظام وليكن ذلك هو يوم الجمعة ,ولكن علينا أن نخصص باقي أيام الأسبوع لمناقشة مايستجد من أعمال في مجال الديمقراطية والتنمية , فالديمقراطية سوف نحسمها أمام صناديق الانتخابات والثانية سوف نصل إليها من خلال عملية مستمرة لتنمية الثروة وتنمية الإنسان حتى لايخطئ الهدف والطريق.. فأنا لست وحدي الذي تساءل عن ذلك الشبح المجهول الذي استولى على ثورة الشباب فهناك الكثير من الناس البسطاء يطرحون اسئلة عمن اختطف الثورة أو سيطر عليها أو امتطاها أو ركب موجتها أو أزاح جموع الشباب وجلس في مقعد القيادة.. لقد أزيح الشباب وجاء أصحاب الحرفة السياسية لقد تجمع في الساحات أصحاب المكاسب الفئوية وأصحاب المطالب الطائفية.. فقدت الثورة براءتها الأولى.. من خرجوا أول يوم من الشباب وجدوا أنفسهم على جانب، بينما أحزاب المعارضة على جانب آخر.. والحقيقة هناك سؤال للثورة لم يجب عليه أحد وهو ثم ماذا بعد؟ وحقيقة الأمر تاريخياً لم تفلح ثورة استعذبت إدانة النظام القديم ولم تجد سعادتها في إزالة آثاره وأسمائه، فالأمر في النهاية لايزيد على تأصيل ثقافة يمنية كان فيها كل نظام يزيل من سبقه. إن أي ثورة في العالم كله لم تنجح لأنها أطاحت بنظام قديم، وإنما تنجح حينما تبني نظاماً جديداً وتفتح آفاقاً جديدة للتقدم والانطلاق. أهم ماحققته الثورة هو أنها أعلنت عن شباب اليمن الجديد معلنة عن فاعل حقيقي وجاد لم تكن اليمن تعرفه من قبل. لقد انتهى العصر الذي كان فيه فاعلان اساسيان فقط في الساحة السياسية اليمنية المؤتمر الشعبي العام وأحزاب المعارضة .. الآن جاء الشباب وظهرت القوة الثالثة.. لكن الشباب لن ينجحوا ما لم يحققوا منجزات أخرى تعيد تشكيل البلاد مرة أخرى.. وأول ماهو مطلوب منهم أن يتمسكوا بالديمقراطية وباحترام الدستور . ذلك كفيل بدفع القوى السياسية المختلفة للتخلص من أمراضها التي جعلت أحوالنا تحتاج إلى ثورة.. إن الديمقراطية لن تأتي ما لم يتخلص حزب الإصلاح من ميراث كامن ومتأصل ينحو نحو الدولة الدينية , وما لم يتخلص الحوثي من فكرة الحق الإلهي , ومالم تنجح جماعات وأحزاب المعارضة الأخرى في التخلص من حالة الضجيج والصراخ. إن ماهو مطلوب هو تغيير النظرة فيما يتعلق بالتحديث والدولة المدنية , فالثورة في جوهرها ليست نبشاً للماضي بقدر ماهي اتجاه نحو المستقبل.. فنحن بحاجة إلى أن ننقل الدولة من الحالة التعبوية المستفزة دائماً إلى الدولة التنموية التي تسعى إلى تحقيق مكانتها بين الأمم .. إن أكثر الصعوبات التي تواجه التغيير هي القدرة على خلق التوافق المجتمعي حول مايجب تحقيقه ليس فقط في صورة أهداف عامة مثل محاربة الفساد أو تحقيق الديمقراطية ,ولكن عن طريق تطوير النموذج الذي نريد الوصول إليه. إذا لم تنتقل السلطة سلمياً وبواسطة الشعب فإن العنف سيكون سيد الموقف، لأن البيئة اليمنية ملائمة لتنامي ثقافة العنف..ونحن أمام مؤشرات عديدة تؤكد تنامي العنف بمختلف صوره وأشكاله في المجتمع اليمني، فهناك العنف السياسي الذي تمارسه بعض الجماعات والتنظيمات المسيسة من أجل تحقيق أهداف سياسية، وهناك العنف الاجتماعي المرتبط بالعلاقات الاجتماعية والتفاعلات اليومية بين الناس , مثل العنف الأسري والعنف الإجرامي الذي تمارسه عناصر إجرامية محترفة. إن اتخاذ خطوات ايجابية وجادة لتحقيق إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي شامل، وفق أولويات محددة ومدروسة هو المدخل الحقيقي للتصدي لكل مشكلاتنا وقطع الطريق على التطرف والعنف والجريمة.. كل ذلك لن يتحقق إلا في ظل التوافق على انتقال السلطة بشكل سلمي وبواسطة الشعب، فتلك هي الطريقة الوحيدة لتأسيس شرعية سياسية مستقرة للحكم قوامها الشرعية الدستورية القانونية. أراد الشباب أن يخلعوا جذور الفساد، فإذا بهم أمام فساد أكبر يجري داخل ساحاتهم من قبل القوى الدينية ومشايخ القبائل وبعض الضباط الذين تلوثوا في الفساد، فسقطت فكرة الدولة المدنية أول الطريق.. تكالبت القوى المتطرفة المختلفة وتحالفت فيما بينها لالتقيم الديمقراطية , أو تقيم مجتمعاً للتسامح , ولكن لكي تقيم صورة من مجتمعات عرفت ويل التقسيم والانشطار والفوضى والغلو.