الكشف عن تصعيد وشيك للحوثيين سيتسبب في مضاعفة معاناة السكان في مناطق سيطرة الميلشيا    صمت "الرئاسي" و"الحكومة" يفاقم أزمة الكهرباء في عدن    ثمن باخرة نفط من شبوة كفيلة بانشاء محطة كهربا استراتيجية    إيران وإسرائيل.. نهاية لمرحلة الردع أم دورة جديدة من التصعيد؟    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    مصرع وإصابة عدد من عناصر المليشيات الحوثية الإرهابية غربي تعز    غارات عنيفة على مناطق قطاع غزة والاحتلال أكبر مصنع للأدوية    السيول الغزيرة تقطع الخط الدولي وتجرف سيارة في حضرموت    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    شاب يقتل شقيقه جنوبي اليمن ووالده يتنازل عن دمه فورًا    الحوثيون يغلقون مسجد في عمران بعد إتهام خطيب المسجد بالترضي على الصحابة    صاعقة رعدية تنهي حياة شاب يمني    محمد المساح..وداعا يا صاحبنا الجميل!    صورة ..الحوثيون يهدّون الناشط السعودي حصان الرئيس الراحل "صالح" في الحديدة    آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    على الجنوب طرق كل أبواب التعاون بما فيها روسيا وايران    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    اليمن تأسف لفشل مجلس الأمن في منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة مميز    تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موقف الشريعة الإسلامية مما يحدث في اليمن والعالم العربي
نشر في البيضاء برس يوم 09 - 06 - 2011

( دراسة علمية موثقة من كتاب الله وسنة رسوله ، وإجماع علماء الأمة )
مقدمة :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وصحابته المكرمين أما بعد:
*موقف الشريعة الإسلامية مما يحدث في اليمن والعالم العربي*
( دراسة علمية موثقة من كتاب الله وسنة رسوله ، وإجماع علماء الأمة )
مقدمة :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وصحابته المكرمين أما بعد:
فنؤكد بدايةً إن التغيير سنة إلهية وكونية لا ينبغي على الشعوب ، ولا الحكام إغفالها والتعامي عنها، كما نؤكد أن الظلم ، والاستبداد ، والفساد ، قد أثقل هذه الأمة منذ قرون،وإن التخلف السياسي، والاقتصادي ، والثقافي ،والاجتماعي، والعلمي ، والتكنولوجي ، التي منيت به الأمة العربية ليس إلا حصيلة واضحة لتخلف الحاكم العربي ، واستبداد النظم والنخب الحاكمة ،وفسادها الكبير.
ومما لاشك أن الفساد والاستبداد قد أثر على إرادة المحكومين ، فجعلهم يضلون طريق التغيير ، إما بالصمت المطبق ،وسوء المنطق، أو بانتهاج الطريقة الخطأ، أوالأكثر فساداً في إحداث التغيير المطلوب، مثل مواجهة العنف بالعنف ، والفساد بالفساد، أو مواجهة الظالم بأدوات ظالمة ، كالقتل ، والغش ، والتعصب، وعدم الإنصاف ، وقول الحق، والاستقواء بالأعداء ، ودعوتهم لضرب ، واحتلال البلدان ، كما حصل في العراق ،وأفغانستان ،ولبنان ، وغيرها، وكما هو حاصل في ليبيا.
ومما يجب التأكيد عليه أن الشريعة الإسلامية الغراء ، هي أكثر النظم التي رسمت العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، فأمرت الحاكم بالعدل ،وشددت عليه، كما في قوله تعالى: (إِنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدّواْ الأمَانَاتِ إِلَىَ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنّ اللّهَ نِعِمّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) [سورة: النساء - الآية: 58] ، و في آية تالية مباشرة أمرت المحكوم بالطاعة ، وشددت على ذلك ، كما قال تعالى: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [سورة: النساء - الآية: 59].
والشريعة من ثم رسمت طرقاً للتغيير ، لا يتجاوزها المظلوم فيصبح ظالماً، ولا يتعلل بها الظالم فيبقى على ظلمه، وبين هذا وذاك يقتل الأبرياء ويهلك الحرث والنسل،وقد لا يتوصل إلى صلاح أبداً.
ومن المعلوم أن تحكيم شرع الله هو من واجبات الحكام والمحكومين معاً ،ومن خالف الشريعة واتبع هواه فهو ظالم ، يعرض نفسه لنقمة الله تعالى بإعراضه عما أمر الله ، وبالتالي يفقد الأمن النفسي ، والروحي ، والحياتي ، للبسه الحق بالباطل ، والإيمان بالظلم، فقال تعالى: ( فَأَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقّ بِالأمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* الّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوَاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلََئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مّهْتَدُونَ) [سورة: الأنعام - الآيتان:81 ، 82].
و لا يخفى حق الشعوب العربية في العيش والحياة ، وقد صبرت على الضيم قروناً، ولكنها وقد استيقظت فجأة بعد ثورة تونس العظيمة، أحسنت تارةً ، وأخفقت أخرى في طريقة استيفائها لحقوقها من الحاكم ، حتى أنها تحت وطأة الظلم والطغيان ، ربما خالفت الشريعة الغراء ، وفعلت ما نهى الله عنه كما يظهر من الملاحظات التالية .
الملاحظة الأولى :
حتى يوم الثورة التونسية ، كان إجماع الفقهاء المسلمين قائماً على أن قاتل نفسه للنار، وذلك بموجب نصوص ربانية واضحة ، ومنها: قول الله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوَاْ أَنْفُسَكُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً* وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً). [سورة: النساء - الآيتان: 29 ، 30].
وقوله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرّمَ رَبّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوَاْ أَوْلاَدَكُمْ مّنْ إمْلاَقٍ نّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النّفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقّ ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ) [سورة: الأنعام - الآية: 151]، وقال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوَاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيّاكُم إنّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً) [سورة: الإسراء - الآية: 31].
