تطورت المبادرة الخليجية حتى أصبحت أكثر فهماً لما يحدث في اليمن وفهماً للتعقيدات والتداخلات بين الأطراف ذات العلاقة بالأزمة الراهنة واستيعاباً للبعد الديمقراطي باتجاه الخروج من الأزمة. وفي الوقت الذي أصبح الجميع أمام استحقاق التوقيع عليها وتطوير آلياتها بما يضمن تزامن التوقيع عليها مع رفع جميع مظاهر الاعتصامات والاحتجاجات ومظاهر الفوضى والعنف والسلوك غير السلمي، هرب المشترك منها إلى خياراته الأولى مراهناً على التحريض والفوضى والعنف والتخريب. وهاهم اليوم في هروبهم هذا يذكروننا بهروبهم من تنفيذ اتفاق فبراير ورفضهم لمصفوفة التنفيذ ورهانهم على جر البلاد إلى مربع اللاشرعية. وكانوا يكيلون الكذب للمؤتمر ويتهمونه بما يمارسونه من نكوص عن الاتفاقات وتراجع ومماطلة وتسويف، ويواصلون الكذب حتى يصدقهم الناس، إلا أن وجود وسيط إقليمي وشاهد دولي هذه المرة قد عرّى سلوكهم وأخلاقهم في التزام الاتفاقات والتعهدات. ولم يخجلوا أمام الوسطاء وأمام المجتمع الدولي واختاروا أن يهربوا جهاراً نهاراً إلى خيار العنف الذي يتصورون أنه يقيهم من التزامات الشرعية الديمقراطية والاستحقاقات الانتخابية ويجعلهم في حل من التزامهم أمام الشعب،ظنا بأن أقرب الطرق للوصول إلى أهدافهم الحزبية والفئوية هو العمل الانقلابي، وأن التخريب هي الأداة الأكثر فعلاً في المجتمع لإجهاض خيارات الأغلبية الشعبية. ولا أدري كيف يقيمون أفعالهم .. هل هم يفترضون أن الأغلبية الشعبية جاهلة بما يفعلون وغافلة عما يخططون ؟ وقد بدا واضحاً أنهم يتصورون أن خطابهم مازال قابلاً للتصديق ، ولم يستوعبوا السقطات الكبرى التي وقع فيها خطابهم السياسي والديني والتحريضي المأزوم، وتصرفهم العنيف ، وسلوكهم اللاسلمي، ورغباتهم الانقلابية على الشعب وليس على الرئيس والنظام فحسب. يبدو أنهم لا يرون أنفسهم ولا يراجعون تصرفاتهم ولا يحسبون كم يخسرون يومياً في المزاج الشعبي وكم يخسرون سياسياً في نظر الشباب والمجتمع المحلي والإقليمي والدولي. يبدو أنهم قد صدّقوا صورتهم وخطابهم في “الجزيرة وسهيل” وأصبحوا يقيمون أنفسهم بذات العدسات التي فصلوا بها دعايتهم. لقد مارسوا كل وسائل الدعاية السوداء بل تجاوزوها إلى الكذب على الله وعلى الشعب وعلى الناس، وسقطت عنهم كل أوراق التوت ولم يعد بحوزتهم ما يسترون به عيوبهم عن أعين الشعب. لقد أصبحت الساحات التي أرادوا لها أن تكون فضاء مغلقا عليهم وعلى أفكارهم وعلى أهدافهم أصبحت وبالاً عليهم ، ذلك أنها فتحت أعين الداخلين إليها من المدجنين بالفكر المتطرف والمنغلق على الذات الفكرية والحزبية فتحت أعينهم على الحرية وعلى التعدد وعلى الانفتاح الفكري،وأصبحت تهدد وحدتهم التنظيمية وخاصة التنظيمات الإسلامية المتطرفة ، بالتفكك والتمرد والعصيان لتنظيماتهم وأحزابهم،وبات خيار التطرف الإسلامي هو التحكم العسكري والمليشياتي