لن أحيلكم إلى الأصل الفلسفي للمصطلح مع الاحتفاظ للفيلسوف “ابن رشد” بحقه الفكري والفلسفي في الرد على الإمام أبي حامد الغزالي، لكني فقط سأستعيره لبعض الوقت إسقاطاً على تهافت من مستوى أدنى، وقوفاً على التهافت اليومي الذي نعيشه،تهافت الجهل والجنون والعنف، وتهافت الغريزة على حساب العقل ،وتهافت التخريب والتسفيه والإقصاء والتشويه،وتهافت تدمير منظومة الأخلاق والقيم المدنية وحتى العادات والتقاليد الحميدة، تحت شعار الشرعية الشوارعية، وتهافت على تقويض القيم الإنسانية والقيم الإسلامية الأصيلة والأصولية (بالمعنى الفقهي لا المعنى السياسي). نرى شباباً ومن ورائهم راشدين، غير راشدين، يدفعون المجتمع إلى الجنون، إلى الفوضى، إلى المجهول، يمنعون الجميع تحت تأثير الدعاية المضللة عن التفكير العقلاني والمضي بغرائز القطيع إلى حافة الجنون ، إلى تدمير كل ماهو قائم دون اكتراث للعقل ولحق الآخرين ومواقفهم المختلفة معهم ، ودون اكتراث لقاعدة المرجعية والأغلبية الديمقراطية ، تكريساً منهم لنظرية القطيع أو (الحشود) التي تصبح الغابة أنسب الأماكن لتطبيقها. وحتى بعد أن رأوا نتائج جنونهم رأي العين وهي تجر الجميع إلى العنف والحرب والاغتيالات والإرهاب والخوف والخراب وتعطيل الحياة العامة والخاصة وتعطيل الدستور والقانون ، وتعطيل مؤسسات الدولة والمجتمع ، لم يعتبروا ،مازال بعضهم يصر على المضي قدماً في غيه دون تفكير وكأن الفوضى التي تسببوا في إحداثها بشائر نصر مبين كما لقنتهم أحبارهم ورهبانهم زوراً وبهتاناً. وهناك من يعرف الحق ويتهافت مع غرائز القطيع إما خوفاً من ماضٍ أو طمعاً في مستقبل أو إيثاراً للسلامة، ولا برهان ولا حجة لتهافته ، وكأن صكوك الوطنية أو الغفران ستمنح له من الخط الدائري ، أو من شارع الستين ، أو من محطة صافر ، التي صفرت عدادها من البنزين والديزل، ولم تعد تزودنا إلا المحل والقحط والخراب. أما من نسميهم مجازاً الشباب فهم مجرد دروع بشرية يتم من ورائها إعادة تموضع وانتشار قوى التطرف والعنف والتخريب والإرهاب وهم يسوغون ويشرعنون جرائم أمراء الحروب وتجارها وطلائع الفيد ، بل هم من يقيم الطقوس الدعائية اللازمة مثل الصلاة على القتلة والمجرمين من قطاع الطرق والمعتدين على الممتلكات العامة والخاصة وناهبيها، وحملة السلاح وأدوات التدمير ، وهم الجمهور المصفق لمجرمي الحرب ورافعي السلاح ومقوضي السلام الاجتماعي. وهناك تهافت مراكز القوى الانقلابية المتخلفة على ما تبقى من بنى الدولة ومؤسساتها ومعالمها بغية الإجهاز على ما تبقى منها في محاولة لوراثة تركة الشعب الذي هو معني بالدفاع عن مكتسباته وعدم السماح بتمرير رغبات تذويب الدولة في شخصيات القوى الانقلابية ومصالحها وكأنها (علبة آيسكريم). وهي مراكز قوى حاول الرئيس من خلال النهج الديمقراطي الذي تبناه خلال 3 عقود من الزمن أن يستوعبها فيه وأن تنتقل للتعبير عن نفسها عبر وزنها التمثيلي في البرلمان أو المجالس المحلية أو في السلطة التنفيذية وحتى مؤسسة الرئاسة ، لكي تتخلى تلك القوى عن خيار التعبير عن نفسها من خلال القوة أو من خلال فرض الأمر الواقع أو خارج الشرعية الاجتماعية والشعبية.