لابد من مراجعات جادة وحقيقية إذا أردنا أن نبني دولة حديثة قادرة على أن تنهض بالبلاد والعباد.. ولابد أن تشكل الحكومة من وزيرين لكل وزارة, وزير يُعنى بكنس الروتين ومطاردة ومحاسبة مليشيات المصالح الخاصة والعصابات التي هي عبارة عن مافيات مستمرة, تقف أمام عرقلة التحديث والإصلاح والنهضة وتحارب المبدعين.. ووزير آخر لتنفيذ استراتيجيات محترمة, تقوم على أسس معرفية منهجية وموضوعية, ولو أننا نفذنا (برامج) الحكومات المتعاقبة من أيام المشير السلال لكانت اليمن شكلاً ثانياً (كما تقول نجاة الصغيرة). من أول يوم يجلس على الكرسي الأخ الوزير فإذا به يستقبل الموظفين المهنئين, وكل موظف يهمس في أذن الوزير بأن لديه كلاماً مهماً, وستة أشهر يسمع فيها كلام الموظفين في المكتب والمنزل وفي الطريق إلى السيارة وفي الخروج منها إلى المكتب، وستة أشهر أخرى يتأكد الوزير من الكلام الذي هو نميمة على كل حال وستة أشهر يحاول أن يعاقب أعوان الوزير الأول ويغير مواقعهم, وستة أشهر يبدأ يفهم عمله وستة أشهر أخرى يحاول بفعل النميمة أن يعقد أمور الخلق وبعد ستة أشهر يصدر قرار جمهوري بتعيين وزير جديد!! لم نكن معنيين ببناء دولة حديثة تحترم برنامج عملها, وإنما بفعل عدم المتابعة.. كل وزير أعلن في قرارة أعماقه أن هذه الوزارة هبة لن تتكرر، ومن حقه أن يعمل ما يريد فلا لوم ولاعتاب ولا محاسبة ولا إقالة ولا أي شيء يعكر صفو السيد الوزير لاحفظه الله. ولذلك يصبح الولاء للأشخاص وليس للوطن لانعدام فلسفة الدولة وفهم الوزارة على أنها ملك شخصي واستحقاق خص الله به هذا أو ذاك, وهانحن لانعدام الرؤية نجني الثمار, وهي حنظل مر لا ريب فيه. ومنذ زمن بعيد ونحن نطالب بالعقاب والثواب, فلم يحصل من ذلك شيء, يسرق القاضي ويفسد ويعمر من المال الحرام, حتى إذا ضاق الناس, بل إذا ضاق به الفساد نقلناه إلى مكان آخر. وينهب هذا الوزير أو ذاك عشرات الملايين ويحصل له ما يحصل لبعض القضاة الفاسدين, ونطمئن إلى قائد عسكري ليعمق الولاء للوطن فيرى أنه الوطن وليس غير. ولما قطع الطرق ودمر المخربون أبراج الكهرباء وأنابيب البترول تفهمنا موقف شيوخهم وصالحناهم بعشرات الملايين ولا يكررون ما حدث مرة أخرى.. فيكررونها مرة وثلاث عشرة.. في قواتنا المسلحة صالحون ممتازون محبوبون وفي القضاء نزيهون, وفي الوزراء قدوة.. وحسبنا الله ونعم الوكيل ويزيل الله المفسدين.