كنت أستقل أحد باصات الأجرة الذي يتحرك باكراً من منطقة المطار إلى المدينة مباشرة ليختصر بذلك مسألة التوقف في محطة بير باشا التي يكره الأغلبية التوقف فيها لأسباب عدة منها أن مياه الصرف الصحي تكاد تغطي منطقة السوق وفرزة الباصات بالكامل أضف إلى ذلك أن هذه المحطة تكتظ بجماعات مسلحة “من قبل الثورة وليس من بعدها” يتميزون بنعرات قبلية وأخلاق حادة وألفاظ سيئة جداً، بدأ الباص يزدحم بالركاب وإذا بمجموعة أخرى من الباصات “8 راكب” تحيط بالباص الذي يحملنا “ 16 راكباً” بحجة أنه يقطع أرزاق هؤلاء ويحمل الركاب رغماً عنهم! فبالله عليكم هل يُعقل أن يُجبر سائق باص أي راكب على تغيير وجهته؟! وهل يستطيع أحد ما أن يقطع رزق آخر؟! أوليست الأرزاق بيد الله وحده؟! هل أصبح كل فرد من هذا الشعب دولة مستقلة ؟! هل يجوز قطع السبيل بهذا الشكل ومحاصرة الركاب وكأنهم قطيع من الدواب؟! أليس هذا حرابة ؟!”أليس اعتداء؟! أليس هذا إرهاباً؟!وسواءً كان من قام بذلك من أنصار الثورة أم من أنصار النظام، ما الذي جنيناه من هؤلاء أو من هؤلاء؟! .. في الحقيقة إننا نشعر بالأسى والخذلان والحزن الشديد على ما وصل إليه الحال في الوطن، فلقد أصبحت أرواح الناس لاتعني شيئاً وكأننا سفينة في عرض البحر تتقاذفها الأمواج، وكأن أحلامنا ورغبتنا في الحياة بكرامة وشرف ليست إلا سراباً في صحراء عتية خالية من ألوان الحياة، من المؤسف هذا الجنون،فالكل يرى في نفسه القدرة على تغيير العالم من حوله ولو بيد من حديد لكن لا أحد يحاول تغيير نفسه أو يبدأ بالعمل من جديد،لأجل ماذا نضيّع هذه الثروات ولمصلحة من تتعدد التيارات؟!لماذا لانضع الله ورسوله واليوم الآخر نصب أعيننا،لماذا نتصرف وكأننا سنعيش إلى الأبد وأننا إذا عشنا لن نُحاسب أو نُعاقب أو نقف بين يدي العزيز الجبار؟! لماذا الغرور والتكبر والركض خلف شعارات براقة من الظاهر وتكاد تكون متعفنة من الداخل،أصبحنا أجزاء متفرقة بعد أن كنا كُلاً مكتملاً يؤازر بعضنا بعضاً،أين نحن من الإيمان الذي وصفنا به والحكمة التي ميزتنا عن سوانا من الشعوب؟ هل كانت حكمتنا محصورة في تدبير وسائل العيش في أكثر الطرق وضاعة ودناءة بين عربات الفاكهة وأرصفة القات ومخلفات البلاستيك التي أعيت صحة المدينة وشوهت جمالها، أين غابت حكمتنا وكل منا يتربص بالآخرين؟! كيف انقلبنا من شعب كريم مسالم إلى شعب لئيم مغارم؟! كيف رضينا أن تُستباح أعراض النساء في وطن المرأة فيه رأس المال والركن المحرم والسر الخفي والعار القاتل؟! كيف تحولنا من أمة شامخة قوية أصيلة وعريقة لها جذورها التاريخية الضاربة في تربة الحسب والنسب والعروبة إلى أمة تابعة خاضعة تستجدي الغرب والشرق؟!إلى متى هذا الجحود والنكران لرسالة الإنسانية والتكليف الرباني بالعبادة وإعمار الأرض بالخير؟! لايغرنكم أن تتقلبوا بين بطائن الغنى والعافية والجاه،لاتركنوا إلى فكرة شيطانية أو دعوة تخريب داخلية أو خارجية. أرجوكم لاتفسدوا في الأرض فيصيبكم غضب الرب، لا تلطخوا تاريخ اليمن فيصبح الناس من بعد عزتهم أذلة صاغرين، يكفي ما وصلتم إليه ومارأيناه وما أفتقدناه وما خسرناه، يكفي تلك الوجوه التي عرّتها الأطماع وكشفت وحشيتها المصالح،يكفي ماتحطم من بيوتنا ومن مات من أبنائنا ومن أصيب من أبنائنا ورجالنا وجنودنا،هل ننتظر إلا جيشاً من المقعدين وذوي العاهات؟! ألا تشعرون بالخوف من الله؟أرجوكم تذكّروا ساعة الوقوف بين يديه “ يوم لاينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم” صدق الله العظيم. فإن كانت أموالكم وأبناؤكم لايملكون لكم من الله شيئاً هل تتوقعون أن تنفعكم شفاعة حزب أو حركة أو نظام؟! خافوا الله في ما صنعت أيديكم لأنها هي من ستنطق يوم القيامة بما كنتم تفعلون!