من نافلة القول بأن الوطن أكبر من أن تستوعبه وجهة نظر واحدة ، وأولئك الذين يريدون أن يصادروا وجهة النظر الأخرى وأن يحتكروا الرؤية الوطنية ويرغمون الآخرين على القبول بأجندتهم الحزبية والتنظيمية والفئوية إنما يمارسون الإقصاء التعسفي ضد غالبية الشعب اليمني،من خلال الخروج على قواعد السلوك الديمقراطي واللجوء إلى ممارسة العنف والتخريب والتهديد، ويمارسون على الجميع الإرهاب الفكري والتنظيمي والسياسي والسلوكي واللفظي. إن أسابيع الاحتجاج الماضية بدت ناضحة بالخطاب النابي والعدواني والإقصائي غير الرشيد، وهو خطاب احتشدت فيه كل مفردات الإرهاب والعنف والتعبير اللا أخلاقي عن مواقف يفترض أنها تحتاج إلى خطاب عقلاني وإقناعي يمتلك ناصية التعبير الديمقراطي والسلمي، ويقدم الحجج والبراهين التي تدفع إلى تصديقه. وقد استطاع ذلك الخطاب غير المهذب أن يستفز مشاعر غالبية الشعب اليمني لتتخذ موقفاً مناهضاً لذلك الخطاب الذي نضح بأهداف وسلوك انقلابي وعدواني ، وتحقق العد التنازلي لذلك الخطاب شعبياً، بحيث تدهور رصيد أحزاب المعارضة، وبالذات التيارات ذات الخلفية الإسلامية التي قدمت نموذجاً يتصادم مع منظومة القيم الدينية وكشرت عن أنياب عدوانية إرهابية إقصائية ليس لها أية علاقة بجوهر وقيم الدين الإسلامي ، وهو الأمر الذي كنا نتحدث عنه نظرياً وكانت العامة بحاجة إلى نموذج حي صارخ مثل هذا ومحك عملي وممارساتي يبين لها تلك البشاعة المختبئة وراء دعاوى التنظيمات الإسلامية. وأصبح الشعب الآن أمام عدسة الحقيقة التي جسدت ما كان يختبئ وراء التنظيمات الإسلامية الراديكالية من نوايا تنتظر اللحظة المناسبة للانقضاض على الديمقراطية لتحقيق أهداف التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ومن لف لفه من التيارات المتطرفة الراديكالية الإسلامية للوصول إلى السلطة وتأسيس نموذج ما يطلقون عليه الخلافة الإسلامية في الشرق الأوسط. وبالعودة إلى اللغة المستخدمة.. نلاحظ بأن ساحات الاحتجاج التي تحتكرها وتسيطر عليها التيارات الإسلامية المتطرفة، قد أصبحت أبواقاً تخرج منها العبارات النابية والكلام البذيء والسلوك غير المهذب من خلال التعبيرات الفردية والفئوية والجمعية والشعارات اللفظية والكتابية والسلوكية التي لا تمت إلى التعبير الديمقراطي بصلة ، بل التي تستفز كل المستمعين والمشاهدين والمتابعين وتدفعهم إلى التقزز والاشمئزاز. وخاصة حين يزج بالأطفال والنساء في أتون ذلك الخطاب غير المهذب، ليتكشف لنا المشهد عن تناقض كبير بين ما يفترض أن يكرسه الانتماء الديني والعقائدي من قيم سامية وبين ما يصدر من خطاب شوارعي وضيع ومتدنٍ. ومن غرائب التناقض أن تعمد بعض النساء المنتميات إلى التيارات السياسية الدينية المتطرفة إلى المبالغة في رفع اللثامات حد تغطية العينين وحجب الرؤية .. لتصدر عنهن ألفاظ وعبارات نابية وقبيحة بوقاحة وصلف لا يتناسب مع الحياء الذي يجدر بالمرأة أن تتحلى به ، ذلك أن الحياء صنو الإيمان وعمود الدين وهو أكثر لزوميات المرأة المسلمة. وعورة المرأة لا تكمن في ظهور عينيها أو وجهها، وإنما تكمن في الخروج عن الحشمة في الكلام وفي الصوت وفي طريقة التعبير وفي السلوك وفي اختيار الألفاظ اللائقة بالمرأة المؤمنة والمسلمة، أما حين تتعلق تعبيراتها برمز من رموز الوطن يمثل الشرعية الدستورية والديمقراطية وله حق الاحترام والتهذيب في الخطاب، فإن المسألة تصبح أكثر انحطاطاً. تلك نماذج لسلوك غير ديمقراطي وغير سلمي، لأن اللفظ لا يقل عدوانية عن فعل السلاح أو الآلات الضارة، أما أن تقترن فظاظة اللفظ وفظاظة السلوك، فقد اكتملت صورة العدوانية وخرج التعبير عن سياقه الديمقراطي والسلمي واكتسى صفات عدوانية تعتدي على الجميع دون استثناء. أتمنى على أولئك الذين يمارسون تلك الألوان من الصفاقة الجماعية المنظمة الخارجة عن قواعد السلوك والتعبير الديمقراطي، أن يراجعوا حساباتهم، لأن الشعب اليمني شعب كريم وشهم وذو أخلاق رفيعة ويختزن من القيم الحضارية ما يجعله يرفض ويناهض ويقاوم تلك اللغة، ويرفض ذلك القاموس الذي لا تقبله عادات وتقاليد الشعب اليمني، وهو ما يعرض تلك التنظيمات إلى خسائر شعبية كبيرة متوالية ويحدد موقف عامة الشعب منها. وبحساب الربح والخسارة، فقد خسرت التنظيمات الإسلامية رصيدها الشعبي وخسرت معركتها الديمقراطية وخسرت ثقة الشارع وساحات الاحتجاج ، وشوهت التعبير السلمي وأساءت إلى عدالة بعض المطالب، وأساءت إلى المشروع المدني الذي تناضل فئات وقوى شبابية وحزبية من أجله ، وحملت تلك التصرفات بقية المحتجين سقطاتها وخروق لحقوق الإنسان، وحقوق الطفل والقيم الإسلامية الحميدة ، وكست المشهد بلغة التحريض والعنف والكراهية والحقد، وولدت لدى شبابها الاستعداد للانتحار الجماعي دون مسوغ ودون مبرر ودون رؤية ، بما تمارسه عليهم من غسيل دماغ وأدلة وتعبئة منحرفة ومتطرفة وعدوانية لم يسلم منها الأطفال ولا النساء. إن ما يحدث هو انتحار جماعي للتطرف على أبواب المشروع المدني الذي يحلم اليمنيون بتعزيزه وإعادة صياغته. [email protected]