وما استعراض العضلات وإبراز القوة العمياء والجاهلة والغاشمة إلا إصرار على إعادتنا إلى ما قبل الدولة وما قبل المؤسسات الديمقراطية وما قبل صندوق الانتخابات. صحيح أن المرجعية الديمقراطية تستلزم أن تكون القوة والسلاح بيد الدولة فقط ، وهو مالم تتمكن تجربتنا الديمقراطية من إنجازه ،لأنها قبل أن تكون ديمقراطية بين مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات ومتساوين أمام اختيار وحرية الناخب ، هي ديمقراطية محاور قوى كانت ترى نفسها فوق القانون والدستور والمؤسسات والدولة إلى أن احتكمت مؤقتاً إلى صندوق الاقتراع الذي منح تمثيلها شرعية مدنية إلى حين. أما وقد حاولت تلك القوى الانقلاب من جديد على القاعدة الديمقراطية فقد أعادتنا إلى التعبير البدائي من خلال القوة ، وليس القوة القانونية والديمقراطية ، وهذا محاولة لنسف المشروع الديمقراطي القائم ، إلا أن من الممكن توظيفه لإعادة تصحيح المسار الديمقراطي أو إعادة بنائه لكي تكون الديمقراطية شرعة بين مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات وليس بين مراكز قوى ، أو لوردات ، أو مشائخ، أو لوبيات وجماعات ضغط غير مدنية بما يفضي إلى مجلس نواب للشعب وليس مجلس لوردات. ومع الأسف فإن الشباب أو من يلبسون أنفسهم هذا اللقب بمعناه السياسي الاحتجاجي القائم لم يستوعبوا بعد أن الصراع القائم هو بين مراكز قوى وليس بين الشعب وبين السلطة كما يراد لهم أن يتصوروا، وقد وقعوا تحت سيطرة العبارة العدمية «إسقاط النظام» لصالح الفوضى ولصالح الأسرية ولصالح المشاريع الذاتية والأيديولوجية الضيقة والمناطقية ولصالح المشاريع غير المدنية. أو أنهم جهلوا أن المجتمع المدني الذي يرفعون شعاره لا يمكن أن تبنيه عصابات التطرف والفوضى والعنف والإرهاب المنكفئة على مشاريعها الذاتية التي ليس لليمن ولا للمجتمع المدني موضعاً فيها.كما جهل الشباب بأنهم مجرد لُعب بأيدي مراكز قوى انقلابية على القاعدة الديمقراطية القائمة، وأن ما يستهلكونه من شعارات لا علاقة له بحقيقة الصراع القائم والقيم المستقبلية المرجوة. ذلك أن مراكز القوى الانقلابية لا تبحث عن مواطنة متساوية ولا تريد للشباب أو الشيوخ أن يصبحوا أساس المجتمع المدني ، بل يريدون فقط أن يقتسموا كعكة الوطن بشرعية القوة لا بقوة الشرعية ، ولم يسألوا أنفسهم بعد كيف سيقتسمونها طالما غابت قاعدة القسمة؟ وهل سيترك الناهب الأول للناهب الذي يليه ما يرضيه من الغنيمة ؟ ثم هل بقي من خيرات هذا الشعب المتآكلة ما يمكن اقتسامه؟ خاصة وأن لا طرف يريد أن يبذل جهداً من أجل خلق إمكانات ومصادر إبداعية جديدة تضاف إلى إمكانات البلاد المستهلكة. إنه تهافت على ما تبقى من ثروات البلاد الطبيعية الآيلة إلى النضوب، ولا أحد من هؤلاء يفكر حتى من أين سيشرب اليمنيون بعد أن تنضب مصادر المياه الشحيحة ؟ لا أحد يريد أن يعرف أو يعترف بأن ربيع الاقتصاد قد ولى وطنياً وإقليمياً ودولياً. إننا أمام تهافت مراكز قوى تدجن بعض الشباب والمليشيات التابعة لها وتوظف ترسانة العنف التي يفترض في مجتمع مدني وديمقراطي أن تمتلكها الدولة فقط، وأن يكون الدستور والقانون فقط هو الذي يحدد استخدام الدولة لها. وعلى مثل هذه المشاريع المتخلفة ، مشاريع ما قبل الدولة وما قبل الديمقراطية ، يتهافت المتهافتون. فهل يعي الشباب المغرر بهم هذه المعادلة ويقرأون الحاضر اليمني على هذا النحو الواقعي استناداً إلى الصيرورة التاريخية بمعزل عن التقسيم الفصلي التعسفي المسقط على المنطقة من خارجها؟