صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا غاب الوعي عن أصحاب الحكمة اليمانية؟!
نشر في الجمهورية يوم 27 - 05 - 2011

الحمد الله القائل: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله، فقد فاز فوزا عظيما»، ويقول سبحانه: «لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف، أو إصلاح بين الناس» ، والقائل عز وجل: “ ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا، إن رحمة الله قريب من المحسنين”، والقائل: «ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزآؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما »، والقائل: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، إن الله نعمَا يعظكم به، أن الله كان سميعاً بصيرا»، والقائل:« وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب »، ويقول: «يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيداً، ويحذركم الله نفسه، والله رؤوفٌ بالعباد».
والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين سيدنا محمد القائل: « أن الله حرم عليكم دمائكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا »، ويقول صلوات ربي وسلامه عليه : “ الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة ،أفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان»، ويقول:« المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، وأخرج الطبراني في الكبير عن حذيفة بن أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم »، وقال أيضاً:« لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبغ بعضكم على بعض وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره»، وقال صلى الله عليه وسلم:«سباب المسلم فسوق وقتاله كفر »، وقال: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقا»، وفي الموطأ للإمام مالك (رضي الله عنه) قيل لرسول الله (صلى الله عليه وسلم): أيكون المؤمن جباناً ؟قال: نعم، فقيل له: أيكون المؤمن بخيلاً ؟ قال: نعم، فقيل له: أيكون المؤمن كذاباً ؟ فقال: لا .. وقال أيضاً: « إن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة».
وعليه فإن الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي ذكرناها ليست إلا نماذج وجزء يسير من ضمن المئات من الآيات والأحاديث التي كلها تحمل معاني ودلالات وأحكام وتكاليف ربانية تشرع وتنظم حياة ومصير الإنسان المسلم دنيا وآخرة وفيها بيان لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الخالق والخلق وكيف تكون فيما بين الخلق بعضهم ببعض، وتحقق مقاصد الشريعة، حيث أن الإيمان عقيدة المسلم وقوام حياته ومجمع الفضائل وعنصر كل الخيرات، قال تعالى: «والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ».
وبما أن اليمن اليوم قد قُدّر لها أن تمر بأوضاع وظروف عصيبة، بسبب الأزمة المفتعلة التي أُبتلينا بها تحت مسمى (الفوضى الخلاقة ) أعاذنا الله من هذه الفتنة.
وعلى ضوء ما سبق وما أفرزته الإحداث إذا ما أردنا فهم ومعرفة ما جرى ويجري وهل هو شر كان لابد منه من عدمه ؟ فإن البعض قد يجد أمامه أسئلة تفرض نفسها بإلحاح مثل:
هل التزمنا بتلك القيم الإيمانية والتشريعات السماوية التي تضمنها كتاب الله العظيم وسنة رسوله الكريم، وتم مراعاتها وأخذها بعين الاعتبار فيما حدث ويحدث ؟ وهل كانت تلك المبادئ حاضرة في حسبان ووجدان العناصر والمكونات التي أثارت وافتعلت وأدارت هذه العاصفة الهوجاء ( الفتنة) ؟ ومن تفاعل وتعامل معها كمؤمنين ومسلمين ؟
وإذا كان الهدف والسبب من تفجير هذه الإحداث بظاهرها ،هو إحداث التغيير والإصلاح .! فهل حرص الفاعلون والمتفاعلون مع هذه الأوضاع على تجنب غضب الله عز وجل ؟ وهل خلت مشاهد وصور تلك الأفعال من عدم اقتراف الجرائم والآثام وارتكاب الحماقات والتعدي على حدود الله ؟ وهل تجسدت فينا معاني تقوى الله ؟ باختصار هل راعينا شرع الله فيما حدث ويحدث في يمن الإيمان والحكمة ؟خاصةً إذا علمنا بانّ دين الدولة هو الإسلام وشريعته هي الشريعة الإسلامية كما نص على ذلك دستور الجمهورية اليمنية وأقول بل وأجزم: لا والله لم يحصل من ذلك شيء، فما حدث من انتهاكات لحقوق الإنسان المسلم وما لحق بالمواطنين من أضرار نفسية واقتصادية وأمنية وثقافية وما تعرض له الوطن من تدمير وتشويه سمعة اليمنيين فيه ما يؤكد على ما أشرت إليه.
