الحرية : كلمة ذات معيار ثقيل .. لا يكافئها حقها إلا من يماثلها في الوزن والثمن ... وبينما تتوالى إلى سمعك هتافاتها مرسلة من بين ثنايا اولئك الأفراد .. قد لا يكونون مؤهلين أن يكونوا تلاميذ في المدارس فضلا عن أن يكونوا معلمين أو يكونوا من أصحاب الرأي والإفتاء ... حين تمر بك قدماك في أي شارع من شوارع المدينة أو حي من أحياء هذه البلاد الممتدة الأرجاء الواسعة الصدر الطيبون أهلها غير أنّ لكل قاعدة شواذ...! بينما أنت كذلك لا يلبث أنْ يتباطأ سيرك رويدا رويدا ويثقل حملك على ركبتيك، فيخبو بريق شعاع الأمل الذي كان يرقص بين جنبيك .. وبينما محيّاك قد أكفهّر متجها إلى الأرض ينظر بألحاظ فيها انكسار..حين تستوقفك عبارات السب واللعان ..التي قد سطرت حروفها على الألواح والحيطان ولم تسلم منها حتى جباه الأطفال..... • تتبعثر تلك الحروف في صفحات ذاكرتك تتدحرج يميناً وشمالا ، تتأمل نواصيها مليا حيرانا متسائلا : أما زالت تحمل معانيها التي تعهدها أم أنها قد انخرطت في منظومة الجديد أيضا .. ترسم من دلالاتها رموزاً عاتمة مطلسمة تتوارى عند قضبانها أشعة الشمس لتدخلك في ليل بهيم يكفكف بعضه بعضا. • تنصهر في خارطتك كل المعالم الجميلة لتصبح جرداء خالية عن أي كساء كريم ..مرقعة تزعج الأنظار.. في لغةٍ صامتةٍ من الداخل أمام طابور من علامات التعجب، التي تحير الألباب وتأخذك إلى شاطئ ممتد من الألم والأحزان. فئران مكاتب : قال الراوي : حتى فئران المكاتب خرجت من ثكناتها المظلمة تلوِّح بكلتا يديها من بعيد ..ها نحن اليوم هنا نتهالك على الساحة قد أصبحنا ثوارا وأنصارا.. مطالبنا قمع الفساد الفاسدين الذي أُغرقنا فيه ردحاً من الزمان ، وكانت نفوسنا تشاطره البناء دون رفض أو استهجان.. ثم خرجنا اليوم ننشُد شمس الحرية من وراء الخطب الوهمية ، خرجنا اليوم لننظف ثيابنا قبل أن ننظف ذواتنا.. خرجنا من أوكارنا وانضممنا إلى قوافل الثائرين .. خرجنا لننظف شوارعنا قبل أن ننظف منازلنا..خرجنا من غرفنا المظلمة لننشد النور عبر تلك القنوات المأجورة.. تهاوينا من كل شرفة وتساقطنا من كل قلعة لننال شرف السبق في مصارعة الظالمين.. خرجنا من دهاليزنا بعد أن غصنا في أوحال النهب والسرقة والابتزاز.. خرجنا من مكاتبنا بعد سبات نوم طويل .. خرجنا نحمل في إحدى الأيادي علم الوطن وفي اليد الأخرى وسام التهديد والوعيد للحاكم والمفسدين وحتى إخوانهم المناصرين ... خرجنا لنعلن اليوم أننا قد تحرّرنا بعد أن كنا ننْهال على أموال الدولة بكل سخاء ورخاء ودون وازع من دين أو ضمير .. وبعد الثورة هذه لن نعبث بالمال العام والذي كنا لا نألو جهدا في استحلاله وسرقته في كل المناسبات ونسترفد كل فرص النهب والابتزاز وأخواتها بطرق مغلفة أو حتى مكشوفة وديكورات ملونة وملمعة ، وسنجعل من مكاتبنا محاريب للنزاهة والعدالة والشرف.. بعد أن استبحنا أموال الدولة من كل نفق وصوب ، وسخرناه كوجبة دسمه ننهش من كل أجزائها ومن غير تأنيب ولا ضمير . خرجنا بعد أن عثنا في سبحاتها للسنين الطوال كالمنشار في كلتا جهاته يأكل دون توازن أو حدود أو استحياء ..