القوات الجنوبية تتصدى لمحاولة تسلل حوثية في جبهة كرش    الجنوب على طاولة البرلمان البريطاني: اعتراف صريح بأن لا سلام دون تقرير المصير    كولومبيا تطرد بعثة "إسرائيل" الدبلوماسية من أراضيها    الاحتجاجات تتوسع في المغرب رغم إعلان الحكومة تفهمها لمطالب المحتجين    طقس شبه بارد على أجزاء من المرتفعات وتوقعات بهطول خفيف على بعض السواحل    ضابط استخبارات: الإمارات الداعم الرئيسي لحرب السودان    سان جيرمان يقهر البارشا بثنائية    الشرطة تضبط متهماً بقتل زوجته في بعدان    دوري ابطال اوروبا: بي أس جي يظهر معدنه رغم الغيابات ويصعق برشلونة في معقله    جريمة مروعة في عدن.. شاب ينهي حياة خاله بسكين    العراسي يتساءل: كيف تم الإفراج عن المتورطين في شحنات الوقود المغشوش والمبيدات السامة..؟! ويثير فساد محطة الحديدة    البيض: خطاب الانتقالي متناقض بين إدارة الحرب وخيارات المستقبل    وفاة برلماني يمني في الرياض    «المرور السري» يضبط 110 سيارات مخالفة في شوارع العاصمة    المجلس الانتقالي يرحب بافتتاح المكتب التمثيلي لسفارة جمهورية الهند في العاصمة عدن    الخارجية الهولندية: سنعمل على إدراج الحوثيين في قائمة الإرهاب التابعة للاتحاد الأوروبي    عدن .. افتتاح مكتب تمثيلي للسفارة الهندية لدى اليمن    الدولار يتراجع لأدنى مستوى له في أسبوع    رسالة إلى رئيس الوزراء بن بريك    سياسيون يحتفون بيوم اللغة المهرية ويطلقون وسم #اللغه_المهريه_هويه_جنوبيه    في رثاء يحيي السنوار    خساسة المؤامرة: بريطانيا سلمت الجبهة القومية أرض الجنوب العربي وليس اليمني (وثيقة)    منتخبنا الوطني الأول يواصل الإستعداد لمباراتي بروناي    الريان القطري يهزم تضامن حضرموت بخماسية في دوري أبطال الخليج    مسيرة لجامعة تعز والمعهد الوطني للعلوم الإدارية تضامناً مع غزة    احباط تهريب كمية كبيرة من المواد الخطرة بعمران    وقفة لهيئة المحافظة على المدن التاريخية تنديدا باستهداف العدو الصهيوني لمدينة صنعاء القديمة    صنعاء.. البنك المركزي يوقف التعامل مع منشأة صرافة    القائم بأعمال رئيس الوزراء يزور الهيئة العامة للأراضي    مفتاح يطلع على حجم الاضرار بالمتحف الوطني    طائر السمو.. وجراح الصمت    #عاجل البرلمان البريطاني يصدر رسمياً "مذكرة" قرار دعم لقضية الجنوب    تحليق 20 مسيرة فوق أسطول الصمود المتجه لغزة    استشهاد ضابط إثر اشتباكات مع مسلحين بمدينة التربة جنوبي تعز    مقتل ما لا يقل عن 60 شخصا في زلزال بالفلبين    مبابي في صدارة هدافي أبطال أوروبا    لماذا المُعَلِّمُ أولاً؟!!!    ليفربول يسقط في ابطال اوروبا    الإمارات تستولي على الثروة اليمنية في جبل النار بالمخا    الإعلان عن تأجيل "بطولة الدارتس التأسيسية" إلى الأسبوع القادم    تغاريد حرة .. من يزرع الوجع لن يحصد غير العاصفة    الأغذية العالمي: ثلث الأسر اليمنية تواجه حرمانًا غذائيًا خطيرًا    أنا والحساسية: قصة حب لا تنتهي    إصلاح بيحان يحتفي بذكرى التأسيس وأعياد الثورة اليمنية بفعالية رياضية    من تدمير الأشجار إلى نهب التونة: سقطرى تواجه عبث الاحتلال الإماراتي البري والبحري    محافظ شبوة: مطار عتق ركيزة لدفع عجلة التنمية    لا تستغربوا… إنهم يعودون إلى وطنهم!    رغم الدعم السعودي .. حكومة بن بريك تواصل تجاهل أزمة المرتبات في عدن وبقية محافظات الجنوب    ضحك الزمان وبكى الوطن    تنفيذ حملة لمكافحة الكلاب الضالة في مدينتي البيضاء ورداع    تنفيذ حملة لمكافحة الكلاب الضالة في مدينتي البيضاء ورداع    وفاة امرأة بخطأ طبي في إب وسط غياب الرقابة    مراجعة جذرية لمفهومي الأمة والوطن    في 2007 كان الجنوب يعاني من صراع القيادات.. اليوم أنتقل العلة إلى اليمن    القهوة تساعد على تخفيف الصداع.. كيف تتناولها لحصد الفائدة    صنعاء... الحصن المنيع    المساوى يدّشن مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء    في محراب النفس المترعة..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجنوب العربي كقوة صاعدة: قراءة استراتيجية في ملامح دولة تتشكل
نشر في شبوه برس يوم 28 - 06 - 2025

