من المؤسف جداً أن تسعى قوى وعناصر يمنية إلى جر البلاد إلى العنف والدموية وإزهاق الأرواح وسفك الدماء وتدمير المنشآت والمصالح الحكومية, وذلك من أجل تحقيق أهداف وأجندة شخصية وسياسية في الوقت الذي تعيش البلاد أزمة خانقة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية. يؤسفنا جداً تعطيل الدراسة في بعض الجامعات والمدارس من قبل أحزاب اللقاء المشترك والقوى المتحالفة معها من أجل الضغط على النظام الحاكم وإجبار الرئيس على التنحي عن السلطة رغم أنه من المفترض تحييد المنشآت التعليمية بصفة عامة عن المناكفات والصراعات السياسية والحزبية. ويؤسفنا ما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية من تدهور ملحوظ جراء استمرار تداعيات الأزمة السياسية, حيث تراجعت نسبة الإيرادات الحكومية تحت تأثير الأزمة, وتفاقمت حدة أزمة الغاز والمشتقات النفطية جراء استمرار قطع الطرقات واحتجاز ناقلات المشتقات النفطية, وازدادت معاناة الطاقة الكهربائية بسبب توقف محطة مأرب الغازية جراء الأعمال التخريبية التي تتعرض خطوط النقل التابعة للمحطة وهو ما أدى إلى زيادة الأحمال على الشبكة الوطنية والتي وصل العجز فيها إلى ما يقرب من 50 % ومعها ازدادت معاناة المواطنين، ولا أعلم ما ذنب المواطنين حتى يتم تعطيل مصالحهم ومحاصرتهم بالأزمات. وفي الوقت الذي كان فيه الجميع يتطلعون إلى انفراج الأزمة الراهنة من خلال المبادرة الخليجية إذا بالأمور تتعقد، لأن الإخوة في اللقاء المشترك رفضوا الحضور إلى دار الرئاسة للتوقيع على المبادرة أمام وسائل الإعلام بعيداً عن التوقيع في الغرف المغلقة، وكان هذا التصرف غير المسؤول هو السبب الذي دفع الرئيس إلى عدم التوقيع على المبادرة بعد أن أكد على تعامله الإيجابي مع المبادرة من أجل إخراج البلاد من الأزمة، ولكن رفض المشترك التوقيع في دار الرئاسة وبحضور الرئيس جعل مسألة التزام المشترك بتنفيذ بنود المبادرة الخليجية كحزمة متكاملة غير وارد.. فإذا كان قادة المشترك يرفضون التوقيع على المبادرة في دار الرئاسة أو القصر الجمهوري وبحضور الرئيس فكيف سيؤدون اليمين الدستورية أمامه خلال تشكيل حكومة الوحدة الوطنية..؟! لقد انكشفت نواياهم مبكراً وكأن الهدف من وراء توقيع الرئيس على المبادرة هو مرور الفترة المحددة بشهر ومن ثم المطالبة باستقالة الرئيس دون تنفيذ أي بند من البنود التي تضمنتها المبادرة الخليجية والتي كنا نأمل من أمين مجلس التعاون الخليجي الدكتور عبداللطيف الزياني أن يتحلى بالحصافة وهو يتعامل مع أطراف الخلاف في السلطة والمعارضة مع إدراكه أن الرئيس علي عبدالله صالح لايزال رئيس الجمهورية اليمنية ومن غير اللائق التخاطب معه بأسلوب التهديد أو الأمر المباشر، فهو رئيس دولة لها سيادتها ومكانتها ولا يمكن مخاطبته بهذه الطريقة الاستفزازية. على العموم تم تعليق المبادرة الخليجية وأعتقد أن حرص قادة دول الخليج العربي على أمن واستقرار اليمن هو ما دفعهم إلى تعليق المبادرة على أمل استئنافها بعد الاتفاق على آلية تنفيذها والمدة الزمنية لتنفيذ كل بند من بنودها، وفي ظل هذه الظروف التي لا نُحسد عليها صب أولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الزيت على النار وفتحوا جبهة مواجهة مسلحة مع الأجهزة الأمنية وقاموا بالاعتداء على وكالة الأنباء اليمنية «سبأ» ووزارة الصناعة والتجارة ووزارة السياحة والمعهد العالي للوعظ والإرشاد ووزارة الإدارة المحلية وقيادة وزارة الداخلية وشرطة النجدة وعدد من الدوائر والمؤسسات الحكومية بمنطقة الحصبة بأمانة العاصمة, حيث شنّت المجاميع القبلية المسلحة التي تتمترس في منزل الأحمر حملة اعتداءات واسعة واستولت على العديد من المنشآت والمساكن وباشروا باستخدام الأسلحة الثقيلة التي تتحمل السلطات الرسمية كامل المسؤولية بشأن السماح لهم بالحصول عليها وإدخالها إلى العاصمة صنعاء, كل ذلك والسلطات الأمنية تتحلى بأعلى مستويات ضبط النفس تنفيذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية الذي وجه الدعوة لأبناء الأحمر بوقف إطلاق النار والانسحاب من المنشآت التي قاموا باحتلالها والتمترس فيها حرصاً منه على حقن الدماء اليمنية، ولكن هذه الدعوة قوبلت بالرفض، وهو ما استدعى تدخل رجال الأمن بعد أن تمادى أولاد الأحمر والجماعات المسلحة التابعة لهم وهو ما أدى إلى اختلاق أزمة جديدة تمثلت في النزوح الكبير للكثير من الأسر في العاصمة صنعاء حفاظاً على أرواحهم بعد مخاوف اتساع رقعة المواجهات المسلحة وتعرض منازل المواطنين للاعتداءات كما حصل في حي الحصبة. