ذات يوم مضى كتبت عن جنون الصراع القادم من خلال مؤشراته آنذاك والتي كانت تدل بوضوح أن ما يحدث من خلال الاستعدادات على الأرض ينذر بجنون حقيقي، لأن تلك الاستعدادات كانت تجري في الشوارع والأحياء السكنية وبالأخص في الأحياء الأكثر كثافة سكانية حيث القذيفة الواحدة لن تكتفي بقتل إنسان واحد لأنها قذيفة من زمن الجنون ولا يمكن لعاقل ان يقتنع بمشروعية ذلك الجنون وها نحن نراه قد اقترب أكثر وتعاظم أكثر ومع كل يوم جديد يتعاظم أكثر ونقترب أكثر من أيام الجنون العظيم الذي لم يسبقنا إلى مثله أحد من العالمين. ثمة من يرقص طرباً وهو يقرع طبول الحرب أو يسمع غيره وهو يقرعها وكأنه ذاهب إلى حفلة عرس مع ان هذا وغيره ممن يرقصون ويهللون لحرب الجنون يدركون جيداً انها حرب قذرة ولا أخلاقية ويمكنهم ان يدركوا ذلك لو تأملوا جيداً في الأسباب والنتائج ولو نظروا إلى ساحات المعارك والتي ستكون أزقة الأحياء السكنية وشوارعها وهو ما يعني باختصار انها ستجري على رؤوس الناس رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً ومن هنا نحكم عليها بأنها حرب قذرة ولا أخلاقية وبعد هذا كله لا حاجة لأن يبحث البعض عن مبررات وأسباب تشرع لها فيما الحرب ذاتها ترفض هذا التشريع وتلعن من يدعو إليها. من المؤسف حقاً أن تتراجع مساحة الأمل وتتوسع مساحة القلق والخوف والتشاؤم من طغيان الجنون على العقل ونحن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى هو القادر الوحيد على كبح جماح الجنون الذي يستشري في الأحياء وفي المدن وما حولها والله وحده يستطيع أن يلهم الجميع رشدهم ويهديهم إلى سبل السلام وأبواب الحلول يمكن لأي مواطن أن يسأل نفسه: هل هذا الوضع الذي نعيشه وتعيشه بلادنا فيه مصلحة لأحد وهل ينذر بخير للناس؟ مهما تكن الخلافات والتباينات ومهما تكن تعقيدات الأزمة وما وصلت إليه من اشتباكات في بعض المناطق والأحياء والشوارع فلم يزل بالإمكان تفادي الكارثة الكبرى وليس عيباً ان يراجع الجميع حساباتهم وقد اتضحت بشاعة الحرب في نطاق محدود وهي بالتأكيد أكثر بشاعة وأشد قبحاً في النطاق الواسع والشامل فيما لو حدث ذلك لا قدّر الله، دعوا الحرب لوجه الله ورحمة بالمساكين الذين عاشوا حياة البؤس ثم أنهم اكتووا بنيران الصراع وسيكتوون بها أكثر كلما اشتدت وتوسعت. ليفكر الجميع من هم المتحاربون أولاً ومن هم القتلى والجرحى؟ ومساكن من التي تدمرها الحرب؟ ليسأل كل واحد منا نفسه ومن حوله: علام هذا العداء والجميع في النهاية أبناء وطن واحد وربما يقتل الأخ أخاه ابن أمه وأبيه، لأن ظروف أيام الوفاق والإخاء وأيام العقل جعلت كل واحد منهم ينتسب لوحدة من وحدات القوات المسلحة دون حساب أو إدراك بأن زمن الجنون الذي لم يكن في الحسبان سيجعل منهم أعداء وفقاً للتصنيف السياسي وان لم يكن حاضراً من قبل، دعونا من مسميات اللحظة ومبررات اللحظة السياسية لنكتشف خطأ التفكير بلغة القتل والخراب وندرك بأن اليمانيين يقتل بعضهم بعضاً في زمن لم يحتكموا فيه لما يريد الله ورسوله. أية لعنة ستحل علينا حين يفكر كل طرف بإلغاء الطرف الآخر بل قتله وتدميره ؟ وكيف سنتعايش في وطن واحد في قادم الأيام إن أبقت الحرب شيئاً يذكر؟ نعم هو الجنون بعينه قد أصاب الجميع حين يستجيبون لداعي الحرب والفناء، فهل يعقلون؟.