ولكي نجد الإجابات على تلك التساؤلات سأتحدث عن هذه الفتنة من خلال بعض المشاهد والصور والانطباعات للأفعال التي أفرزتها هذه الأزمة، واضعها بين يدي القارئ اللبيب ومقارنتها بما يحدث في الواقع ويُستنتج منها الإجابات، وإن كان الكثير منها قد تضمن الكثير من التساؤلات الإضافية أترك إجابتها للقارئ الكريم وقد ألحقت بها بعض المفارقات والملاحظات على النحو التالي:
هل تناصحنا وتواصينا فيما بيننا كما أمرنا الله ورسوله؟ وهل تحاور العقلاء فيما بينهم بالتي هي أحسن ؟ أم أن البعض منا قد أستبد لوا ذلك الأمر بثقافة المكايدة والعناد والمكابرة وكيل التهم والشتائم والتجريح والتشهير والسب العلني للآخر ونفيه وعدم قبول رأيه باستخدام الألفاظ السوقية المنحطة البعيدة كل البعد عن أخلاقنا وقيمنا الإسلامية .
وبالنسبة لفقهاء الدين وعلمائنا الإجلاء ( مرجعية الأمة ) هل كانوا عند مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقهم ؟ وهل كان لهم دور فعال في الأحداث ..! سلباً أم إيجابا ؟ سأجيز لنفسي الإجابة على هذا السؤال: أعتقد بأن دورهم ضروري وهام فهم أهل الذكر الذين ينبغي أن نسألهم في أمور الدين والدنيا، أم أنهم أصبحوا الآن منقسمين ومشتتين وأصبح حالهم محزن للغاية .
أعود فأسأل مرة أخرى هل عملوا بما أمر الله ؟ وهل كان لهم موقف موحد يهتدي به الناس جميعاً حول ما يجري وما يجب أن يكون ؟ هل الحزبية أثرت على بعضهم وانعكس ذلك على عدم اتفاقهم في اتخاذ رؤية موحدة ؟ أم أن البعض منهم يعاني من قصور في الفهم والإدراك وفهم الشريعة على الوجه الصحيح؟!.
ونتساءل عن من قام بتحريض الشباب على اتخاذ سبيل العنف للتخريب والعصيان والخروج على ولي الأمر، وتسيير المظاهرات الاستفزازية والاحتكاك برجال الأمن والمواطنين الأمر الذي أدى في النهاية إلى سقوط ضحايا من جميع الأطراف بحجج تحقيق مطالب قد لا تكون معقولة! ولا تحمل رؤية واضحة! أي ديمقراطية هذه التي تجعل من صاحبها متصلب الرأي متمترس خلف الفكرة والنظرة ألأحادية القاصرة ؟ وهل كل تلك الأفعال من الدين وأين الإيمان والأمانة منها ؟
ما حكم الشرع الإسلامي من الفتاوى التي أجازت وشرعت لما يقوم به بعض المتظاهرين والمعتصمين ( المحتجين) من أعمال تخريبية ونشر الفساد في البلاد، وجعلت من بعض الشباب يعتقدون بأنهم مشاريع شهداء، ومن أوهمهم أنهم في جهاد، ومن شجعهم على ارتكاب حماقات ؟ وكذلك ما حكم الشرع في من يقوم بتوجيه المتظاهرين بأن يلقوا بأنفسهم في طريق الهلاك ليكونوا قرابين وحطب في سبيل تحقيق مشاريع مجهولة ووهمية ولا تصب إلا في مصلحة أعداء الوطن..!دون مراعاة لمطالب الشباب ومصالحهم الحقيقية أو مصلحة الوطن؟.