تحولات إقليمية تُعيد تشكيل الخارطة السياسية: الجنوب العربي في قلب المعادلة

تعيش منطقة الجزيرة العربية والقرن الإفريقي حالة غير مسبوقة من إعادة تشكيل موازين القوى، إذ تدفع التحديات الأمنية، والتحولات الاقتصادية، والتقلبات الجيوسياسية، الأطراف الفاعلة إلى إعادة رسم تحالفاتها ومراكز نفوذها. في خضم هذا المشهد، يبرز الجنوب العربي كواحد من النماذج السياسية الصاعدة التي تفرض نفسها بقوة على الواقع، لا بوصفه كيانًا انفصاليًا كما تحاول بعض الجهات تصويره، بل باعتباره مشروع دولة يتبلور من رحم أزمة ممتدة منذ ثلاثة عقود، ويستند إلى شرعية شعبية وتاريخ سياسي متجذر. لم يعد الجنوب العربي مجرد قضية داخلية، بل تحول إلى معطى أساسي في أي مقاربة لحل الصراع في المنطقة، باعتبار أن تجاهله لم يعد ممكنًا أمام الحقائق الجديدة التي فرضتها التحولات على الأرض.

فما تشهده الساحة من تطورات يمنح الجنوب العربي موقعًا متقدمًا ضمن خريطة التحالفات الإقليمية، ليس فقط بسبب موقعه الجغرافي الذي يتحكم بإحدى أهم بوابات الملاحة العالمية، بل بسبب امتلاكه لإرادة سياسية وقدرة تنفيذية جعلته يتجاوز مرحلة المطالبة إلى مرحلة التأسيس الفعلي لكيان سياسي وأمني وخدمي متكامل. هذا التحول لا يرتكز على حالة طارئة أو طموح عاطفي، بل ينبني على رؤية استراتيجية تعمل على مستويات متعددة: بناء مؤسسات الدولة، تمتين الحضور الإقليمي، وخلق بيئة مستقرة تؤهله للعب دور الشريك في معادلات الأمن والاستثمار في المنطقة.

من المظلومية إلى الفاعلية: تحوّل نوعي في تمثيل الجنوب العربي سياسيًا

تمكّن المجلس الانتقالي الجنوبي، منذ تأسيسه، من نقل القضية الجنوبية من خانة التهميش إلى موقع الفاعلية السياسية، بعد أن نجح في بناء هيكل تنظيمي وإعلامي ودبلوماسي يعكس طبيعة القضية الجنوبية كقضية شعب يسعى لاستعادة دولته، وليس كمجرد فصيل سياسي يناور في هامش الصراع. وقد استطاع المجلس أن يؤسس شبكة من العلاقات الإقليمية والدولية، توازنت بين الواقعية السياسية والتمسك بالثوابت الوطنية، ما مكّنه من فرض حضوره في مختلف المراحل التفاوضية، وضمن مسارات متعددة للحل السياسي.

إن هذا التقدم لم يكن ليتحقق لولا قراءة دقيقة للواقع وتحركات مدروسة على الصعيدين الداخلي والخارجي، تراوحت بين الانفتاح على القوى الدولية والإقليمية، وبناء قاعدة صلبة من الدعم الشعبي في الداخل الجنوبي. ولم يعد بإمكان الأطراف الإقليمية والدولية التعامل مع ملف الجنوب العربي كأحد مخرجات النزاع، بل كعامل مؤسس في صيغ الاستقرار القادمة. وبهذا المعنى، لم يعد الجنوب ينتظر الاعتراف، بل يفرضه من خلال حضوره الفعلي، ومؤسساته القائمة، وقدرته على ملء الفراغ الذي تسببت فيه الانهيارات المتتالية في مؤسسات الدولة السابقة.

هندسة أمنية وطنية: تجربة الجنوب العربي في بناء الاستقرار

على الأرض، يتجلى نجاح الجنوب العربي بشكل واضح في التجربة الأمنية التي استطاع أن يبنيها رغم شح الموارد وضغط التحديات. فالتشكيلات الأمنية والعسكرية الجنوبية، بدءًا من قوات الحزام الأمني والنخب ووحدات مكافحة الإرهاب، استطاعت أن تؤسس نموذجًا أمنيًا محليًا يعكس روح الانضباط المؤسسي، والعقيدة القتالية المرتبطة بالدفاع عن المشروع الوطني الجنوبي. وقد أظهرت هذه التشكيلات فاعلية كبيرة في مواجهة الإرهاب والانفلات، ليس فقط في عدن، بل في محافظات ومناطق كانت لسنوات خاضعة لتهديدات أمنية متكررة.

