أفرزت الأزمة السياسية اليمنية الراهنة حقائق كانت غائبة عن أذهان السواد الأعظم من أفراد الشعب اليمني إلا القليل من الراسخين بعلم السياسة اليمنية والمهتمين بالشأن اليمني. فيمننا الحبيب يمن الإيمان والحكمة عانى خلال حقبة من الزمن من النفوذ والتسلط والتدخل بطريقة أو بأخرى بالشأن اليمني الداخلي والتأثير المباشر في اتخاذ القرار، وقد أدرك فخامة الرئيس علي عبد الله صالح حفظه الله هذه المعضلة الصعبة منذ وصوله إلى كرسي الرئاسة في نهاية السبعينيات وتعامل معها تعامل المدرك والواعي بالتركيبة الاجتماعية اليمنية المعقدة التي تؤثر فيها قوى قبلية وسياسية متعددة منها: - النفوذ القبلي وتأثير مفاهيم وأعراف القبيلة من خلال شخصيات اجتماعية قبلية. - النفوذ العسكري وتأثير شخصيات قيادية وعسكرية وقبلية في الوقت نفسه. - النفوذ الخارجي والتدخل في الشأن السياسي اليمني وشؤونه الداخلية الذي وصل إلى درجة التدخل في تعيين رئيس الحكومة في بعض الأحيان لاسيما عقب انتصار ثورة26 سبتمبر 1962م. - المذهبية والمناطقية والطائفية والتيارات الحزبية والفكرية التي كانت تعمل في دهاليز سرية بعيدةَ عن الأضواء مكونة النواة الأولى للأحزاب السياسية المتواجدة الآن على الساحة اليمنية بدرجات متفاوتة من وقت إلى آخر بحسب الأجواء السياسية الداخلية والعزف على هذه الأوتار لاسيما خلال فترة المشاكل الداخلية في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات والتي تبلورت في نهاية المطاف داخل حزب وطني يضم كل اليمنيين بكافة شرائحهم ومكوناتهم السياسية والثقافية والاجتماعية وهو المؤتمر الشعبي العام الذي تمخض عن الميثاق الوطني الذي يضم قواعد وأسس العمل الوطني في إطار يمني موحد، ويعد دستوراً للعمل الحزبي إن صح التعبير، ويعد هذا أول ثمرة لفخامة رئيس الجمهورية علي عبد الله صالح على أرض الوقع في الساحة اليمنية، هذا الرئيس الذي جاء في ظل الظروف العصيبة والأوضاع السيئة وغليان الشارع اليمني حيث كان يفر ويولي هارباً كل من رشح لكرسي الرئاسة خوفاً من الموت المؤكد الذي يحمله ذلك الكرسي. أتى الرئيس علي عبد الله صالح حاملاَ كفنه بيديه متحدياً الموت مقدماً روحه فداءً لإنقاذ الوطن وقيادة سفينة اليمن إلى بر الأمان، نعم صعد إلى كرسي الرئاسة وطوى صفحة الماضي وفتح صفحة بيضاء وطلب من جميع اللاجئين السياسيين اليمنيين خارج الوطن العودة إلى وطنهم آمنين سالمين للمساهمة في بناء وتطوير اليمن السعيد، ثم أخمد حركة التمرد والتخريب في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات وإعلان العفو العام. وعمل على فرض هيبة الدولة تدريجياً في ظل تلك الظروف المعقدة. والمتتبع للشأن اليمني يدرك كيف عمل فخامة رئيس الجمهورية على فرض هيبة الدولة والأخذ بسياسة التوافق لمعرفته العميقة بالتركيبة الاجتماعية اليمنية المعقدة كما أسلفت سابقاً، كما قام ببناء الجيش اليمني وتدريبه وتجهيزه وتسليحه بأحدث الأجهزة والمعدات والآليات والأسلحة العسكرية وإعداده فنياً وتقنياً، إلى جانب بناء المؤسسة الأمنية للحفاظ على الأمن والاستقرار وأمن المواطن وممتلكاته والثورة والوحدة ومكتسباتهما وما الكليات والمعاهد العسكرية والأمنية المتعددة والمختلفة إلا شاهداً على ذلك..ثم نقب عن النفط ومشتقاته فاستخرجه وتم تكرير جزء منه للاستهلاك المحلي وتصدير الباقي إلى الخارج لرفد الاقتصاد الوطني، واهتم بالتعليم والثقافة فشيد فخامته المدارس والجامعات والكليات والمعاهد وأصبح الكادر التعليمي في المرحلتين الأساسية والثانوية كادراً يمنياً 100 % وكذلك الكادر الجامعي، كما اهتم بالبنية التحتية المتمثلة بالمرافق الخدمية والمباني الحكومية والطرقات المتعددة داخل المدن وخارجها لربط محافظات الجمهورية بشبكة طرقات حديثة، ثم توجه نحو السياسة الخارجية لإخراج اليمن من العزلة التي فرضها النظامان الإمامي والشمولي فربط علاقات تعاون وصداقة مع دول العالم شهد لها السياسيون العرب والأجانب، وعمل على تحقيق أهداف الثورة اليمنية الخالدة بإعادة توحيد الوطن وتأسيس الديمقراطية وحرية الرأي والرأي الآخر من خلال التنظيمات السياسية والمنظمات المدنية والنقابات المهنية وأرسى مبدأ التداول السلمي للسلطة الذي ينص عليه الدستور اليمني الذي صيغ في عهد الوحدة المباركة وشاركت في صياغته جميع القوى السياسية والاجتماعية وضمن للوطن وللمواطن كافة الحقوق والواجبات ومنها هذه الاعتصامات والمظاهرات التي بدأها شبابنا ثم انضمت لهم أحزاب اللقاء المشترك ثم العديد ممن هب ودب، فمن العدل والواجب الإنصاف في ذكر الحقائق وينبغي أن لا نجحد عمل أحد مهما كانت خلافاتنا معه. يا علماء اليمن وحكماءه يا عقلاء المؤتمر والمشترك أيها الوطنيون الشرفاء من أبنا هذا الوطن العظيم، لقد أختلط الحابل بالنابل والدماء سالت والأرواح زُهقت والأنفس قُتلت ورب السماوات والأرض سيسألكم جميعاً بأي ذنبٍ قتلت؟! فكيف ستكون أجابتكم وأنتم واقفون بين يدي خالقكم ؟! لابد أن نراجع أنفسنا جميعاً لاسيما واليمن على وشك أن يدمر بأيدي أبنائه، وساحات الاعتصامات التي بدأها الشباب دخلها المشترك بأحزابه المتباينة والمتنافرة، دخلها الحوثيون وأصحاب الحراك المطالبون بفك الارتباط والانفصال، دخلها الحاقدون والناقمون على الوطن، وزمام الأمور فُقِدَ ولم يعد بأيدي الشباب، الكل يركض ويلهث نحو الهاوية والوطن على مشارف الخراب والدمار، هذه هي الإفرازات التي أنتجتها الأزمة السياسية على الساحة اليمنية، فهل نتنبه لها نحن اليمانيون ونأخذ درساً من حماس وحركة فتح بفلسطين عندما اختلفتا فنهش بلحمهما الأعداء ولم يكن لهما حل إلا العودة إلى طاولة الحوار، فهل نختزل المسافة والوقت ونجنب بلادنا الخراب والدمار ونحقن دماءنا ونفوت الفرصة على أعدائنا ونعود إلى طاولة الحوارلإخراج اليمن من هذه الأزمة الخانقة، فهل نحن فاعلون؟! هذا ما ستجيب عليه الأيام القليلة المقبلة.