فإذن قتل النفس يأساً وقنوطاً ، أو خوفاً من الفقر ، أو الظلم في حالات واضحة من فقد الإيمان بالله ، يعد حراماً منهي عنه بنص القرآن.
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان بروايات مختلفة . عن ثابت بن الضحاك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حلف بملة غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بحديدة عذب بها في نار جنهم(.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه. قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الذي يخنق نفسه يخنقها في نار جنهم، والذي يطعنها يطعنها في نار جنهم).
و أما لفظ التخليد في النار فقد ثبت من طريق أبي هريرة عند مسلم. ولفظ الحديث: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جنهم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جنهم خالداً مخلدا فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً.(
ولما كان قاتل نفسه قد ارتكب إثماً عظيماً وكبيرة من كبائر الذنوب، دون الكفر بالله والشرك به سبحانه، وأن هذه الزيادة وهي لفظ التخليد في النار لم تكن من ألفاظ الحديث المتفق عليها من حديث أبي هريرة المذكور، بل هي مما انفرد به مسلم عن الإمام البخاري، فقد نشأ الخلاف في تخليد قاتل نفسه في النار، وكان رأي أهل السنة على خلاف الخوارج وغيرهم أن المسلم العاصي لا يخلد في النار ، ولوكان قانلاً لنفسه، وحجتهم أن معنى الحديث ينصرف إلى دخوله النار وخلوده فيها إلى أن يشاء الله.
ولكن للأسف الشديد - بدأ بعض المنتسبين للعلم يخالفون ذلك - لهوى في أنفسهم ، أو لعاطفة أخذتهم بالمظلومين ، معتبرين من قتل نفسه احتجاجاً شهيداً،ومن قتل في المظاهرات شهيداً ، وإن المظاهرات رباطٌ ،وجهاد في سبيل الله ،وفي ذلك مخالفة واضحة للقرآن والسنة ، بغض النظر عن عدالة قضايا من ماتوا على هذا السبيل، (ولوكان محمد البوعزيزي) نسأل الله له الرحمة ، قد قاتل في سبيل حقه فقتل ، أو تكلم بالحق فدخل السجن حتى مات فيه، لكان من أفضل الشهداء، ولو كان كل متظاهر لم يحرق ،ولم يسفك ، ولم ينهب ، ولم يقتل ، ولم يلبس إيمانه بظلم ، قد قتل لكان من أشرف الشهداء، كبعض المصريين والتوانسة الذين قتلوا مسالمين جراء العدوان الأثيم عليهم من قوات الأمن والجيش، وأولئك الذين قتلوا وهم ساجدون ،أو وهم راكعون، فهؤلاء على خلاف من قتلوا ،وهم يخربون ، ويدمرون ، ويحرقون ، وينهبون.
يقول بعض العلماء من آل الحسيني: (وليعلم أن هذا الإنسان الذي يحرق نفسه هو فاسق مجرم ملعون مرتكب لأكبر الذنوب بعد الكفر، فأكبر الذنوب على الإطلاق هو الكفر بأنواعه، وبعده قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وهذا منتحر ولا يكون شهيداً، ولا يجوز تسميته بالشهيد، فمن سماه شهيداً ، أو استحسن فعله هذا ، فهو مكذب لدين الله وعليه أن يرجع عن هذا الإعتقاد ، أو القول ، وينطق بالشهادتين للدخول في الإسلام).
الملاحظة الثانية:
وهي تجاوز بعض العلماء لبعض قواعد الدين ، واعتقادهم أن الخروج على الحكام وإسقاطهم بالفوضى والعنف هو أمر جائزٌ ، بل أن بعضهم: ( كالقرضاوي مثلاً ) قد دعا لقتل الحاكم بإطلاق رصاصة على رأسه ، وليس هناك من علماء المسلمين من يشرع القتل على الحاكم والمحكوم ، لأن دعوة المحكوم لقتل الحاكم ، هي دعوة في نفس الوقت للحاكم ، لقتل المحكوم ، فالقتل بالقتل، ومن قتل سوف يقتل حتماً، وما حدث ويحدث في ليبيا من قتل متبادل بين المسلمين خير دليل على ما نقول.
كما شرع بعض العلماء للفوضى والإرهاب والعنف ، ولم ينكروا أن يخرج المتظاهرون بالسلاح ، كما حصل في ليبيا ، وإني لم أر متظاهراً يتوسل رشاشاً ، ودبابة ، وطائرة إلا في ليبيا، وكذلك غض بعض علماء في اليمن الطرف ، عن حرق سيارات المواطنين ، وتوسل المتظاهرين للسلاح في مكان التظاهر، وحلولهم محل الحكومة في التفتيش ، والقبض ،و التحقيق مع خصومهم ، وضرب المواطنين المخالفين لهم ، وقتل من يشتبه بهم ، وكذلك غض الطرف ، عن الاستيلاء على مؤسسات الدولة ، ونهب السلاح ، والاستيلاء على محافظات بأكملها، وقطع الطرقات ، وقطع الكهرباء والخدمات، والغاز ،والسلع على المدنيين ، ومحاصرتهم بما لا يرضي الله ، فلم يحرموا الوسيلة الظالمة ، في سبيل الغاية التي ينشدونها ، وهي إسقاط النظام عنوة ، وهو نظام انتخبوه ، وتعاقدوا معه على السمع والطاعة.
فما الذي دفع بعض المحسوبين على العلم أن يفعلوا هذا؟ وهل تجيز الشريعة ما حدث بسبب هذا السلوك –المتواطئ والمتغاضي- من أحداث سواءً في اليمن أو في سائر الوطن العربي؟!!
