في حديثه الذي جاء مليئاً بالشفافية والموضوعية والصدق والصراحة التي لا تقبل التأويل كان المبعوث الأممي إلى بلادنا السيد جمال بن عمر يبدو وكأنه مبعوث بلادنا إلى الأممالمتحدة وليس العكس. وذلك من خلال ما ظهر عليه في المؤتمر الصحفي من صورة تنبئ عن مواقف رجولية عربية خالصة ارتسمت أو هكذا حاول أن يرسمها على محيا اليمن وجهاً أممياً من طراز جديد، وشخصية سياسية محنكة أدت ولا تزال تؤدي مهمتها باقتدار بفكر ثاقب الرؤيا وعاطفة لا تخدعها بهرجات المشاعر البراقة التي سرعان ما تفضحها النوائب فتفشل ويذهب ريحها. أقول ذلك وكأنني من خلال حديثه المشار إليه كأنني به قد آل على نفسه ألا تهزمه تحديات واقع الحال اليمني في (الما بعد التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمّنة) في الرياض من قبل أطراف الطيف السياسي في بلادنا.. وهذا ما خلق ارتياحاً واسعاً في الأوساط الشعبية، وتصاعدت على إثر ذلك ردود أفعال كثيرة جاءت كلها مليئة بالاطمئنان على مستقبل الوطن. وكل ذلك الذي أشرنا إليه إنما تجلى من ثنايا الحديث إصراراً قوياً وإرادة أكثر قوة على المضي بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمّنة إلى واقع عملي ملموس عنوانه حسن النوايا من كل الأطراف المسئولة، وفضاؤه الوطني هو الإقبال الواسع على المشاركة الشعبية في الحوار الوطني الجاد والمثمر من خلال الجلوس على مائدة صفاء الحس الوطني المسئول ونقاء سرائر كل الأطراف وصولاً إلى الهدف العام المنشود ألا وهو التغيير الذي يصبو إليه الشعب بكل فئاته والوطن بكل ربوعه الموحدة. وليس ما بدأنا نلمسه على أرض الواقع من خطوات جادة على طريق السير بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمّنة إلا الشاهد العيان على قوة الدعم والرعاية والحماية الكافية التي يوليها المجتمع الدولي لهذه المبادرة وصولاً بها إلى الخروج المرجو باليمن من أزمته الحالية وحماية هذا الوطن أرضاً وإنساناً من الدخول في حرب أهلية طاحنة تأكل الأخضر واليابس من مكتسبات الوطن الخدمية والتنموية والبشرية ...إلخ. ولا أعتقد أن أياً من أطراف الأزمة لم يستوعب حديث بن عمر وأي طرف مازال واهماً أنه يستطيع الوقوف سلباً أمام تنفيذ المبادرة وفق آليتها المزمّنة فهو إما على قدر كبير من الجهل أو أنه على قدر كبير من الغرور، وفي كلتا الحالتين عليه أن يستفيق ويبدأ في إعادة النظر لمواقفه حتى لا يصبح فيجد نفسه خارج القطيع. فالمبادرة أو ما سماها المبعوث الأممي جمال بن عمر ( خارطة طريق) سوف تمضي إلى غايتها رغم أنف كل الظروف والتحديات، لأنها ببساطة شديدة المخرج الوحيد لأزمة اليمن واليمنيين، وبدون احترامها والالتزام بما ورد فيها وتم التوقيع عليه من قبل الأطراف المسئولة فإن اليمن ذاهب لا محالة إلى جحيم حرب أهلية طاحنة لا تحمد عقباها. من أجل ذلك فإن كل ما تحقق حتى اليوم من خطوات جادة وإن كان مؤشراً إيجابياً يبعث على التفاؤل إلا أن قادم الأيام وما يستوجب تنفيذه فيها يدعو الجميع إلى تقديم الكثير من التنازلات والتنكر العام للذات والترفع على المصالح الشخصية الضيقة والمشاريع الفردية الصغيرة إذا كان الوطن حقاً هو ديدن الجميع وكلهم يعملون من أجل مصلحته العليا ومصلحة المواطن حاضراً ومستقبلاً. وهنا كم يبدو جمال بن عمر صادقاً وهو يؤكد في حديثه الصحفي أن إثبات حسن النوايا من قبل أطراف الأزمة من خلال تفعيل المبادرة بموجب ما تم الاتفاق عليه هو الاختيار الحقيقي لحقيقة مشاعر هذه الأطراف تجاه الوطن. وأظنه يقصد أن من يظن أنه يستطيع عرقلة تنفيذ هذه المبادرة فسوف تفضحه الأيام القادمة وسوف يكون بالضد، وهذا ما لا يسمح به المجتمع الدولي والإقليمي وحتى الشعبي المحلي لأسباب عديدة أهمها أن هذا الشعب يكفيه ما تحمل من متاعب طيلة شهور الأزمة الماضية.. ناهيك عما خلفته هذه الأزمة من أضرار مادية واجتماعية ...إلخ لليمن، سوف يدفع فاتورتها شعبنا اليمني على مدى سنوات قادمة. فليكن اليمن فوق كل اعتبار لدى الجميع وليعلم كل من تسول له نفسه الاستمرار في فوضاه أن اليمن تحت المجهر إقليمياً ودولياً، فلنسمُ فوق كل الجراحات ولتكن الحكمة اليمانية عنوان فكرنا الوطني الصادق، وليكن الحب والتسامح فاكهة حوارنا على طاولة الوطن ومصلحته.