في زحمة البحث عن الذات ينسى المرء أحياناً سواه من الناس ,بل ينسى أقرب الناس إليه وقد يحول الموت بينه وبينهم فلا ذاتٌ وجدها في نفسه ولا قربى وجدوه في ذاتهم.. الكثير مما نجده في الحياة لم نبحث عنه طويلاً والكثير مما بحثنا عنه لم نجده وربما لن نجده ولهذا يبقى الأمل ولهذا أيضاً لم يسأل الله البشر عن عمل الغد لأنه تكفل برزق الغد وهو وحده يعلم ماتحمل بطون الأيام والليال. أن تُلقي التحية أو تقدم الهدية أو تشفع لسواك شفاعة حسنة فهذا ليس بالأمر الصعب لكن أن تضطرك المواقف إلى رشف كأس العتاب فهذا ليس سهلاً على الإنسان أبداً ولهذا يجب أن نبدأ بكل طيب حتى نجد كل طيب، يكون النسيان نعمة أحياناً عندما تنسى من وماتكره لكنه يصبح نقمة حين تنسى من وماتحب ,ولكل عضو في جسم الإنسان ذاكرة لايعلم سعتها إلا خالقها وصانعها وموجدها من العدم لكني أعتقد أن النسيان يحدث حين تصبح ذاكرة القلب ممتلئة وبحاجة إلى التفريغ حتى تستطيع أن تستوعب وجود آخرين من البشر.. في الزحام تختلط أنفاس البشر وتمتزج نكهاتهم لكن لاتتحد اتجاهاتهم ولاتصبح مشاعرهم واحدة ولهذا يبقى باطننا عالماً آخر مهما كان ظاهرنا منسجماً مع محيطنا الخارجي كجزء من كل في أبسط الحالات. حتى منظومة القيم التي نعتنقها ربما أصبحت اضعف ونحن نخوض معركة الحياة والموت التي نخسر فيها الكثير مقابل أن نربح القليل وليس كل مانكسبه يمكن أن ننفقه في آخر الأمر , والدانا من أهم الأشخاص الذين لايجب أن تنسينا الحياة برهما والإحسان إليهما لأنهما كالوطن لايتكرر في حياة الشخص مرتين أبداً وها قد أصبحت التكنولوجيا سمساراً صامتاً لاتجيد إلا البيع والشراء لكن على طريقة العقود الربحية ذات الفائدة المضاعفة فلا نبخل بالتواصل إذاً وقد أصبح العالم بأسره بين أيدينا ولنتفق على أن هويتنا مازالت عربية مسلمة حتى تستوعب عقولنا الباطنة حقيقة الواجب المقدس الذي تفرضه وتدعمه وتدعو إليه هذه الهوية السماوية التي اصطفتنا لنكون مسلمين ننتمي لأمة الحبيب الذي آمنا برسالته ولم نره والذي مابعث إلا ليكون متمماً لمكارم الأخلاق ولهذا كان هو القدوة ذو الخلق العظيم. من أجمل مايتخلق به المرء حسن المعشر بالكلمة الطيبة والسؤال عن الناس وافشاء السلام بينهم وإعطاء ذي الوقار منهم حقهم فيه مع منح أصحاب الحاجات حقهم فينا , الذي يبتسم وهو يدعوك ويربّت على كتفيك وهو يوجه النصيحة ويحب لك مايحب لنفسه ويقف إلى جوارك حين تسقط في ظلم النفس لصاحبها , ويعينك على الوقوف إذا زللت ,لاينسى قريباً ولابعيداً ,لايتجاهل فقيراً أو ضعيفاً لايدير ظهره لأصحاب الهم والأسى بل يواسيهم ولو بلعل وعسى! والأجمل في هذا الإنسان أن يبر بأهل بيته من والدين وزوجة وأبناء لأن الحياة أقصر مما نتصور لكنها أجمل مما نتخيل ,بر الوالدين من أسمى واجبات الإنسان لأن رضاهما من رضى الله وسخطهما من سخطه وجعل الله طاعته مقرونة بطاعة الوالدين في أكثر من سورة في القرآن الكريم تأكيداً على أهمية الوصول إلى رضاهما وإنه يمكن أن يكون سبباً في رضى الخالق عزوجل (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا اياه وبالوالدين احسانا) الإسراء 23.. وفي سورة لقمان آيه (13 14) من ملك الملوك بطاعة الوالدين والإحسان لهما بعد النهي عن الشرك بالله .. وفي سورة الاحقاف 15 وصية أخرى بالإحسان وتذكير بأن الإنسان سيصل يوماً إلى عمر الوالدين وسيكون بحاجة إلى صلاح الذرية وتتبعها آيات تفصل جزاء الإحسان وسوء عاقبة العقوق والعصيان. لنتجنب أن يصل حال والدينا إلى القول: فليتك إذ لم ترعَ حق أبوتي فعلت كما الجارُ المجاورُ يفعلُ!