على ضوء ما ذكرناه من المعطيات ، والملاحظات ، يحق لنا أن نتساءل عن موقف الشريعة الإسلامية مما يحدث في اليمن والعالم العربي من أحداث؟
ومن أجل الإجابة المنصفة على هذا السؤال، فسوف نتتبع أحكام الشريعة الغراء مما حدث ويحدث في بلادنا وبلاد العرب بحيادية ،وخوف من الله سبحانه ، وذلك بدراسة المواقف الشرعية المختلفة( في الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، وآراء الثقات من أهل العلم قديماً وحديثاً) من بعض مانزل من النوازل ،وما عرض من المسائل ، خلال هذه الموجة من الفتن التي ما فتئت تعصف بالشعوب ، والحكام منذ أن قال الأمريكان لصدام حسين "إرحل" فلم يتحرك عن تكريت قيد أنملة ، ووري في ثراها شهيداً.
وإني مستعيناً بالله قد قسمت بحثي هذا إلى مباحثٍ ثلاثة على الوجه التالي:
المبحث الأول
موقف الشريعة من مبدأ طاعة الله ورسوله وعدم التفرق وإصلاح ذات البين
بداية أمر الله سبحانه جميع المسلمين ،بطاعته ، وطاعة رسوله ، وحذرهم من التنازع الذي يؤدي إلى الفشل وذهاب القوة والشوكة ، وذلك بالخروج من البيوت رياء وسمعة ،وبطراً ، والصد عن سبيل الله، واتباعاً للشيطان الذي يزين للناس أعمالهم ، ويوهمهم أنه معهم ثم يتبرأ منهم ، وينكص عل عقبيه محذراً من عقاب الله،ثم أمر الله بالطاعة حسب المقدرة ، وقرنها بالإنفاق ومحاربة شح النفس ، وهواها، ثم قرن الطاعة لله ورسوله بإصلاح ذات البين، وقرن إصلاح ذات البين بالإيمان الصادق الحقيقي.
وأخيراً قرن طاعة الله والرسول بطاعة أولي الأمر ، وأمر في حالة التنازع والاختلاف أن يرد الخلاف إلى كتاب الله وسنة رسوله ، وليس إلى غيره.
وجاءت السنة النبوية الشريفة مشددة على طاعة الله ورسوله، وطاعة أولي الأمر، مالم يؤمر المحكومون بمعصية ، أويرون من حكامهم كفراً بواحاً عندهم من الله برهان، ومن أجل ذلك جعل الله سبحانه الكتاب والسنة المرجع حال اختلاف الفريقين.
ومادام أن المرجع في حال الاختلاف بين المسلمين ،وحكامهم هو كتاب الله وسنة نبيه ، فأنه من الضروري أن نستعرض النصوص المقررة للطاعة عموماً، وطاعة المحكومين للحكام خاصة ، وحدودها في الكتاب والسنة ،والإجماع على الوجه الآتي:
أولاً: مدلول الطاعة وحدود ها في القرآن الكريم:
1- قول الله تعالى: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوَاْ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ* وَلاَ تَكُونُواْ كَالّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ النّاسِ وَيَصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ *وَإِذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جَارٌ لّكُمْ فَلَمّا تَرَآءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىَ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنّي بَرِيَءٌ مّنْكُمْ إِنّيَ أَرَىَ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ).[سورة: الأنفال - الآيات: 46-48 .
2-وقوله تعالى: (فَاتّقُواْ اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [سورة: التغابن - الآية: 16].
3- وقوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ قُلِ الأنفَالُ للّهِ وَالرّسُولِ فَاتّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مّؤْمِنِينَ). [سورة: الأنفال - الآية: 1].
4- قال تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [سورة: الأحزاب - الآيتان:70- 71].
5- وقول الله تعالى: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً). [سورة: النساء - الآية: 59].
ونلاحظ من النصوص القرآنية الربانية الجلية والواضحة ما يأتي:
1- أن الذي يحدث في الوطن العربي من التغيير غير السلمي للحكومات عبر الفوضى فقط لا ينسجم مع أمر الله به ،وإن الذي يحدث في اليمن ، بين الفرقاء في التحرير ،والتغيير،وفي كل مكان ، لا يصب في طاعة الله ورسوله ، بل هو بطر ،و رياءٌ وسمعة ، وتناحر وتنازعٌ ، ويتحمل المسئولون عنه عواقب ما يمكن أن يصيب المجتمع ، من التمزق والتناحر، والاحتراب لا قدر الله.
2- وباستثناء مطالب الشعب والشباب اليمني ، بإجراء التغيير السلمي ، وتلبية المطالب الحقيقية المشروعة متى التزموا بالطرق السلمية، فإن كلاً من السلطة والمعارضة ،وكل من يحشد منهم ، ويشرع للقوة، ويحث على الكراهية يرتكب الإثم العظيم ، وهم شركاء الفساد والإفساد في الماضي ، وقد كانوا حلفاء ثم أصبحوا فرقاء جمعتهم خيانة الشعب ، وفرقتهم خيانة الشعب ، والتكالب على ثرواته ومقدراته، وهؤلاء لا يهمهم أحد من أبناء اليمن سوى مصالحهم السياسية، وعلى الشعب اليمني أن يحذرهم جميعاً.
3- إن طاعة الحكام في غير معصية الله ، هو أمر ثابت ، ومعلوم من الدين بالضرورة ، ومن خالفه فقد حاد الله ورسوله، وأنه لا يجوز أن تبقى الأمة بدون رئاسة أبداً ، فتعم فيها الفوضى والفساد ،لهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم : ( لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمروا عليهم أحدهم) ، وقال صلى الله عليه وعلى اله وسلم: ( إذا خرج ثلاثة في سفر فليأمروا أحدهم).
يقول أهل العلم :(فأوجب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم التأمير في السفر مع انه اجتماع عارض غير مستقر ، فكيف بالاجتماع الدائم المستمر المستقر).
