تفاءل كثيرون بتوقيع المبادرة الخليجية من قبل جميع أطراف النزاع السياسي في اليمن، ولكن يبدو أن انعدام الثقة بين تلك الأطراف مجتمعة أدى إلى ظهور حالة توجس وحذر عميق وظاهر على السطح في الوقت عينه، حيث بدت مظاهر التسليح واضحة وجلية ومكثفة أكثر من ذي قبل، والأمر يدعو إلى سرعة التواصل إلى حالة من التوافق السياسي بين السلطة والمعارضة من جهة وبينهما وبين الشباب من جهة أخرى. ولعل كتلة الشباب التي لم تخرج مطالبها عن حدود الحياة الكريمة للجميع لها ثقلها في الشارع اليوم خاصة بعد حدوث الانشقاق السياسي بينها وبين المعارضة التي استحوذت على الميكرفون واستخدمت تيار الغضب الشعبي كوسيلة للتعبير عن ظاهرها المزدوج وباطنها الذي لا يعلمه إلا الله، لكن لا يخلو الأمر من وجود رغبة ملحة في الوصول إلى المنصة والحديث عن دولة جديدة بكل المقاييس، والحقيقة أن لا شيء ينشأ من العدم أبداً، وستكون هناك دولة نعم لكن بنكهة تاريخية أخرى غير تلك التي كان يحلم بها الشباب على مختلف توجهاتهم السياسية والاجتماعية المتواضعة منها جداً أو العملاقة جداً. في الحقيقة ينبغي الإشارة إلى أن التوجهات السياسية القاضية بحشر المبادرة الخليجية في زاوية التطبيق العملي دون الالتفاف إلى حالة الشارع هو توجه تنقصه الحكمة، إذ إن الشارع هو البوتقة التي سيتم بداخلها تفاعل بنود المبادرة ومن العدل أن تكون هذه البوتقة بعيدة تماماً عن نار المختبر الحزبي والسياسي وأن يعطى لكل عنصر من عناصرها الوقت الكافي للتفاعل والذوبان في الآخر مع الاحتفاظ بصيغة كل عنصر واستقلاله عن الآخر فكرياً وأيديولوجياً وثقافياً منعاً لحدوث التبعية العمياء وخوفاً من الافتتان بالآخر والذهول عن المكنون الذاتي والقيمة المعنوية. ولعل الفكر المشرق لكثير من شباب الساحات والذي يمجد فكرة الوطن للجميع، فكر يستحق التقدير لأنه يضع مصلحة الوطن أولاً ويركز على فكرة عدم إلغاء الآخر وقبول الطرح القائم على التلاقح الخصب لأركان البناء الديمقراطي وتقديم المشورة المخلصة التي لا تبتل أطرافها بشراب الحزبية والمحسوبية والقبلية، حيث كانت هذه هي خمرة الشعوب الفقيرة التي أردتها صريعة الفقر والحاجة لعقود طويلة ومازالت. ةإن من الواجب على كل مواطن يمني حُر نزيه بوطنه وبخالقه قبل كل شيء أن يحمل على عاتقه مهمة إصلاح ما أفسدته هذه الأزمة وعدم السماح بالتقهقر والعودة إلى مساحة المصالح والمناصب والرتب والوهمية، نعم نريد جيلاً يقدر مسؤوليته تجاه الوطن، يحمي منجزاته الثورية والديمقراطية دون أن يكون له يد في التمويل السخي غير اللائق بأفكار تخريبية يمتصها حديثو العهد بالسياسة ثم يفرزونها من جديد كفضلات لا أخلاقية تدمر ما تبقى من بنية تحتية ضعيفة على أرض الوطن. نريد جيلاً يقدر ذاته قبل كل شيء، لا يؤمن بالتغيير كقاعدة سياسية فقط وإنما كمبدأ اجتماعي ثقافي صحي تكنولوجي حديث، جيل لا يحصر معنى الحرية في كلمة انفتاح لأن شعوباً بأسرها دفعت ثمن الانفتاح اللامحدود من عرضها وفكرها وانتمائها الأيديولوجي. نريد جيلاً يقدس العقل ويحمي حواس الجسد بالفضيلة ولا يسرف في وضع مساحيق الحضارة كقشور خارجية قد تخفي شيئاً من دمامة التاريخ، لكنها أيضاً قد تخفي محاسنه التي يجب أن تظهر.. نريد جيلاً منصفاً لنفسه ولسواه من البشر، جيلاً يدرك تماماً أن كتاب التغيير والحرية لا يقرأه إلا أولئك الذين ذاقوا مرارة الوقوف خلف قضبان الجهل والتخلف والفقر والمرض، وعليهم أن يدركوا أيضاً أن الحياة لم تكن ساكنة يوماً ما ولو أن السكون يحكم قوانين الأرض ما جرت الرياح بما لا تشتهي السفن! نريد جيلاً يرعى بذور وطن جديد دون أن يحرق جذوع وطن قديم لولاه ما كانوا ولا كنا.