رأينا وسمعنا من قام بالدعوة والتحريض على تعطيل مصالح العباد والبلاد والمساهمة في تدمير الممتلكات الخاصة والعامة واحتلالها وقطع الطرقات والشوارع وإرغام بعض التجار وطالبين الرزق على إغلاق محلاتهم بحجة تنفيذ ما يسمى بالعصيان المدني، أين التقوى والخشية من الله ممن أثار الفتنة وأجج الاحتقان ؟ هل يوجد في القيم والمبادئ الإسلامية والوطنية والأخلاقية ما يجيز ويبرر تلك الأفعال؟.
أين الوازع الديني والوطني، والإنساني ممن حرض على إباحة سفك الدماء البريئة ؟ أو ساهم في قتل النفس التي حرمها الله وانتهاك واستباحة أعراض الناس والاعتداء على النساء حتى وصل الأمر إلى أن يقطع لسان من يخالفنا في الرأي ؟ أليس من فعل ذلك مسئولاً أمام الشرع والقانون عن كل الضحايا الذين قتلوا واستشهدوا، سواء كانوا من العسكريين أو من الشباب أو من المواطنين ؟.. لقد قام البعض من بيننا بإفساد العملية التعليمية وتعطيلها وإغلاق بعض المدارس وحرمان الكثير من أبنائنا من تحصيل علمي لسنة دراسية كاملة، ولم يكتفوا بذلك بل تم الزج بأطفالنا في مستنقع الحزبية المقيتة، فكان استغلال الأطفال في هذا المجال بمثابة انتهاك صارخ لحقوق الطفولة في أبشع صورها، فأين هي القيم الإيمانية، والشعور الوطني من تلك الأفعال ؟ ولصالح من؟ وما هي العبرة والفائدة منها ؟ وهل تلك الأعمال ستضر بالنظام؟ أم أن الضحية هو المواطن الغلبان؟.. ألم نفرط بالأمانة التي أمرنا الله ورسوله بأن نؤديها إلى أصحابها بالتمام والكمال عندما يترك البعض منا مسئولياته وواجباته ويتغيب عن وظيفته ويقصر في أداء عمله..لوحظ بأن بعض القنوات الفضائية المغرضة والمسماة ( بقنوات الفتنة ) وبعض الصحف الصفراء قد اتخذت أسلوب المبالغة والكذب والدجل والتحريض والتضليل والإثارة وجعلت من ذلك نهجاً وسلوكاً تمارسه أثناء تغطيتها وتعاملها مع الأحداث، فأين الأمانة وشرف المهنة والمصداقية من هذا السلوك ؟ بل أين قيم الإسلام والأديان السماوية الأخرى وتعاليمها من تلك الأفعال الرخيصة والمكشوفة ؟
بعض الوسائل الإعلامية لم تكتف بما تقوم به من إثارة وتضليل، فمن يتابع بدقة سيلاحظ أنها تحاول استعداء الخارج على الوطن وتنقل صوراً مشوهة عن اليمن، وقد قرأت بعض المقالات التي نشرت في بعض الصحف الصفراء فوجدت أنها تحاول إفساد العلاقة المتميزة بين اليمن كدولة وشعب وبين شعوب ودول المنطقة..!!!
كل من تابع وسائل الإعلام من المنصفين يجد أن هنالك تجاوزات ومبالغات وأوجه قصور قد شملت كل وسائل الإعلام. وللإمانة والحق والإنصاف فإن إعلامنا الرسمي قد سما ونأى بنفسه عن هذا الانحدار من الإسفاف الرخيص والانحطاط والسقوط المهني المبتذل، إلا أن ما يؤخذ عليه هو التقصير الواضح في عملية تصوير وتوثيق الأحداث بالشكل المطلوب.