4- أنه لا يجوز التنازع ، وأن تنازع الأمة يؤدي للفشل الذريع ، وسيادة الفوضى ، فإن حصل التنازع ، فينبغي رده إلى كتاب الله وسنة رسوله ،وليس إلى الدهما ء والغوغاء ، أو إلى فرنسا ، أو أمريكا ، أو دول الخليج ، والسعودية ،وقطر وغيرها إذا لم تكن وساطة هذه الدول الأخيرة من باب الصلح بين فئتين متنازعتين كما أمر الله.
كما شدد العلماء الربانيون على عدم جواز المسارعة إلى أسباب التنازع ، ولذلك قرروا أنه ، لا يحل لأحد أن يتخذ من خطأ ولاة الأمور إذا اخطئوا - وهم معرضون للخطأ كغيرهم- سلماً للقدح فيهم ونشر عيوبهم بين الناس، فان هذا يوجب التنفير عنهم ، وكراهيتهم و ما يقومون به من أعمال ، ونظام ،وإن كانت حقاً، ويوجب بالتالي التمرد عليهم ، وعدم السمع والطاعة، وربما يوجب الخروج عليهم ،وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام :(كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون).
ثانياً:أدلة وجوب طاعة الحاكم في السنة النبوية:
كثيرة هي الأحاديث الصحيحة من السنة النبوية الموجبة لطاعة ولاة الأمور مطلقاً ومنها:
1- قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ).والحديث: متفق عليه.
2- وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( من أكرم سلطان الله أكرمه الله، ومن أهان سلطان الله أهانه الله )). والحديث: أخرجه الإمام أحمد والبيهقي.
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني )). والحديث:أخرجه البخاري في باب قوله تعالى (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم..) ، رقم الحديث:( 6718).
وفي با ب - السمع والطاعة للإمام مالم تكن معصية- أخرج البخاري عن أنس ابن مالك قال : قاال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة) رقم الحديث: (6723)
4- وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (( من كره من أميره شيئا فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه، إلا مات ميتة جاهلية )). والحديث: رواه مسلم من حديث ابن عباس -رضي الله عنه - (1849) ورواه البخاري ( 7053، 6724).
4- وعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (( ستكون أثرة وأمور تنكرونها )) قالوا : يا رسول الله، فما تأمرنا ؟ قال: (تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم). والحديث أخرجه البخاري.
5- عن أبي هريرة -رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرةٍ عليك )) والحديث: رواه مسلم ( 1836).
6- وسأل رجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً :يانبي الله ، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألوننا حقهم ويمنعوننا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه ، ثم سأله في الثالثة ، فجذبه الأشعث بن قيس ، فقال صلى الله عليه وسلم (( اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ماحملوا وعليكم ماحملتم )). والحديث: رواه مسلم ( 1846) .
قال القرطبي في شرح هذا الحديث :( يعني أن الله تعالى كلف الولاة العدل، وحسن الرعاية وكلف المُولَى عليهم الطاعة وحسن النصيحة فأراد : أنه إذاعصى الأمراء الله فيكم ولم يقوموا بحقوقكم , فلاتعصوا الله أنتم فيهم وقوموا بحقوقهم فإن الله مجاز كل واحد من الفريقين بما عمل .)) أنظر: المفهم (4/55).
7- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يكون بعدي أئمة لايهتدون بهداي ولايستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس) قال ( حذيفة): قلت : كيف أصنع يارسول الله ؟ إن أدركت ذلك ؟؟ قال : (( تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك , فاسمع وأطع )) . والحديث: رواه البخاري ورقمه ( 7084)، ومسلم ورقمه ( 1847) في باب ( يصبر على أذاهم وتؤدى حقوقهم ) .
8- وعن نافع عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( من خلع يداً من طاعة , لقي الله يوم القيامة لاحجة له , ومن مات وليس في عنقه بيعة , مات ميتة جاهلية )) . والحديث: رواه مسلم ورقمه ( 1851).
قال القرطبي في المفهم : قوله ( ولاحجة له ) أي: (لايجد حجة يحتج بها عند السؤال فيستحق العذاب ,لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أبلغه ماامره الله بإبلاغه من وجوب السمع والطاعة لأولي الأمر , في الكتاب والسنة )
9- وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من خرج عن الطاعة , وفارق الجماعة , فمات فميتته جاهلية ، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة، أو يدعوا لعصبة ، أوينصر عصبة ، فقتل، فقتلته جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ، ولاينحاش عن مؤمنها , ولايفي لذي عهد عهده , فليس مني ولست منه). والحديث : رواه أحمد (2/296) ومسلم (1848) .
10- وأخرج النسائي في - باب قتل من فارق الجماعة- قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من رأيتموه فارق الجماعة أو يريد يفرق أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم كائناً من كان فاقتلوه فإن يد الله مع الجماعة والشيطان مع من فارق الجماعة يركض.. ) النسائي: رقم الحديث (4020) ، وفي الحديث الذي يليه برقم ( 4021) قوله:( فاقتلوه كائناً من كان من الناس ) ، وفي الحديث ( 4022) قوله ( إنها ستكون بعدي هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمة محمد وهم جمع فاضربوه بالسيف) ، وفي الحديث رقم: (4023) قال:( أيما رجل خرج يفرق بين أمتي فاضربوا عنقه).
وفي مثل هذا الهدي النبوي ما يدل على أن الخارج عن الطاعة المفرق لكلمة الجماعة في صف الشيطان ، وإنه ليس بشهيد إن قتل وإن دمه مهدور شرعاً و الدولة مأمورة بقتله ... فليحذر كل ذي لب ، وليعلم أن هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس قول شيخ ولا مفتٍ!!