بشؤون الساحات .. حتى ضاق الشباب بهم ذرعاً وبتصرفاتهم. وها هم يلجأون إلى آليات الانقلاب العسكري الذي أداته عناصر الفرقة الأولى مدرع المتمردة ، ومليشيات جامعة الإيمان ومليشيات الإخوان المسلمين ومن لف لفهم من عناصر العنف والتطرف والإرهاب. وقد بلغ بهم الأمر حد استخدام المسيرات غير المرخصة التي تخرج من ساحات الاعتصام في كل الاتجاهات كدروع بشرية يعاد من خلالها الانتشار العسكري لعناصر الفرقة والمليشيات المسلحة باتجاه المرافق السيادية الحساسة وباتجاه توسيع الرقعة العسكرية في العاصمة. أصبح واضحاً أن عناصر الفرقة والمليشيات المسلحة تتقدم عسكرياً باتجاه أهدافها من خلال المسيرات التي توفر الغطاء البشري المدني من صغار السن والشباب المغرر بهم والشباب المنخرط في التنظيمات الإسلامية تحت دعاوى بأن عناصر الفرقة والمسلحين يحمون تلك المسيرات ،وهذا ما لا يحدث في أي فعل ديمقراطي. يشهد بذلك وعي الشباب المستقل الذين فهموا الأهداف غير الديمقراطية للتنظيمات الإسلامية المسلحة وقرروا بعد «غزوة التلفزيون والملعب الرياضي الشهيرة»، ألا يبرحوا ساحة الاعتصام، في مسيرات لا يعلم أحد اتجاهها، تضحي بالشباب وتورطهم في صدامات واستفزازات لا علاقة لها بالتعبير السلمي الديمقراطي. إنه عمل انقلابي عسكري في صورة مدنية زائفة، وإصرار على ممارسة العنف تحت سمع وبصر العالم الديمقراطي وغير الديمقراطي. لكن هذا لن يعفيهم من مساءلة الدستور والقانون والقواعد الديمقراطية، ولن يعفيهم من التزاماتهم إزاء الأشقاء والأصدقاء وقبل وبعد ذلك من التزاماتهم إزاء الشعب اليمني الذي سيحاسبهم على كل أخطائهم وخطاياهم ويحملهم المسؤولية الجنائية والسياسية إزاء كل النتائج والضحايا التي تحدث بتخطيط مسبق منهم. وقد أصبح الشعب اليمني اليوم، بعد كل هذه التصرفات الرعناء، أكثر تمسكاً من أي وقت مضى بشرعيته الديمقراطية وثوابته ومكتسباته وسيدافع عنها بكل الوسائل الممكنة. وقد أصبح الأخوة أصحاب الجلالة والسمو من قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في قمتهم التشاورية أمام حقيقة خيارات الانقلاب العسكري والسياسي الذي تخطط له أحزاب اللقاء المشترك، وأمام الخطاب الكاذب عن الإصلاح والتغيير الذي ينادى به باسم الشباب وأصبح قادة الخليج أكثر يقيناً بأن حزمة المبادرات الرئاسية والإقليمية أكثر استيعاباً للإصلاح والتغيير الذي ينشده الشعب اليمني وأكثر تعبيراً عن طموحاته. بل أصبح الجميع أمام حقيقة الاتجاه لتدمير البلاد وإعادة اليمن إلى عهود ما قبل الدولة، وما قبل الوحدة والديمقراطية، تحقيقاً لرغبات متطرفة حزبية ودينية وفئوية وجهوية،وهذا ما سيشكل خطراً على المنطقة ويمس أمن الإقليم والعالم، وهو المشروع التدميري الفوضوي الذي لا يمكن أن يسمح به الشعب ولا الأطراف والشركاء الإقليميون والدوليون. [email protected]