الطاعة مقرونة بالحب سواءً كانت لله تعالى أو رسوله أو أولياء الأمر ممن يقف على أمور البلاد والعباد،وحتى طاعة الذات أو النفس أو الأنا التي تعيش كيان الإنسان ويعيش تفاصليها تحتاج لنوع من الحب الذي لايُخلق إلا في أجواء خاصة من السلام الروحي والنفسي لايستطيع الإنسان أن يصل إليها بسهولة إلهاماً أو شعوراً بالعظمة، بل إن الطاعة تحمل على عاتقها مقعد الانقياد والتبعية والسمو بأوامر خارجة عن قالب الذات.. وفي الحياة قصص وحكايات وعبر عن تلك الطاعة العمياء التي أنقذت أصحابها باتباع أوامر أصحاب الأمر كقصة سيدنا إبراهيم مع ابنه إسماعيل في القرآن الكريم، إذ قال تعالى في سورة الصافات {فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبتي أفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين}. حوار خارق لطبيعة البشر التي تتصف بالاعتراف للذات وجحود فضل الآخرين. إنها قمة الخضوع للوحدانية، الخضوع المترفع عن قذارة الذوبان الشكلي في عدالة الأرواح، الإنقياد الذي لاتشوبه عاصفة الإفراط والتفريط التي أفقدت الكثيرين كينونتهم الملهمة وهم يركضون خلف شعاع باهت في صحراء مقفرة،وفي القرآن أيضاً إشارة إلى الطاعة المحفوفة بالخوف والطاعة المحفوفة بالشجاعة والطاعة التي غمرتها القناعة والرضا بفيضان الاطمئنان النفسي، فمثلاً حين قال أخو يوسف عليه السلام في سورة يوسف {فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين} كانت طاعة جميلة يشوبها الخوف من خالقٍ ومخلوق، خالق يعلم ما فعل إخوة يوسف بأخيهم من قبل، وخوف من غضب مخلوق هو والدهم الذي آذوه في ابنه يوسف أحب أبناءه وأقربهم إلى قلبه،خوف يعرض حاجة البشر وحجتهم في استمطار رحمة السماء،خوف يقف فيه الضعف والقوة على صعيد واحد في شاهد على سعة رحمة الله تعالى وإعطاء العباد فرصة كبيرة جداً لإثبات براءتهم من عبادة غير الله وإنفراد صفة العبودية له وحده،وحين قال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام في سورة الأعراف{ قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون}. انظر إلى هذه الجملة التي صورتها الآية والتي تصف حجم القناعة بحال الواصف نزولاً عند إرادة الموصوف، والذي أريد الإشارة إليه أننا اليوم في ظل جميع هذه المتغيرات الحياتية الضخمة التي لايستطيع أن يستوعبها العقل البشري فقدنا ذلك الإحساس العميق بالطاعة أياً كان المُطاع،خالقنا الذي هدانا النجدين، والدانا اللذان منحانا سبب الحياة، أولياء أمورنا الذين يعنيهم أمرنا ويعنينا أمرهم، وكل مرؤوس يقف على سبب رزقه أو كسبه أو أدائه رئيس. اليوم هناك الكثير مما يعكر صفو الطاعة،أساليب معيشية متطورة، الاعتماد على النفس،تعدد قنوات اللهو وعدم الرغبة في الارتقاء الأخلاقي المتميز،والكثير مما لانعلمه، لكن بالعودة إلى مفهوم الطاعة اللفظي نجد أنه يعني تطويع النفس إلى الدخول في دائرة الانقياد والخضوع الذي لايهين النفس ولايؤذي شموخها وترفعها، ومن هذا المعنى نستشف أن النفس ليست مجبولة على الطاعة بل يجب تطويعها ولهذا فإن هناك أدوات تستخدم للوصول إلى تلك الغاية ومنها: الإيمان بالمُطاع “بضم الميم”،الرغبة في الإتباع،كسر جموح النفس إلى الإنفراد بالفطرة،وأيضاً إعطاء تلك النفس فرصة لاستيعاب طاقتها المحتملة في الطاعة،وعلى كل حال فالحب يولدُ الطاعة والانقياد، وفي الحقيقة لا أجد ذلك واضحاً في نزعة التحزب والتخريب والترهيب الذي يفتعله البعض، الوطن أصبح عنواناً بارزاً للبعض،لكن السطور المتتالية تحت هذا العنوان لاتعبر عن حب الوطن أبداً.