ثالثاَ:أدلة وجوب طاعة الولاة من إجماع فقهاء المسلمين:
أنعقد إجماع الأمة في القديم والحديث، ومن جميع المذاهب على وجوب طاعة ولاة الأمور، و للتدليل على ذلك نسوق هنا أقوال طائفةٍ عظيمة من أهل العلم:
1- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ( إذا كان الإمام عادلاً فله الأجر وعليك الشكر، وإذا كان جائراً فعليه الوزر وعليك الصبر ). انظر: عيون الأخبار.
2- قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ( إن أول نفاق المرء طعنة على إمامه) . انظر: البيهقي- شعب الإيمان.
3- قال البربهاري رحمه الله: ( إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم انه صاحب سُنة إن شاء الله ). أنظر:شرح السُنة.
4- قال الفضيل بن عياض رحمه الله: ( لو كان لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان ). انظر:شرح السنة.
5- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( ... ولهذا روي أن السلطان ظل الله في الأرض، ويقال: ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان، والتجربة تبين ذلك... فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة يتقرب بها إلى الله ، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات، وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة أو المال).أنظر: مجموع الفتاوى (28/290-291 ).
وقال: ( وأما أهل العِلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور وغشهم والخروج عليهم بوجه من الوجوه، كما قد عُرف من عادات أهل السُنة والدين قديماً وحديثاً، ومن سيرة غيرهم ). انظر: مجموع الفتاوى( 35/12 ).
و أضاف ابن تيمية أيضاً إن: ( الصبر على جور الأئمة أصل من أصول أهل السُنة والجماعة ). انظر: مجموع الفتاوى :(28/)179.
6- وقال النووي رحمه الله: ( أجمع العلماء على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ). انظر: شرح مسلم(12/222) .
7- و قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال ابن بطال: ( وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن للدماء، وتسكين الدهماء ). انظر:فتح الباري( 13/7 ).
8- وقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله: ( وأجمعوا – أي العلماء – على السمع والطاعة لأئمة المسلمين ). انظر ذلك في: (رسالته إلى أهل الثغر ص296).
9- قال الشيخ ابن باز - رحمه الله في فتاواه: ( 8/203 ):
(لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفرا بواحاً - أي ظاهرا مكشوفا- عندهم من الله فيه برهان ، وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فسادا كبيرا وشرا عظيما فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق ولا يتيسر ردع الظالم ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى المسلمون كفرا بواحاً عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شرا أكثر...).
رابعاً: أدلة وجوب طاعة وعدم جواز الخروج عن الولاة في المعقول:
وإنما نهى الشارع عن هذا لأنه يفضي إلى استباحة دماء المسلمين، وتفرق كلمتهم ، وخلخلة صفهم وزوال هيبة جماعتهم ،وطمع العدو في الاستيلاء على بلاد هم،وإنه إذا مات المؤمن خالعا بيعة إمامه الشرعي لقي الله وهو على جاهلية، فيلزم العاقل أن يتقي الوقوع في هذا المصير.
يقول أهل العلم :(والمقصود بذلك تحريم الخروج على الإمام الشرعي مطلقا مهما كانت الأسباب والبواعث .
وعند التأمل وإعمال العقل في العصر الحالي ، يظهر أنه ما من بلد تمكن منه الكفار إلا وكان سببه غالبا نشوب الفتنة والاختلاف بين أهله)، ولنا في العراق وأفغانستان والصومال، وليبيا العبرة الواضحة.
ويحرم على المسلم المشاركة في قتال الفتنة ، أو قتال البغي في جماعة المسلمين، سواء كان عن طريق الدعوة لذلك ، أو تحريض الرعية ، أو التجهيز بالمال ، أو المشاركة بالنفس ،لأن ذلك من الكبائر العظام التي زجر عنها الشرع وشدد النكير فيها.
وكذلك يحرم على المسلم أن يستبيح حرمة دماء المسلمين ، عند غياب الولاية الشرعية، أو عدم اجتماع أهل الحل والعقد على إمام معين، لأن حرمة دماء المسلمين عظمها الشرع فلا يخاطر أحد بها إلا بمقتضى الشرع ، ولذلك شدد العلماء الراسخون في حكم إباحة الخروج ، واشترطوا شروطا يندر أن تتحقق واقعاً.
وقد دل التاريخ على أنه ما من قوم خرجوا على الجماعة إلا ووقع لهم شر وفتنة أشد مما كانوا عليه، ولذلك قال العلماء أنه: (يجب على المؤمن أن لا يقدم على أمر في هذا الباب الخطير حتى يستفتي جماعة العلماء الكبار المشهود لهم بالورع والفقه والحكمة ، ومراعاة المصالح والمفاسد ، والرفق بالأمة).
وعلى المسلم أن يحذر من الوقوع في شرك الغلاة والمتشددين ،وأصحاب الأهواء ، وأن يسأل أكثر من عالم ،وأن يقرأ ويتابع ، ويبذل الجهد حتى يصل إلى اليقين.
المبحث الثاني
عدم جواز نقض العهد بين الحاكمين والمحكومين
لقد حرم الله على المؤمنين سواءً كانوا حاكمين أو محكومين ،نقض العهود ، وأوجب عليهم الوفاء بها فقال: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا). الإسراء، آية:34. وقال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود). المائدة ، آية: (1).
و بين أهل العلم أن هؤلاء الذين ينقضون عهودهم سيجدون عقوبة ذلك في يوماً من الأيام،قال محمد بن كعب القرظي رحمه الله تعالى:ثلاث خصال من كن فيه كن عليه: (البغي ، والنكث ، والمكر).
وقرأ قوله تعالى: ( ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) .فاطرآية: 43. وقوله تعالى :( يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم) . يونس آية: 23. وقوله تعالى:( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) . الفتح ، آية:10.
وقال ابن عطية في تفسير آية الفتح الأخيرة :( أن من نكث يعني نقض العهد فإنما يجني على نفسه ، وإياها يهلك ، فنكثه عليه لا له، ولذلك كان نقض العهد عند الله حرام ، وكبيرة من الكبائر).
