مما لا شك فيه أن الأزمة السياسية الراهنة في بلادنا أدت إلى بروز العديد من الرؤى والأفكار والممارسات الحياتية اليومية التي صُبغت بتداعياتها وصارت مرتبطة بها وسنحاول في سياق هذه التناولة تسليط الضوء على بعضها من واقع الحياة المعاشة . استحوذت الأزمة السياسية الراهنة وتداعياتها على اهتمامات ومتابعات السواد الأعظم من أبناء الوطن في الريف والحضر وفي الداخل والخارج ، وأضحت منازل اليمنيين ومحلاتهم التجارية وشوارعهم وأسواقهم ووسائل المواصلات أشبه بمنتديات سياسية الكل فيها يتبادلون آخر المستجدات والتحليلات لما يحصل على أرض الواقع وماستفضي إليه الأزمة وتظل مجالس القات هي المواقع الأكثر إثراء للموضوع والتي لا تخلو من (فشفشة) تكاد تكون محصورة في هذا الإطار ، الكل يبحث عن جديد عبر الراديو أو عبر الفضائيات لمن يمتلك مولداً للكهرباء إلى مستويات متدنية جداً ، واللافت أن الشارع اليمني رغم الأزمات الناجمة عن الأزمة السياسية والتي تؤثر على الأوضاع المعيشية للمواطنين إلا أن الهم الوطني هو الطاغي على أغلب اليمنيين ، فالكل همهم الأكبر الخروج بالوطن من هذه الأزمة وعودة الحياة إلى طبيعتها لكي يتم استقبال الشهر الفضيل بدون أزمات أو منغصات . ارتفعت اسعار القات في السوق المحلية هذه الأيام بخلاف ما اعتاد عليه الموالعة خلال فصل الصيف من كل عام والتي تشهد انخفاضاً في أسعار القات ، ولكن تداعيات الأزمة الراهنة أوصلت أسعار القات إلى مستويات قياسية دفعت معها الكثير من مزارعي وبائعي القات إلى حد التمني بإطالة أمد الأزمة من أجل جني المزيد من الأرباح وفعلاً (مصائب قوم عند قوم فوائد). وجد سماسرة بيع المشتقات النفطية هذه الأزمة الحاصلة فرصة لابتزاز المواطنين والتلاعب بأسعار هذه المشتقات النفطية وهو الأمر الذي شجع بعض أصحاب المحطات إلى سلك نفس المسلك بعد أن شاهدوا نسبة الأرباح الخيالية التي يجنيها سماسرة بيع المشتقات النفطية والذين يبيعونها في الشوارع على مرأى ومسمع من السلطات المختصة والتي لا تخلو من أساليب الغش والنصب والاحتيال ، ولا أدري لماذا لا تقوم شركة النفط اليمنية بتفعيل دورها الرقابي واتخاذ الإجراءات القانونية في حق المخالفين من مُلاك المحطات لتكون رادعة للآخرين والعمل على اتخاذ إجراءات عقابية صارمة في حق كل من يثبت تورطه من موظفيها في منح تسهيلات لبعض أصحاب المحطات للتلاعب في أسعار المشتقات النفطية واحتكارها بهدف بيعها في السوق السوداء، أو بيعها لأصحاب المصانع فهذه ممارسات غير وطنية وغير قانونية وحتى غير أخلاقية ومامن مبرر للسكوت عنها مهما حصل . دبت الخلافات والصراعات الأسرية والمجتمعية في أوساط المجتمع اليمني على خلفية التباين في الآراء والمواقف السياسية والحزبية والوطنية ، فما أكثر الخصومات التي حدثت جراء التعبئة الحزبية الخاطئة للمواطنين والتي أوصلتنا إلى حد الكراهية والحقد المتبادل بين الإخوة الأشقاء داخل البيت الواحد ، حيث أدت الأزمة إلى رفع مؤشر الجدل المجتمعي إلى مستوى غير مسبوق وما أكثر الحوادث الشخصية التي سجلتها إدارة الأمن وأقسام الشرطة بسبب الخلافات والتباينات والجدل السياسي ، ولا أعلم لماذا كل هذا الإفراط في الخصومة ؟ ولماذا كل هذا التشدد والتطرف السياسي ؟ الوطن أغلى من الأحزاب ومن الأفراد وعلى كافة أبناء الشعب الانتصار للوطن والكف عن إذكاء المناكفات والمكايدات الحزبية لكي لا يخسر بعضنا بعضا. بعض ضعفاء النفوس من التجار استغلوا الأوضاع التي تعيشها البلاد وقاموا برفع أسعار الكثير من المواد الغذائية والاستهلاكية ، وعمدوا إلى ابتكار بعضها لكسب المزيد من الأرباح على حساب المواطنين الأبرياء ، والبعض منهم أوصله جشعه إلى حد الترويج لبضائع ومنتجات مهربة أو منتهية الصلاحية أو مجهولة المنشأ ليزيدوا من معاناة أبناء الشعب. وسائل إعلام الفتنة استغلت الأحداث وراحت تروج للأكاذيب والأخبار المفبركة والتي تصب في خدمة توجهات القائمين عليها ، وصارت هذه الوسائل منطلقاً لنشر ثقافة الكراهية والعدائية والحقد بين أبناء الوطن الواحد ، كل ماتبثه وتنشره من سموم فتاكةً يزيد الأوضاع تفاقماً والأزمة تعقيداً ، شرعوا للكذب والافتراء ، وأدخلوا الشعب في دوامة من الأوهام والصراعات التي لا أول لها ولا آخر مهنيتهم الإعلامية قائمة على قاعدة (أكذب – أكذب – اكذب حتى يُصدقك الناس ) ، ضعوا الأزمات وروجوا لها ، استخدموا الألفاظ والمفردات غير اللائقةً ، وأغرقوا في ممارساتهم الإعلامية التحريضية التي تدعو إلى الفتنة وسفك الدماء وإزهاق الأرواح ، صنعوا من الحبة قبة ، فظهرت هذه الوسائل الإعلامية على حقيقتها واتضح للجميع أنها في حالة عدائية كامنة داخلها منذ سنوات عديدة تم الكشف عنها مؤخراً فبدت على حقيقتها ونزع عنها قناع الوطنية التي كانت ترتديه. الكثير من القوى السياسية انتهكت حقوق الطفولة وعملت خلال الأزمة الراهنة على تجنيد الأطفال وصغار السن والزج بهم في معمعة السياسة والدفع بهم إلى ساحات الاعتصام لأداء ادوار لا تتناسب مع أعمارهم ومن يشاهد الأطفال وهم في هذه الساحات يشعر بالحسرة والأسى ، فمن غير المعقول أن يصل بعض الآباء والأمهات إلى حد إقحام أطفالهم وفلذات أكبادهم في مسائل لا علاقة لهم بها ، حتى الأيتام أخرجوهم من دور الرعاية وأجبروهم على الاعتصام ومنعوا المعونات عن الأسر التي رفضت إرسال أولادها إلى ساحات الاعتصام ، فما علاقة هؤلاء الأطفال بالسياسة والحزبية ، حيث كشفت الأزمة أن هذه القوى التي تدعي حرصها على الطفولة مُستعدة لفعل أي شيء والمتاجرة حتى بالأطفال في سبيل الحصول على مبتغاها وتحقيق الأهداف التي تنشدها. هذه الأزمة أظهرت معادن الرجال حيث عملت على غربلتهم وتنقيتهم فظهر أصحاب المواقف الثابتة وغير القابلة للمساومة أو التشكيك ، وظهر أصحاب المواقف المتأرجحة وغير المستقرة والذين يشرقون ويغربون فتجدهم تارةً في أقصى اليمين وتارة أخرى في أقصى اليسار يميلون مع الريح حيثما مالت ، وظهر أصحاب المصالح المادية الذين لا هم لهم سوى المال واللهث وراء مصالحهم الشخصية ، وظهر أصحاب المواقف الدنيئة والمتخاذلة ، فكانت الأزمة محطة للتصفية وتميز الخبيث من الطيب والصادق من الكاذب والوفي من الخائن والمخلص من المداهن والمنافق والوطني من الدعي الأفاك الذي يدعي الوطنية زوراً وبهتاناً . كما أظهرت الأزمة مدى تلاحم وتماسك الشرفاء من أبناء الوطن لتمريرها وتطبيقها على أرض الواقع ، فكان الجميع عند مستوى المسؤولية الوطنية والمتوخاة منهم وتحلوا بأعلى درجات الصبر والتحمل من أجل الوطن. كما عملت الأزمة السياسية على فرض أجندة عديدة لإصلاحات شاملة في مختلف مجالات الحياة من شأن تحويلها إلى برامج عملية إحداث نقلة نوعية وتحقيق طفرة حضارية وتنموية غير مسبوقة والوصول باليمن واليمنيين إلى أعلى مراتب التطور والنماء والازدهار والانتعاش المعيشي والاقتصادي ، وخلفت حالة من الإجماع الوطني على المضي قدماً نحو تحقيق كل هذه الأجندة والأهداف على طريق بناء اليمن الجديد وصنع المستقبل الأفضل. حفظ الله اليمن واليمنيين ولا عاش صُناع الفتن وأعداء الوطن. [email protected]