وتتميز هذه التجربة بانبثاقها من البيئة المجتمعية الجنوبية نفسها، ما جعلها أقرب إلى المواطن، وأكثر فهمًا لطبيعة التحديات على الأرض، وأقل عرضة للانهيار أو الاختراق الخارجي. كما أن النموذج الأمني الجنوبي لم ينزلق إلى حالة التسلط، بل حاول في كثير من محطاته التوازن بين الحزم والاحتواء، وهو ما أتاح له الحفاظ على قدر من الاستقرار في بيئة متوترة. ولعل التجربة الجنوبية هنا تكتسب قيمتها ليس فقط باعتبارها حالة أمنية ناجحة، بل كنموذج لبناء مؤسسة وطنية قابلة للتطوير والدمج لاحقًا ضمن منظومة دولة كاملة السيادة.

قدرة على الحكم لا على الصمود فقط: البنية الإدارية والمؤسسية في الجنوب

رغم الصعوبات المتراكمة، والضغط المستمر على الخدمات الأساسية، تمكن الجنوب العربي من الحفاظ على أداء إداري مقبول نسبيًا، يُظهر أن الحالة الجنوبية ليست مجرد كيان مقاتل أو سلطة أمر واقع، بل مؤسسة قابلة للنمو والتطور. فقد أظهرت السلطات المحلية في عدن والمكلا وعدد من المديريات الأخرى قدرة على إدارة الملفات اليومية للمواطن، بما فيها الصحة، والتعليم، والخدمات البلدية، في ظل انعدام شبه كلي للدعم الدولي، واعتماد محدود على الموارد الذاتية.

إن هذا الأداء، برغم كل ما يعتريه من نقص أو تحديات، يُظهر ملامح واضحة لدولة قيد التشكل، تحاول أن تصنع أدواتها بهدوء في غياب الدولة المركزية، وتحت ضغط سياسي واقتصادي مضاعف. كما أن البنية المؤسسية التي بدأت تتكرس تدريجيًا، من خلال المجالس المحلية، والهيئات القطاعية، تفتح المجال أمام الجنوب لإقناع الفاعلين الدوليين بقدرته على الحكم، لا فقط الصمود. وهذه الرسالة، وإن لم تكن مثالية، إلا أنها تحمل مضامين استراتيجية في معركة الاعتراف، وتراكم رصيدًا من المصداقية يمكن البناء عليه مستقبلاً.

جنوب البحر والممرات الاستراتيجية: العمق الجيوسياسي للقضية الجنوبية

لا يمكن قراءة مستقبل الجنوب العربي بمعزل عن موقعه الجيوسياسي، الذي يمنحه ميزة تنافسية في النظام الإقليمي والدولي. فإشراف الجنوب على مضيق باب المندب، وتداخله مع خطوط التجارة والطاقة في خليج عدن، يجعله لاعبًا محوريًا في أمن البحر الأحمر والقرن الإفريقي، وهما منطقتان تمثلان مجال تنافس حاد بين القوى الكبرى. وقد أظهرت التجربة أن أي فراغ في هذه المنطقة يتحول بسرعة إلى نقطة جذب للفوضى، ما يجعل من الجنوب شريكًا ضروريًا في أي استراتيجية للاستقرار.

ومن هذا المنطلق، فإن دعم الجنوب العربي لا يندرج فقط ضمن إطار العدالة التاريخية، بل كمصلحة استراتيجية لأمن الملاحة العالمي، ومنع تسلل الجماعات الإرهابية والقرصنة البحرية. وقد بدأت بعض القوى الدولية، بما فيها شركاء أمنيين إقليميين، بالتعامل مع الجنوب على هذا الأساس، من خلال اتفاقات وتنسيقات أمنية غير معلنة. وهذا الاعتراف الضمني يفتح الباب تدريجيًا أمام تحول الجنوب إلى كيان معترف به بحكم الأمر الواقع، وإن لم يتحقق بعد الاعتراف الكامل رسميًا.

نحو دولة جنوبية مستقلة: بين الشرعية الشعبية وموازين المصالح

أمام هذا المشهد المتداخل، لا يبدو أن مطلب الجنوبيين باستعادة دولتهم مجرد حنين إلى الماضي، بل استحقاق سياسي يتغذى من واقع متغير على الأرض، وتأييد شعبي راسخ، وقدرة مؤسسية آخذة بالنمو. فالدولة الجنوبية، التي سقطت قبل أكثر من ثلاثة عقود، تعود اليوم بشكل مختلف، أكثر وعيًا بشروط البقاء، وأعمق فهمًا لتوازنات الإقليم، وأقل انفعالية في التعاطي مع العالم.

وبينما تسير القوى الدولية على حبل دقيق بين وحدة التراب واستقرار المصالح، تفرض الحالة الجنوبية نفسها كواحدة من أبرز المعطيات التي يصعب القفز عليها. وهنا، يصبح السؤال الحقيقي ليس هل سيعود الجنوب دولة؟ بل متى وكيف؟ وعلى أي أرضية تفاوضية سيُبنى هذا الاعتراف؟ وبينما يتشكل الجواب على مهل، يواصل الجنوب العربي بناء مؤسساته، وترسيخ هويته، وصياغة دولته بطريقته، بعيدًا عن الضجيج، ولكن بثقة تصنع الفارق.

*- مركز الأحقاف للدراسات الاستراتيجية والإعلام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.