هذا بالإضافة إلى أن نقض العهد ،ليس من شيم المؤمنين الصالحين، بل هو من صفات الفاسقين والمنافقين قال الله تعالى: ( وما وجدنا لأكثرهم من عهدٍ وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين). الأعراف، آية:102.
و قد قال ابن الجوزي رحمه الله عند ذكره لهذه الآية: (إن نقض العهد من صفات الفاسقين).
وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك أشد التحذير فقال: ( أربع من كن فيه كان منافقا خالصاً، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها، إذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر). والحديث: متفق عليه.
بل عد رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان متصفا بهذه الصفة الذميمة ممن ذهبت مروءتهم ودينهم فقال:( لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له ). الحديث: رواه أحمد.
ولذلك فإن ما اتصفت به المعارضة اليمنية وغيرها في الوطن العربي ،من صفات نقض العهد ، ومخالفة المواثيق والدساتير، يعد بغياً ، ونكثاً ومكراً ، وكبيرة من الكباير ، وإن هؤلاء ومن يحركونهم من الغوغاء يتحملون مسئولية ما يحدث ولغيرهم ، وليس من يقتلون معهم بشهداء كما يعلم الله ،والنصوص واضحة وجلية.
كذلك فإن تنسيق المعارضين المذكورين مع الدول والمنظمات الأجنبية والاستقواء بهم ضد بلادهم يعد خيانة لله والوطن ، وللإسلام ، ومن ذلك مثلا:لقاء المعارضة اليمنية يوم الثلاثاء 13 يناير 2011م مع هيلاري كلينتون لمدة أربع ساعات داخل السفارة الأمريكية،وتنسيق المعارضة الدائم مع سفراء دول الاتحاد الأوربي، وسفارة قطر والسعودية والإمارات، و يدخل في ذلك استقواء المعارضة بالإعلام الأجنبي والعربي المضلل ، وقيامها بتزييف الحقائق، والتغرير بالشباب، أما المعارضة الليبية، فقد كفرت وتنكبت جادة الصواب ، حينما استعانت بالكفار والمشركين ، على بني جلدتها ، ودعت لهم على المنابر ، مما يعد نقضاً للعهد ، وخيانة للوطن والدين، وكفراً بما نزل على سيد المرسلين، و سوف يلقون غيا ،وسيعلم الذين كفروا أي منقلبٍ ينقلبون.
المبحث الثالث
أثر الفتن وموقف القرآن والسنة منها ومن صناعها
على العلماء الحقيقيين الربانيين أن يحذروا الناس من الفتن ، كما حذرهم الله ورسوله، وعليهم أن يقوموا بواجبهم بذكر ما قال الله والرسول ، وما أجمع عليه الأمة بدون اجتزاء للنصوص ، والتصرف فيها، ولي أعناقها، وفقاً لمصالح الحكام ، والأشخاص ، والجماعات ،والفرق والأحزاب، وأن يعرضوها للناس وفق مقصود الله ورسوله، وما أجمع عليه علماء الأمة الأخيار، وليس حسب مقصود أهوائهم وأهدافهم، وفتاوى مشائخهم المتحزبين!!
أن الله قد ذم الفتنة ، بنصوص قرآنية ، وحذر الناس منها قول الله تعالى: (فَأَمّا الّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ) [سورة: آل عمران - الآية: 7] ، وأباح قتال أهل الفتن حيث قال تعالى: (كُلّ مَا رُدّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوَاْ إِلَيْكُمُ السّلَمَ وَيَكُفّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلََئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مّبِيناً) [سورة: النساء - الآية: 91] ، وحذر من الركون على أهل الفتنة ،والسماع حيث قال تعالى: (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مّا زَادُوكُمْ إِلاّ خَبَالاً ولأوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ) [سورة: التوبة - الآية: 47] ،و قال تعالى: (لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلّبُواْ لَكَ الاُمُورَ حَتّىَ جَآءَ الْحَقّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ) [سورة: التوبة - الآية: 48]، وقرر القرآن كفر من سقط في الفتنة ، ودخولهم النار، حيث قال تعالى: (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنّ جَهَنّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) [سورة: التوبة - الآية: 49]، وقال تعالى: (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مّنْ أَقْطَارِهَا ثُمّ سُئِلُواْ الْفِتْنَةَ لاَتَوْهَا وَمَا تَلَبّثُواْ بِهَآ إِلاّ يَسِيراً) [سورة: الأحزاب - الآية: 14] ، وطلب المولى عز وجل من المؤمنين طاعة الله ورسوله ، والسماع منه، اتقاء الفتنة، قال تعالى: (وَاتّقُواْ فِتْنَةً لاّ تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصّةً وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [سورة: الأنفال - الآية: 25]، قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتّىَ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ للّهِ فَإِنِ انْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ) [سورة: البقرة - الآية: 193]. قال تعالى: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتّىَ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ الْكَافِرِينَ). [سورة: البقرة - الآية: 191].
أما في السنة النبوية ، فقد حدث بعض العلماء بحديث ضعيف هو: (الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها)، فمنهم من رواه عن أنس، ومنهم من رواه عن ابن عمر بلفظ: (إن الفتنة راتعة في بلاد الله تطأ في خطامها لا يحل لأحد أن يوقظها ويل لمن أخذ بخطامها) . والحديث: ذكره نعيم بن حماد – في كتاب الفتن -(2/83).
ولكن الألباني ذكر الحديث في كتابه :ضعيف الجامع الصغير وزيادته، (4/104)، وضعفه.
وسواء كان من كلام النبوة أومن كلام الصحابة ، أوالفقهاء ، فإن ما يقويه هو الآيات البينات السابقات.