خلال الأسبوع الأخير من شهر إبريل الماضي شاهدنا (قناة سهيل) وهي تقوم بعرض صور للمواقع والأحزمة الأمنية والدفاعية للعاصمة صنعاء مع تفصيل لأنواع الأسلحة الموجودة فيها، فهل يندرج مثل هذا الفعل تحت مسمى إفشاء أسرار عسكرية ؟وما حكمه ؟ وما علاقته ب (ثورة الشباب والتغيير) ؟
على ضوء متابعتي للمشهد اليمني تكون لدي انطباع بأن ثقافة الحوار وآدابه والاعتراف بالرأي الآخر شبه مفقودة داخل المكونات المختلفة وتفتقر إليها الكثير من النخب السياسية والأدبية والفكرية بما فيهم الشباب ( وأغلبهم من كان في الجانب المعارض )، وقد تبلور هذا الانطباع لدي عندما لاحظت البعض يقوم باستبدال ثقافة الحوار وآدابه وقيمه الأخلاقية ومعايير الديمقراطية واستعاضوا عنها بثقافة الانتقام والانحطاط الأخلاقي فنشأ خطاب عدائي يرتكز على الإسفاف والتشهير والتجريح وبث سموم الكراهية والحقد، وقد لمسنا ذلك قولاً وعملاً إلى الحد الذي يشعر معه المرء بأن البعض قد وصل به الأمر في ممارسته لثقافة الكراهية وعشقه لها إلى درجة النفور والخروج عن الملة، بل أصبح هذا النعت المبغوض عند البعض كالماء والهواء، وأخطر ما في هذا السلوك المشين حينما يصل إلى كره الوطن وكره كل ما فيه من جميل لمجرد أن الشخص الذي نكرهه له علاقة بالوطن ونظامه أو لمجرد أنه يخالفنا الرأي، وبالتالي فإنّ الذي يرفض الحوار اليوم سيحكم بالقمع والقهر والاستبداد.
ومع أنني من أشد المؤيدين والمطالبين بالتغيير نحو الأفضل، ومع مبدأ التداول السلمي للسلطة، لكنني أرى كما هو شأن الكثيرين أأمل أن يتم هذا التحول والتغيير بالشكل الصحيح والآمن وعبر الطرق السلمية والمشروعة طبقاً للدستور ولا نقول بتغيير النظام لأن ذلك يعني تغيير منظومة متكاملة تتكون من دستور، وقوانين، وسلطات مختلفة تشريعية، قضائية، تنفيذية، مجلس شورى، سلطة محلية، وزارات، ومؤسسات ومكتسبات للوطن والمواطن لن تعوض بسهوله، باختصار حينما يُقال مطلوب (إسقاط النظام) لا يفسر إلا على أنه انقلاب، لكننا نقول المطلوب إصلاح النظام، وبما أن التغيير وإصلاح الأرض والإنسان سنة من سنن الله في الكون والخلق، فإننا نرفض رفضاً قاطعاً أن يكون هذا التغيير عن طريق الخراب وسفك الدماء والفوضى.. البعض يسمي ما يحصل في اليمن على أنها “ ثورة شعبية وسلمية....!” بالله عليكم هل سبق وأن سمع أحدكم عن ثورة شعبية قامت بتخريب وتدمير ممتلكات شعبها ؟.. أما أنا ومن خلال معرفتي المتواضعة أتصور بأن أي حركة شعبية أو سياسية أو أية احتجاجات تندلع هنا أو هناك لا تسمى ثورة في كل الأحوال, فالثورة الإيجابية لا تسمى كذلك إلا إذا توفر لها ثلاثة عناصر رئيسية وهي : الإجماع الشعبي والوطني بكل مكوناته، أن تكون لها قيادة موحدة تحمل رؤية وأهداف واضحة وخارطة طريق منهجية مدروسة النتائج ومحسوبة العواقب، أن تكون لها ثقافة وخطاب واعي يرتكز على المبادئ والقيم الدينية والأخلاقية الرفيعة التي تبشر بمستقبل أفضل “ ومن عناوينها تحقيق الأمن والاستقرار والتطور واحترام عقول الناس والاعتراف بالرأي الآخر واحترام حقوق الإنسان والمحافظة على مكتسبات الأمة وإنجازاتها “.
