• هل خدمتنا القبيلة في شيء؟ ربما قد تكون إجابة هذا السؤال بالإيجاب لو أننا تحدثنا عن القبيلة فيما مضى من الزمن عندما كنا نسعى لتأسيس دولة من العدم ، فحينها لن ننكر للقبيلة دورها، أما الآن ونحن نعيش عصر المعلومات والتكنولوجيا الحديثة فإن القبيلة هي السبب الرئيسي في كل ما نعيشه من تخلف بسبب تناقض ثقافتها مع الثقافة المدنية التي ننشدها، فثقافة القبيلة كما نعرف تقوم على الجبر والانصياع للأوامر بينما ثقافة المجتمع المدني ذات طبيعة تعاقدية، وأي فرض لتقاليد القبيلة على المجتمع المدني إنما يؤدي إلى تشويه هذا المجتمع وتدمير تكويناته القائمة على التعاقد، الأمر الذي يفكك المجتمع ويجعله فرقاً شتى تتصارع فيما بينها وهو ما يمثل تهديداً كلياً للدولة وقيمها المعاصرة، وهذه أعلى مراحل تهديد الأمن والاستقرار الاجتماعي. • كنت وما زلت من أشد المعارضين لتعاظم دور القبيلة في الحكم وصناعة القرار وانحسار مبادئ وقيم الدولة والمجتمع المدني لصالح أعراف وتقاليد القبيلة، كما حدث خلال السنوات الماضية، بل إن الأمر وصل إلى درجة أن البعض وإن كانوا يحملون مراتب علمية عالية نجدهم يفتخرون أكثر بأن يخاطبهم الآخرون بلقب « شيخ » بدلاً من لقب دكتور أو أستاذ أو أي لقب آخر، وهي مشاهد ومواقف دائماً ما تصدمنا على أرض الواقع حيث أصبحت المكانة القبلية مصدر فخر واعتزاز وهيبة أكثر من أي مكانة أخرى، ولم يعد من المستغرب أن نجد شيخ القبيلة هو صاحب اليد الطولى والكلمة العليا وهو من يتحكم في كل شيء داخل مجتمعه المحلي الصغير وإن كان لا يفقه أي شيء، وقد أصبحت “ القبيلة والمشيخة” ظاهرة عامة متفشية في المجتمع اليمني من أقصاه إلى أقصاه، حتى تلك المناطق التي كانت فيها النعرات القبلية في الطريق إلى الزوال والذوبان لصالح قيم المجتمع المدني ، سنجد أن العصبية القبلية عادت للظهور مجدداً بل أكثر قوة وشراسة مما كانت عليه سابقاً. • ولا أخفيكم أنني وغيري الكثيرين من أشد المتحمسين والراغبين ليس بالقضاء على القبيلة واقتلاعها من جذورها ، ولكن بتذويب القبيلة لصالح المجتمع المدني، لكن للأسف ما هو حاصل الآن هو أن البعض يسعى إلى إذابة الدولة في القبيلة وإن ادعى العكس وتشدق بأنه مع قيام دولة مدنية، وهو ما نلاحظه عند نشوب صراع قبلي ، حيث يتم استدعاء النعرات القبلية وإحياء كافة تقاليدها وأعرافها ، وإذا بنا نسير في عكس الاتجاه الذي نريده وهو ذوبان القبيلة بنعراتها وعاداتها وتقاليدها لصالح قيم الدولة والمجتمع المدني الحديث. • أعجبني مقال الدكتور أحمد غالب المغلس الذي نُشر في هذه الزاوية يوم الأحد الماضي والذي تحدث فيه الكاتب بالقول إننا أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن نكون مع الدولة أو نكون مع القبيلة؟! • والإجابة يا أستاذنا الفاضل هي أن ما يحدث حالياً من تداعيات للأزمة الراهنة التي تعيشها بلادنا تؤكد بأن الإيمان بالقبيلة لا يزال يطغى على الإيمان بقيم الدولة المدنية الحديثة لدى الكثير من أبناء شعبنا اليمني وفي مقدمتهم أولئك الذين ما انفكوا يطالبون وينادون بقيام الدولة المدنية الحديثة وكشفتهم الأحداث الأخيرة التي شهدتها منطقة الحصبة بالعاصمة صنعاء حيث أظهروا “ الولاء للقبيلة قبل الدولة والرغبة في الفوضى والحرب ضد النظام وكسر هيبة القانون”. • والمصيبة أن نجد بعض الشباب في ساحات الاعتصام الذين يؤكدون أن ثورتهم تستهدف بناء الدولة المدنية الحديثة ، يتعاطفون مع دعاة تغليب القبيلة وإعلائها على حساب المبادئ والقيم المدنية الحديثة، ولم يكتفوا بذلك بل إنهم حولوا أنفسهم إلى أدوات في يد القبيلة تستخدمهم لتحقيق أهدافها في الوصول إلى السلطة. • ما نؤمله هو أن يدرك هؤلاء الشباب بأن القبيلة هي السبب في إطالة أمد اعتصاماتهم السلمية وهي من صادرت ثورتهم لصالحها واستثمرت جهودهم لإعلاء شأنها على حساب مطالبهم في بناء دولة مدنية حديثة، وبالتالي فإن عليهم أن ينأوا بأنفسهم عن الصراعات القبلية لكي يتمكنوا من تحقيق الأهداف التي نفذوا من أجلها اعتصاماتهم، وعليهم ألا ينتصروا للقبيلة على حساب الدولة ، لأن ذلك سيعيدنا إلى الوراء بدلاً من أن نسير إلى الأمام وهذا ما لا يريده أحد، فكيف يستقيم الحديث عن المجتمع المدني بينما لا نزال نمجد القبيلة ونراها فوق كل مؤسسات الدولة بل وفوق الدولة نفسها؟!. [email protected]