بيد أن الفقهاء قد حدثوا في الفتنة عن رسول الله أحاديث تشيب لها رؤوس الولدان وهي صحيحة وثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنها حديث أبي ذر ، وحديث أبي بكرة رضي الله عنهما، ونذكرهما فيما يلي لما فيهما من توجيه نبوي رباني:
1- فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسُول اللهِ ، صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ: (كيف أنت يا أبا ذر وموتا يصيب الناس حَتَّى يقوم البيت بالوصيف (يعني القبر) قلت ما خار الله لي ورسوله ، قال (تصبر)، قال( كيف أنت وجوعاً يصيب الناس حَتَّى تأتي مسجدك فلا تستطيع أن ترجع إلى فراشك ولا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك) قال: قلت الله ورسوله أعلم أو ما خار الله لي ورسوله، قال: (عليك بالعفة)، ثم قال:( كيف أنت وقتلا يصيب الناس حَتَّى تغرق حجارة الزيت بالدم)، قلت ما خار الله لي ورسوله،قال: (الحق بمن أنت منه) ، قلت يا رسُولَ اللهِ أفلا آخذ بسيفي فأضرب به من فعل ذلك؟ قال : (شاركت القوم إذا، ولكن ادخل بيتك)، قلت يا رسُولَ اللهِ فإن دخل بيتي قال: (إن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق طرف ردائك على وجهك فيبوء بإثمه وإثمك فيكون من أصحاب النَّار). الحديث : رواه ابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2/355) ، رقم الحديث (3197)، كتاب الفتن وأشراط الساعة والبعث.الناشر مكتب التربية العربي، لدول الخليج، الرياض -الطبعة الثالثة -تاريخ الطبعة1408 ه - 1988 م.
2- وفي حديث أبي بكرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنها ستكون فتن ، ألا ثم تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم ، والماشي فيها خير من الساعي إليها ، ألا فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله ، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه ، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه.))
قال فقال رجل : يا رسول الله أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض ؟
قال : ((يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينج إن استطاع النجاء، اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت .. اللهم هل بلغت .. )).
قال فقال رجل : يا رسول الله أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين فضربني رجل بسيفه أو يجيء سهم فيقتلني ، قال : (( يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار)) . الحديث: أخرجه البخاري.
وخلاصة لماسبق : فإن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها ، فموقظ الفتنة ملعون ، والساقط فيها بإرادته كافر، والقاتل فيها من المسلمين والمقتول في النار، إلا من اعتزلها وقتل ظلماً فهو شهيد ، يبوء من قتله بإثمهما معاً.
وإن كل ما يجري في ليبيا واليمن ، من تأجيج الصراع ، وتهديد وحدة الأمة يعد فتنة حقيقية ،وإن من قام لها وسعى إليها، وأفتى فيها يعد مجرماً يتحمل كافة دماء المسلمين.
وليس هناك من شهيد بين المتقاتلين المسلمين، إلا من كان مسالماً مدافعاً عن عرضه وماله من خطر محدق وحال ولا يمكن دفعه إلا بتلك الوسيلة ، و ليس من يقاتلون المسلمين أو قوات الأمن بشهداء ،خاصة من يستقوون بالعدو الخارجي وطائراته ،وكافة أسلحته على إخوانهم ، والذين يسعون إلى خراب أوطانهم وبلدانهم.
وللأسف أن المغامرين ،والمكابرين ، من شيوخ وفقهاء الأمة لم يحذروا من هذا المنزلق الخطير، بل وحرضوا عليه وسعوا إليه سعيهم ، وسموه جهاداً ،ورباطاً في سبيل الله، في سبيل تغيير الباطل ومقاومة الظلم.
ونتساءل كيف لم يبح لهم الشارع الحكيم ذلك؟
المبحث الرابع
مدى حق المحكومين في تغيير الباطل ومقارعة الحكام الظالمين
من ألأدلة السابقة يتراءى لغير المدقق أنه لا يستطيع المحكومون الذب عن أنفسهم، ولا الوقوف في وجه الحاكم الظالم ، أو الجائر ،ولا الخروج عليه ، وليس لهم حسب ما دل عليه الدليل الشرعي، وأجمع عليه أهل العلم إلا الصبر والدعاء له، أو الاستنجاد بالله عليه ، وسؤاله الفرج، وهو نعم المولى ونعم النصير.
وهذا التشديد من الشارع الحكيم ليس من أجل الحاكم ، ولكن حرصاً منه على مصلحة المحكومين ،وصون دمائهم، وأعراضهم ، وحمايةً لوحدة المجتمع ، و الحيلولة دون تصدعه وانهياره، بما يؤدي إلى أن يدفع الضعفاء من النساء والشيوخ والولدان ، والمدنيين العزل الثمن على مدى طويل، بينما يتصارع الاقوياء ، ويتمترسون خلف ترساناتهم وأموالهم ، ولا يضرهم شيئاً، كما في الحالة العراقية ،والأفغانية ، والصومالية ، والليبية ، واليمنية الآن !!
فما ذا يفعل المحكومون إذا بلغ السيل الزبى وبلغت القلوب الحناجر؟ وهل يظلون يسامون كالنعاج ، ولا يحركون ساكنا؟!!
مما لا ريب فيه أن في الشريعة ما يجوز للمحكومين الجهاد ضد الحاكم ، الظالم، بقول الحق في وجهه، وتغيير منكره بالقوة عند الاستطاعة، و يجوز لهم حتى قتاله وخلعه ، متى جاوز الحد، وآثر الكفر في الأحوال الآتية:
أولا: حالة الجهاد الأعظم بقول كلمة الحق:
وهذه الحالة لا تتقيد بزمان ولا مكان ، ويحق أن يقول المسلم كلمة الحق ، ويواجه بها الجور والظلم ، من دون أن ينقض البيعة ،وينتفض على الطاعة ،وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أعظم الجهاد ، كلمة حق عند سلطان جائر).
