* يبدو الأمر معقداً عندما يتعلق الأمر بالحديث عن ازمات اليمن، فالحراك الذي تشهده بعض المحافظات الجنوبية لم يهدأ، والقاعدة تنفض عنها النوم في مأرب، والمعارضة ترد بتثاؤب على مبادرة الرئيس صالح الداعية إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية وثمة أشياء يتم التحضير لها في السر، وقد تشكل المفاجأة الحقيقة التي لم تخطر على بال اليمنيين.انتهت الحرب السادسة في صعدة، ووجه الرئيس بالإفراج عن المعتقلين على ذمة حرب صعدة، ويبدو أن ذلك التوجيه لم يرق الكثير من المعتاشين على الحروب، ويبدو أن المعتاشين أو المتربصين، بالسلطة يجدون في الحرب بيئة مناسبة لتحقيق آمالهم وطموحاتهم التي لن تتوقف إلا عند مستوى كرسي الحكم.. لذلك فالحرب في مأرب ضد القاعدة قد تكون الرد المناسب على الهدوء في صعدة وعمران.. وللتأكيد على قدرة المتربعين على تكييف كل النماذج الدينية لما يعتقدونه يصب في صالحهم، فبعد أن كانت أسباب الحرب في صعدة مبعثها الإثنى عشرية والمد الشيعي القادم من إيران والساعي إلى خلق جغرافية مشتعلة تصدر القلق للملكة العربية السعودية التي يعتبرها أتباع المذهب الشيعي نموذج آخر لإسرائيل لا تختلف عنها سوى بالجلباب الديني الوهابي الأكثر تطرفاً وخطراً على الحلم الفارسي الذي يعطي للإيرانيين فسحة من الأمل بعودة السطوة الفارسية على المنطقة وتشكيل جغرافية وسكانية من شأنها تطويع كل عوامل السيطرة والنفوذ لصالحها، إبتداءً من توزيع النفط وإنتهاء بالتأثير على السياسة الدولية، الأمر الذي يتسبب في تصاعد مخاوف المملكة من جنوبها الملغم بملايين المواطنين التابعين للمذهب الشيعي، ومن تحول أتباع الحوثي إلى نموذج آخر لحزب الله، يستهدفون بصواريخهم أراضي المملكة التي لايزالون يؤمنون بأنها محتلة من قبل السعودية، وأنها مشروع ذرائعهم لمهاجمة المملكة وتشكيل جبهات متعددة ومسلحة في سبيل تحرير هذه الأراضي.نقول بعد هدوء جبهة صعدة تشتعل جبهة مأرب ولكن الأسباب تختلف في كونها تتعلق بالحرب ضد القاعدة، هذا التنظيم الذي وجد في التركيبة القبلية والإجتماعية في اليمن بيئة للتغلغل فيها عن طريق تنظيم عناصر ينتمون إلى هذه القبائل في تنظيم القاعدة، لأنه بذلك يضمن تحرك القبيلة بكاملها في سبيل الدفاع عن عناصر القاعدة من منطلق قبلي بحت، كون الثقافة السائدة لدى تلك القبائل تمثل في أن الإعتداء على أي فرد من أفرادها إعتداء عليها بالكامل، وبالتالي إدخال الحرب ضد القاعدة في اليمن فيما يمكن تسميته المشكلة المعقدة المركبة.ومع أن تنظيم القاعدة يختلف جذرياً عن الشيعة فكراً وتوجهاً إلا أن المتربصين بالسلطة يؤكدون مقدرتهم على إستخدام الأوراق المتناقضة وبطريقة عجيبة ربما أن للتركيبة القبلية والإجتماعية السر وراء تمكنهم من الوصول إلى هذه المتناقضات وإستخدام المال أحياناً، والعمل الإستخباراتي أحياناً أخرى في سبيل إشعال تلك الحروب التي تدخل الدولة في حالة من الإرباك وتعطل الكثير من المصالح وخطط التنمية، وما ينتج عن ذلك من إتساع لرقعة التذمر الجماهيري وإمكانية التأثير فيه وترويضه لصالح الإنقضاض على كرسي الحكم.سياسيون يتوقعون إمتداد أي حرب قد تنشب بين القوات الحكومية وأتباع الحوثي إلى عدة محافظة كحجة وذمار وبعض مديريات محافظة صنعاء بالإضافة إلى عمران وصعدة، لكن آخرون يرجحون أن تظل محصورة في صعدة إذا ما كان تفكير الحوثي بالسلطة جاداً، لأن إنتشارها لتشمل عدة محافظات ستصنع كراهية ضده نظراً للمترتبات الأمنية التي ستمس حياة الناس وستعمق من مآسيهم.. ويعتقد هؤلاء أن الحرب ضد القاعدة لن تظل محصورة في محافظة مأرب بل ستمتد لتشمل عديد محافظات وخاصة تلك الأكثر تعقيداً وتشابكاً في تركيبتها القبلية كالجوف وشبوة.وأمام هذه الأوضاع لن تقف السلطة الحالية مكتوفة الأيدي، ولن تكتفي بالأنجرار وراء هذه المطبات والحفر، بل ستحاول تكييفها لخدمة بعض أهدافها، ونعتقد أنها ستبذل ما بوسعها لرفع حدة القلق الإقليمي الدولي من الخطر الذي يحمله الإرهاب لأمن وإستقرار المنطقة والعالم، وستعمل على إيصال رسائلها بهذا الشأن بطرق مختلفة وعبر الوسائل التي تراها مناسبة، وستضمن دعماً دولياً ومساندة إقليمية مادية ومعنوية، بإعتبار أنها الأنسب لأداء الدور المطلوب والذي يحقق مصالح كافة الأطراف وبذلك ستجنب نفسها الرقابة الدولية، وستبرر لذاتها الإستمرار في السلطة كونها تحمل مشروعاً وطنياً ودولياً وتنفذ أجندة مطلوبة وتؤدي دوراً أكثر حساسية يجعلها أجدر، بالمساندة والمساعدة، كما أنها ستضع حداً للمتربصين بكرسي الحكم عن طريق الضغط الخارجي والتدخل الإقليمي، الذي سيتعامل مع كرسي الحكم في حالة تعاطفه من المناهضين للسلطة القائمة، بإعتباره ورطة لايمكن لأي كان الخروج منها سوى السلطة الحالية، وأن الفشل الذريع ينتظر من يعتقد أن بإمكانه حلحلة هذه المشاكل المعقدة المركبة.في مثل هذه الحالة ستؤجل الإنتخابات البرلمانية القادمة ولن يفقد النظام شرعيته خاصة أمام الخارج، وستكون الظروف مواتية جداً لإجراء تعديلات دستورية من شأنها التمديد لرئيس الجمهورية لفترتين رئاسيتين قادمة بمبرر أن الحروب والمشاكل المختلفة لم تمكنه من تنفيذ برنامجه الإنتخابي، ويحتاج إلى فرصة قادمة لتنفيذ هذا البرنامج الذي وعد الشعب بتنفيذه، كما أنه سيضمن تجفيف منابع الدعم لأي تحرك من شأنه تحقيق الإنفصال، لأن دعم الإنفصال في مثل هذه الحالة دعم مباشر للإرهاب الذي سيجد في الإنفصال وما سيترافق معه من فوضى كبيرة بيئة خصبة للتوسع والتمدد.