إن كان ما حصل ويحصل اليوم في اليمن من تصرفات ودعوات وأعمال تهدف إلى تعطيل مصالح البلاد والعباد من خلال قطع الطرقات وانتهاك المحرمات وزعزعة الأمن والاستقرار والإضرار بالاقتصاد الوطني التي تزيد من معاناة الناس, ويبررها البعض بحجة إزالة الفساد والتغيير تحت شعار (إسقاط النظام ) وشخصنة هذا الشعار واختزال ذلك بشخص رئيس الدولة دون وجود رؤية واضحة أو خطة تبين كيفية التغيير بالشكل السليم والآمن.. أما أنا ومن يوافقني الرأي فإننا نعتقد بأن كل تلك الأعمال والتصرفات لا يقرها شرع ولا قانون, فلم نحصل على نص قطعي ثابت الدلالة من كتاب الله وسنة رسوله يبرر ذلك ولكن بنينا وجهة نظرنا من منطلق القاعدة الشرعية التي تقول :«درء المفاسد مقدم على جلب المصالح»، وقد ورد من أقوال وآثار السلف الصالح من العلماء أنه: «لا يجوز تغيير المنكر بمنكر يؤدي إلى منكر أكبر منه» فالأولى تركه وجوباً.
ولأجل ذلك فإننا نطالب بشدة وإلحاح من كل علماء المسلمين الربانيين (مرجعية الأمة )أن يأتوا بالدليل القطعي من كتاب الله وسنة نبيه الذي يثبت أن ما حصل ويحصل مما ذكرناه من أحداث كانت مشروعة وأن تلك الأعمال والأفعال لها ما يبررها شرعاً مع توضيح تلك الأدلة والبراهين وطرحها على الشعب في كافة وسائل الإعلام المتاحة وعن طريق المساجد وكافة المحافل والمنتديات المختلفة.
أخيرا يبقى هنالك العديد من الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة تغطي كل الحدث وسنستمر بالقول هل ....؟ ومن ....؟ وأين ....؟ وأين ....؟هل أصابتنا عين فلم يدرك العقلاء منا الحقيقة لإخراج اليمن وشعبها من هذا المنزلق الخطير؟ أم أن المصالح الضيقة وشهوة السلطة والشبهة قد أعمت بصائر النخب السياسية والفكرية والدينية قبل أبصارهم ؟ حتى أصبح من شريعة البعض أن يعمل بشعار ونظرية “الغاية تبرر الوسيلة ».
مفارقات وملاحظات
هل نحن بتلك السذاجة حتى نصدق ما يردده البعض بأن جماعة الحراك الانفصالي والحوثيين, قد تجردوا وتخلوا عن مشاريعهم, لمجرد أنهم ركبوا الموجة ولبسوا عباءة (ثورة شباب التغيير ) كما يزعمون ؟لا والله لا يصدق ذلك إلا من كان عقله مغيب عن الواقع ولا يعرف ما يدور حوله .
هل نسينا بأن الواقع والوقائع تقول غير ذلك!، فقد سمع الجميع تصريحات لقادة الانفصال وأذنابهم وهم يقولون: بأنهم في الوقت الحالي مع الدعوة لإسقاط النظام كخطوة أولى تقودهم لاسترجاع دولتهم المزعومة ( الجنوب العربي ) حسب قول المدعوين البيض والعطاس في حديثهما لقناتي (بي بي سي) و(الحرة) قبل فترة.
أما الحوثيون فهذه محافظة صعدة وما جرى لها اليوم على أيديهم أكبر شاهد ومؤشر على ما يضمرون في صدورهم من نوايا وأهداف شريرة ألا يكفي ذلك دليلاً على صدق ما أشرنا إليه ؟.. لا تستغربوا إذا خرج علينا من يقول بأن عناصر تنظيم القاعدة قد أعلنوا التوبة ورجعوا عن غيهم وكفوا أذاهم عن خلق الله وقد انضموا إلى ثورة الشباب ولم يعد لهم مطلب إلا (إسقاط النظام ) وقد سمعنا من بعض المزايدين أنه لا يوجد تنظيم قاعدة في اليمن !
الظاهر أن جل الصحفيين والمراسلين المنحازين في الإعلام المغرض كانوا من الفاشلين في مادة الرياضيات والعمليات الحسابية فالعشرة آلاف لديهم تساوي مليون وملايين والعكس.