فمتى كان السلطان جائراً ، فإن قول الحق في وجهه دون غدر ،ودون استقواء بأحد هو أعظم الجهاد، ومتى قيلت كلمة الحق ، من العلماء ، والدعاة ، وأهل الرأي ، وأهل الحل والعقد ، استقام الحاكم وخاف ونزع عن الظلم ،وعمد للإصلاح، ولكن هذا السلوك لا يسلكه إلا المسلم الحقيقي المؤمن بأن النفع والضر من عند الله، ولا يخاف أن يسجن أو يوذى ، أو يقتل ، فإن قتل في هذه الحالة فهو شهيد، وهذه الحالة ينبغي أن يقوم بها العلماء والدعاة وأهل الرأي أكثر من غيرهم ، ولا ينبغي أن يحتموا خلف فتاواهم ،ويغررون بالبسطاء والمساكين، ليقولوا عنهم كلمة الحق ، ويدفعون ثمنها أرواحهم ، بينما أولئك يقبعون في بيوتهم وأقبيتهم ، بين أهليهم وذويهم فليست هذه والله هي كلمة الحق في وجه السلطان الجائر.
ثانياً: حالة تغيير المنكر باليد عند القدرة عليه:
إن كل الأحكام والتكليفات الشرعية منوطة بالقادرين عليها، ومحكومة بالاستطاعة ، لقوله تعالى: (لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ) [سورة: البقرة - الآية: 286]، و قال تعالى: (لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ مَآ آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) [سورة: الطلاق - الآية: 7].
وكذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) .الحديث:رواه مسلم .
ويتم فعل ذلك وفقاً للقدرة والاستطاعة، فإن كان بالاستطاعة التغيير باليد – بدون شطط ، وبدون إسفاف، وبدون حدوث آثار سيئة على الفرد والمجتمع ، فلا بأس- مالم فالإنكار باللسان ، والإعلام ، والتظاهر في العصر الحديث جائز، ولكن بالشروط السابقة ، فإن خيف أن يحدث مكروه للمحتج أو المعترض، أوالمجتمع ، فيتم الإنكار بالقلب ، وذلك اضعف الإيمان ، والإنكار بالقلب، يزيد من عدد الناقمين ، والساخطين على الحاكم حتى يتسنى لهم القول أو العمل على تغيير المنكر ، ويكونوا بذلك أغلبية يحصل بها الإنكار العام ، والضغط على الحاكم حتى يستجيب، ونلاحظ أن الوسائل الثلاث ناجحة في الحال والمآل إذا التزمها المسلمون دون شطط ، وتجاوز على النظام والمجتمع.
ثالثا: حالة عدم إقامة الصلاة:
أما في حالة عدم إقامة الصلاة ، وإنكارها ، أو السخرية بها، فيجوز للمجتمع المسلم جهاد الحاكمين وقتالهم ، مهما كانت النتائج ، والمقتول في سبيل ذلك شهيد، بل ومن أعظم الشهداء عند الله، وأساس ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ، حين سئل أفلا نقاتلهم؟. فقال:( لا.. ماصلّوا ..)، وفي رواية قال : ( لا.. ماأقاموا فيكم الصلاة , لا.. ما أقاموا فيكم الصلاة , ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله، فليكره مايأتي من معصية الله، ولاينزعنّ يداً من طاعة)) الحديث: في صحيح مسلم بشرح النووي: ( 12/244) .
فالحديث بمفهوم الموافقة لا يجيز قتال الحاكم الظالم والجائر ، والفاسق ، ولا نزع يد من طاعة مطلقاً ، أما بمفهوم المخالفة ، فإنه يجيز قتالهم عند منع إقامة الصلاة ، قال العلماء: (ومعنى ذلك أنه لايجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق مالم يغيروا شيئاً من قواعد الإسلام )) انظر: الإمام النووي- شرح النووي على صحيح مسلم:( 12/243-244) .
فالخروج والقتال مشروط بالتغيير في الإسلام ، كترك الصلاة ، ونكران وجوبها ، ومعاقبة من يؤديها ،
أوالتضييق عليه فيها ،( وهذا متوفر في الحالة التونسية ) ، التي صدرت عنها شعار الشعب يريد إسقاط النظام ،وتم لهم إسقاطه ،ولكن مع قليل من العنف ، وهذا العنف مبرر أمام منع الصلاة وإغلاق المساجد ، ومنع الحجاب، ومع ذلك ركب التونسيون موجة السلم ، ولم يلجأوا للقتال .
وإنها لمفارقة عجيبة أن يسالم من يحق لهم القتال ، ويقاتل من يجب عليهم السلم ،كليبيا واليمن اللتين ليس فيهما منع للصلاة ، ولا تغيير من قواعد الإسلام مهما كان من المظالم والتجاوزات !! وخصوصاً مع استعداد الحكومة اليمنية تقديم كافة التنازلات!!
بل أن اليمن لا يوجد فيها سجين سياسي واحد منذ ( 21 ) عاماً، وحتى بداية الاحتجاجات ،بل و حتى كتابة هذا البحث!!
وقال صلى الله عليه وسلم: (( ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون , فمن كره فقد برىء , ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع، قالوا : أفلا نقاتلهم قال :لا , ما صلوا )) الحديث :رواه مسلم.
قال الائمةُ المحققون - والقول هنا للإمام النووي- رحمه الله :
(من كره ذلك المنكر فقد برىء من إثمه وعقوبته , وهذا في حق من لايستطيع إنكاره بيده، ولالسانه ، فليكرهه بقلبه وليبرأ ), و قوله من أنكر فقد سلم : أي (أنكر بلسانه وسلم من اللوم والعقوبة),وقوله صلى الله عليه وسلم ((ولكن من رضي وتابع ))،معن�
د. مقبل أحمد العمري
أستاذ الفقه المقارن كلية الشريعة والقانون جامعة الحديدة
وعضو هيئة التدريس كلية الدراسات العليا أكاديمية الشرطة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.