وسنرسم لنا من اليوم ثوباً جديداً يعبر عن نفس جديدة.. خرجنا مستنكرين ومنددين لهذا الواقع المهين والذي لم نكلف أنفسنا فيه يوماً واحداً لأن نكون أشرافاً أو نساهم فيه بإصلاح أو تعديل .. ولكننا اليوم قد أضحينا ثائرين بعد أن كنا تائهين وجائرين .. الطريق أمامنا قد انشقت منافذه وصففت طرقه واستكملت خططه وأشهرت أبواقه وحانت فرصة العمر التي لن تتكرر، ونحن على أتم الاستعداد لأن نكون من جنوده وروّاده ,لأننا من الأساس تربينا على النظافة والشرف وسنستكمل ما بقي من حياتنا أيضا على النظافة والشرف ، ولكن في الاتجاه الآخر ....! لأننا قد لبسنا ثياب الحرية والثورة الاخوانية والتي تباركها الحوثية الإثنا عشرية ، فلابد أن نغير اليوم اتجاه مسارنا لنضمن لنا مقعداً بلباس الثورة الميكافلية .... **** عندما تضعك الأقدار أمام أناسٍ روائح إفسادهم تزكم الأنوف وتدفعك للغثيان ..عندما تجد نفسك أمام شخصيات لا يخفى عليك أنانيتها ولا نهبها للمال العام وبطرقٍ ما أنزل الله بها من سلطان ، ربما لا يخفى عليك جشعها أو مكرها أو خستها..ثم تجدها اليوم أمام عينيك ، قد نصبت من حالها معولاً محنَّكاً سيساهم في الحرث المدنية الحديثة ، تسابقت لتشارك في صناعة الثورة المزعومة عند اولئك التائهين ،لتضمن لها مقعداً في القادم الجديد ..عندها تقف مع أمثال هؤلاء بصمت مرير حائل الفكر ويحتار معك القلم... نقف لننعي بقطرات حبرنا ودموعنا على أوراقنا هذه التربة الطيبة كيف احتوت كل هذا الوباء .. عندما تفتقد القدرة على الرقابة الذاتية لتجعل من نفسك إمّعة حيث تميل بها الأهواء هي تميل .. عندما تفتقد القدرة على ضبط أهوائك واحترام مبادئك وقيمك ثم تأتينا لتتفلسف وتتشدق مليء فيك على الآخرين «غياب الرقابة العامة كانت سببا لكل المصائب».. وهذا دائما شعار الضعفاء والفاشلين .. هل تجدي الرقابة الخارجية إذا فقدت الرقابة الداخلية؟! .. لا أظن ذلك ،هذا ما يثبته واقع الحال ومع أهمية وجود الرقابة الخارجية إلا أننا لا نستطيع التعويل عند غيابها بكل شيء ، للرقابة الداخلية النصيب الأوفر والأهم في تحقيق العدل والسلام .. الطبيعة متى بدأت عملها في تحويل الانسان عن إنسانيته نزلت به إلى العالم الحيواني ووصلته بما فيه من الشر والدناءة وبكل أشكالها .وهذا ما قدمه لنا زعماء الأحزاب والمرابطون في الساحات . .نسأل الله العافية . قال احد الملوك عندما وصل به الحال قمة نجاحه وقد دانت له الكثير من الامصار والأوطان وأصبح سيدا مرموقا في عرشه .. عندها ذكر عبارة جميلة جداً ومعبرة وهي اعتراف قال: «لقد ملكنا الدنيا ولم نملك أنفسنا» ولو استطعنا أن نحكم أنفسنا أولا لكان أجدى لنا .... وهكذا الكثير منا يفتقد القدرة على التحكم في أهوائه ورغباته ثم يأتي ليزمْجر و يتعنْتر أنه وأنه وأنه ... وهو أضعف ما يكون ... غير أنّ الأقدار تهيء للإنسان آفاقاً في الحياة للاختبار والعبرة ليس إلا .. نحن لا نتعجب ممن ينشد الحرية والعدالة الاجتماعية وهو عزيز النفس كريم الأخلاق مترفعاً عن مواطن الفساد بكل أشكالها وأحجامها ووسائلها ، ولكن يعظم تعجبنا عندما نسمع تلك الهتافات ممن غرقوا في الأوحال ومراتع الديدان ، لا تعرف إلا لغة الأكل فقط ،حتى تفني فريستها ولن تشبع ، ثم تأتينا لتشهر سلاح السفهان وتتوعد بمحاكمة الفساد والمفسدين ..اللهم ولّ علينا خيارنا ولا تولّ علينا سفهاءنا واحفظ لنا رئيسنا تاجاً على رؤوسنا وشوكة في حلوق أعدائنا .. اللهم آمين .