يلاحظ من خلال المشهد اليمني أن البعض ممن ينادون بالتغيير ومحاربة الفساد هم في حقيقة الأمر بحاجة ماسة إلى تطهير وتنقية قلوبهم وأنفسهم من الفساد بكل أنواعه الأخلاقي والسياسي والمالي الذي تلطخت به أيديهم وتشبعت به قلوبهم حتى تكون دعواتهم نحو التغيير أكثر مصداقية وقديما قال الشاعر:
أيرجى بالجراد صلاح أمر وقد جبُل الجراد على الفساد
المبادرة الخليجية لم ترق إلى مستوى وطموح مبادرة فخامة الأخ رئيس الجمهورية التي قدمها في المؤتمر الوطني العام والتي تعتبر ثورة بحد ذاتها ما لو كان تم احتضانها من قبل المعنيين ومناقشتها وإثرائها وإخراجها للواقع العملي فقد تضمنت التحول إلى النظام البرلماني وسلطات محلية كاملة الصلاحيات وتعديل المنظومة التشريعية لتصبح الانتخابات بالقائمة النسبية وغيرها.
شاهدنا قنوات الفتنة وهي تقوم بجلب بعض الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم سن العاشرة وقد تم تلقينهم ما يطلب منهم قوله وبالإضافة إلى بعض الألفاظ غير اللائقة التي نترفع عن ذكرها هنا, فقد سمعنا بعضهم يقول : “لقد صبرنا 33 سنة على هذا الرئيس جالس فوق رؤوسنا “..!
فتاة أخرى في العشرين من عمرها من المعتصمات مع ما يسمى شباب التغيير استضافتها قناة سبأ مساء 15مايو الجاري, قالت في سياق حديثها :” لنا ثلاثة وثلاثين عاماً واحنا نناشد الرئيس ونتحاور معه دون فائدة ...!” يا سبحان الله على هذا الكلام اللامنطقي.
إذا كان شباب اليوم ورجال المستقبل المعول عليهم بناء يمن الغد المشرق, إذا كانوا سينشأون على مثل هذا النهج والاتجاه الذي يعتمد على مغالطات للواقع والتاريخ من خلال تجهيل العقول وتغييب الوعي خلافاً للمنطق والعقل, فلا يستغرب أحداً منا بعد ذلك إذا سمعنا بأن أحد الشباب قد خرج إلى الشارع يطالب «برحيل أبيه وتغييره لمجرد حدوث خلاف قد وقع بينهما »! فما علينا حينها إلا أن نقول على الدنيا السلام.
“أثبتوا.. أصبروا.. أنتم في رباط ..، أنتم في جهاد، من قتل منكم فهو شهيد. .سيتم الزحف إلى غرف النوم..، ينبغي على الشباب أن يحتلوا المنشآت وفي طريقهم أكثر من مؤسسة ....!، سنضحي بمأتين ألف “....!..(جمعه الكرامة، جمعة الغضب، جمعة الصمود، جمعة الرحيل، جمعة الزحف، جمعة الفرصة الأخيرة!) ونسأل من الله ألا يأتي يوم جمعة يسمونه ( جمعة يوم القيامة )، مصطلحات غريبة وعجيبة ومرعبة سادت المشهد (الفوضوي) وسمعها الجميع والغريب أنها ليست في الزمان والمكان المناسبين وقد حاولت إيجاد أي تفسير منطقي لما يحدث اليوم ولا تفسير أو مبرر لتلك المفردات الحماسية التي تدعو لشحذ الهمم إلا إذا تصورنا أو تخيلنا بأننا نعيش في حالة حرب مع عدو خارجي محتل لأراضينا، وإننا مقدمون على تدمير واحتلال منشآت هذا العدو الأجنبي المفترض.