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ماذا يريد أبناء الشيخ الأحمر من الوطن حتى يتعاملوا معه بهذه الطريقة العدوانية؟! لماذا كل هذه الترسانة من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة؟ لماذا دائماً يحاولون استعراض عضلاتهم وإظهار قوتهم وأنهم فوق سلطة النظام والقانون؟! أهذه هي الدولة المدنية التي يدخرونها للشعب اليمني؟ أهذه هي دولة النظام والقانون التي يدّعون أنهم يناضلون من أجل الوصول إليها؟ أهذه هي السلمية التي يتغنون بها؟! إذا كانت هذه تصرفاتهم وهم اليوم في جبهة المعارضة فكيف سيتعاملون مع أبناء الشعب في حال وصولهم إلى السلطة؟! العنف لن يخدم البلاد والعباد وإذا كان الهدف من وراء تفجير الوضع الأمني في حي الحصبة هو إشعال الشرارة الأولى للحرب الأهلية فإن أبناء الشعب اليمني سيقفون صفاً واحداً ضد هذه العناصر التي تدق طبول الحرب وتؤجج لاندلاع فتنة دموية لا حدود لمآسيها وتداعياتها, وعلى السلطة أن تدرك جيداً أن فرض هيبة الدولة والسيطرة الأمنية على الأوضاع في البلاد ضرورة وطنية لردع العناصر التي جعلت الأزمة القائمة مبرراً لممارسة أعمالها الإجرامية وسلوكياتها العدوانية. اليوم المواطن الذي يعاني الأمرّين جراء هذه الأزمة مستعد أن يتحمل كل تداعياتها، ولكنه غير مستعد لكي يتحمل مشاهد التقطعات القبلية وتبادل نهب السيارات والمركبات, وحالة الفراغ الأمني غير المسبوقة وما يترتب عليها من سلوكيات وممارسات غير قانونية, فلا بد من فرض هيبة الدولة والضرب بيد من حديد في حق كل من تسوّل له نفسه إقلاق الأمن والاستقرار وافتعال الأزمات من أجل مصالح ذاتية رخيصة على حساب المصلحة الوطنية العليا, فنحن ضد الأحداث التي شهدتها العاصمة صنعاء الأسبوع الماضي أمام مبنى السفارة الإماراتية بصنعاء، وضد قيام بعض العناصر القبلية المسلحة بقطع الطرقات داخل العاصمة ومنع المسافرين من الدخول إلى العاصمة مهما كانت مبررات ذلك, فهذه ممارسات غير حضارية ولا تشرف أي يمني غيور على وطنه ومكتسباته الخالدة القيام بها أو الإشادة بمن قام بها, فالجميع مع سيادة النظام والقانون يتساوى أمام ذلك من هم في السلطة أو في المعارضة ولا يجوز التفريط بها مهما حصل, فالحاصل اليوم في حي الحصبة خير شاهد على ضياع هيبة الدولة وحالة الانفلات الأمني القائمة فلا يعقل أن يتم احتلال مقرات ودوائر حكومية داخل العاصمة صنعاء وفي ظل هذه الأوضاع الأمنية المضطربة في الوقت الذي يتحدث البعض عن وساطات ومبادرات. من الخطأ أن يتصور أبناء الشيخ الأحمر أو أي فرد من أبناء الوطن أنهم فوق سلطة النظام والقانون ومن الخطأ أن تتماهى الدولة مع هذا التصور بحالة اللامبالاة التي تتعامل بها مع مختلف الأحداث التي تشهدها الساحة المحلية والتي يكون أبناء الشيخ الأحمر طرفاً فيها.. المواجهات المسلحة الدائرة اليوم تستوجب على الدولة سحب هذه الترسانة الهائلة من الأسلحة والتي لا أستبعد أن تكون غالبيتها من أسلحة الدولة. لا نريد أن تتحول اليمن إلى دويلات داخل الدولة وعلى السلطات الرسمية استدراك ذلك لكي لا نصل إلى مرحلة اللاعودة للأمن والاستقرار وتدخل البلاد في نفق الصراعات المظلم الذي يقود إلى صوملة اليمن «لاسمح الله».. لا نريد الوصول إلى هذه المرحلة وعلى السلطة والمعارضة والقوى المستقلة أن يعودوا إلى رشدهم ويعملوا على تفادي تدمير الوطن ودخوله في أتون حرب أهلية، وعلى هذه الأطراف مجتمعة ألا تبخل على الوطن بتقديم التنازلات والتخلي عن الكبر والعناد والإصرار على التخندق وراء آرائهم ومطالبهم, فاليمن يستحق ذلك والشعب اليمني الوفي والأصيل يستحق أن ينعم بحياة كريمة وهانئة وتجاوز الأزمات الراهنة التي تكاد تعصف بالبلاد والعباد.. ولنعي جميعاً أن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.. قولوا آمين. والله من وراء القصد.. [email protected]