وأحياناً نتصور بأن التاريخ قد عاد بنا إلى عصر القرون الأولى من تاريخ الدولة الإسلامية وكأننا نعيش أجواء المعارك التي دارت بين معسكر المسلمين ومعسكر المشركين أو في عصر الفتوحات الإسلامية وقد تابعت حصص التحريض التي سبقت محاولة اقتحام مبنى رئاسة الوزراء بصنعاء مساء الأربعاء 11/5/2011م حينها تذكرتُ المعارك والغزوات الإسلامية بدءاً بمعركة بدر وأوحد، وغزوة الأحزاب، وما تلاها من فتن وفتوحات وتذكرت كيف كانت هند بنت عُتبة تحث القوم على القتال ضد المسلمين في معركة أُحد للانتقام لمن قتل منهم في بدر من أقاربها وسيذكر من اطلع على كُتب السيرة والتاريخ الإسلامي تلك الأناشيد والكلمات الحماسية التي كانت تقولها هند بنت عتبة لرفع معنويات جيش قُريش كقولها المشهور:
إن تقبلوا نعانق ونفرش النمارق أو تدبروا نفارق فراق غير وامق...كما تذكرتُ ما جرى من أحداث كموقعة الجمل وفتنة الخوارج وسبب استشهاد كلا من عُمر وعثمان وعلي (رضي الله عنهم) فكانوا ضحايا « لشهوة السلطة والشبهة في الفكر والمعتقد المغلوط» وكنتُ أعتقد بأن المسلمين قد أخذوا العبرة والعظة من تلك الأحداث، وأن علينا اليوم أخذ الحيطة والحذر مما يحاك ويدبر لأمتنا العربية والإسلامية .
أما الذين أداروا ظهورهم للوطن ونظامه بعد أن غنموا منه مغانم ومآرب كثيرة فالظاهر أنهم قد عملوا بالمثل العربي الشائع “ جازاه جزاء سنمار” ...!
ظميمة
يُقال بأنه عندما يتم إذلال رجل الأمن ويصبح مكتوف الأيدي حينها تضيع هيبة الدولة ...! والدليل أنظروا ماذا يحصل الآن في مصر وتونس فبعد أكثر من أربعة أشهر ما يزال الشعب هناك يطالب بالأمن والآمان، والشعار هذا نشاهده يظهر على بعض شاشات قنواتهم الفضائية (الخاصة في مصر ) ولم تستطع السلطات الأمنية القيام بتأمين مباريات لكرة القدم، وبالمقابل يُقال: «بأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة« ويكفي أن يعلم القارىء الكريم أن الحكومة المصرية بعد ثورتها قد قامت بسحب ما يقرب من عشرة مليارات جنيه لتغطية العجز خلال ثلاثة أشهر فقط بسبب ما يعانيه اقتصادها من جراء عدم الاستقرار .
ملاحظة وتعقيب على تدخل بعض الفضوليين في الشأن اليمني
أخبرني أحد الأصدقاء بأنه قد أستمع لحديث ومقابله للمدعو/ محمد المسفر أجرتها معه إحدى قنوات الفتنة علق من خلالها على الأحداث الجارية في اليمن فجعل من نفسه وصياً على الشعب اليمني حينما وجه المشترك وأعوانهم بأن يقوموا بتصوير وتوثيق الأحداث الجارية وتضخيمها على أنها جرائم يرتكبها النظام في اليمن وتقديم ذلك للأمم المتحدة والكونجرس الأمريكي لزيادة الضغط على رئيس الدولة والنظام حتى يلبي مطالبهم على حد قوله.
ونحن هنا سنعقب على المذكور بالقول: الشعب اليمني يرفض مثل هذا التدخل السافر في شؤونه الداخلية من قبل أي مخلوق لا يعنيه أمر اليمن واليمانيين، الأمم المتحدة ومجلسها المحترم والكونجرس الأمريكي وغيرهم ليسوا مرجعية لنا ولأهم قدوتنا ولأهم أوصياء أو حكام علينا كما هو حال غيرنا، وعلى هذا المسفر وأمثاله ممن سبقوه كطارق السويدان والقرضاوي وعزمي بشارة ووزير خارجية قطر وغيرهم ممن يحاولون حشر أنوفهم في شئون الآخرين، نصيحتنا لهم بأن يوفروا نصائحهم ووصاياهم لأنفسهم إذا كانوا فعلاً ممن يحترمون أنفسهم ونذكرهم بقول رسولنا الكريم “ من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه” و«رحم الله أمرأًٍ عرف قدر نفسه».
وفي الأخير نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجنب اليمن واليمنيين شر المحن والفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يهدي هذه الأمة إلى سواء السبيل .. آمين.. والله من وراء القصد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.