حقيقة تألمنا لما حدث لمطابع الكتاب المدرسي بصنعاء قبل أيام من اعتداء وعبث، ربما يكون الوضع قد تم السيطرة عليه، بعد مضي أيام لكن تظل الحادثة مؤلمة، أياً كان سببها أو فاعلها، فالمسألة تتعلق بالأجيال والوطن، والتعليم والتربية يجب أن يكونا بمنأى عن الأحزاب والانتماءات، ونعلم ما في مكنون الوزير الجديد الدكتور عبدالرزاق يحيى الأشول لكي ينفذه، على الأقل من أول وهلة ظهر بها وتحدث وأوجز.. وكان الله في عونه وزملائه وطاقم عمله, سواء القديم أو الجديد، وبضمهم إدارة المطابع التي لها فرعان في عدن والمكلا، وهو بيت القصيد. والكتاب المدرسي مهم للجيل اليوم أكثر منه في الغد، ولابد أن تتحمل المطابع تبعات ذلك خاصة وأننا على أبواب مرحلة حاسمة، ينبغي فيها أن نكرس الوطنية والفلسفة التربوية التعليمية بما يتلاءم والتوجه والانتماء لشعبنا العربي المسلم، مع التركيز على العلوم عامة والتي بها تتطور الشعوب وتحرز انتصارات..وهذا كله مرهون بالكتاب النوعي البعيد عن الحشو، ورص الصفوف للتنقيح وإعادة الصياغة هنا أو هناك لما تحتاج إليه بعض المقررات، وكلما كانت الأمور مختصرة وميسرة، كلما كان الفهم والنتائج لصالح الجيل ومستقبلهم المنظور. وعندما نتحدث عن مطابع الكتاب المدرسي إنما نكون على ثقة من أن القيادات الحالية كفوءة وقد أثبتت ذلك بالملموس، وشهد قطاع التأليف والطباعة والتوزيع ملامح جديدة مكنت من تطوير الأداء وتحديث الآلات ما انعكس على الكتاب المدرسي، رغم بروز بعض الأخطاء في الطباعة أو مزج الألوان، لكنها تطورت كثيراً واختصرت بما يتماشى مع العمر الزمني والعقلي للتلاميذ والطلاب، وهو ما سنركز عليه في السطور التالية من موضوعنا هنا. ومطابع الكتاب في صنعاءوعدنوحضرموت لوحات عمل إبداعي سوف نرى أنها قد شهدت تطوراً ملموساً في فترة وجيزة وهو جهد للدكتور عبدالله أبو حورية الذي يبذل جهوداً متفانية لتطوير المطابع وتحديثها، وهو شاب متوقد الفكر جزيل العطاء، يعمل دون كلل أو ملل.. وقد وجب علينا الثناء والشكر لهكذا كفاءات تكون مكرسة وقتها وعقلها في سبيل الوطن والأجيال.. وهذا يكون قد انعكس على أداء فرع المطابع بعدن الذي يقوده الدكتور محمد عمر باسليم، وهو تربوي وأكاديمي ومطبعي في نفس الوقت، حيث كان مشرفاً على طبعة جامعة عدن، ويفهم في التقنيات والمعايير التي تخرج كتاباً متميزاً ومفيداً، وقد أحسن الاختيار من كان وراء التعيين.. وهو ما يعني تطور هذا الفرع سريعاً، وتحسن وضع الفنيين والعاملين في الفرع، ورضي الجميع ربما بما يحدث حتى نقابة الفرع لمسنا منها الرضا والإشادة بهذا الرجل الذي طور كل شيء فيه. ولن نزايد على أهل الشأن، فهم أدرى بفرعهم الذي صار بالنسبة لهم لوحة متناغمة في العطاء والأداء والإنتاج، ولم يبخل الفرع على الكوادر العاملة فيه، بل كافأهم وحفزهم وذلك بما يليق، ولأول مرة شهدنا حدثاً مهماً يكون بطله العامل المطبعي والفني والموظف والكادر القيادي، واستوفى الفرع وفاءه للكوادر بما يمكن أن نطلق عليه إحقاق الحقوق بعد فترات من العقوق التي ولّت ولن تعود، وعندما أنشئ فرع ثانٍ في محافظة حضرموت عام 2005م أسندت مهمة القيادة فيه للأستاذ الفني المعروف بدوره في إنشاء فرع عدن والعمل فيه كنائب للمدير وبفضله تحقق لفرع عدن قفزات ملموسة، ذلكم هو الأستاذ شائف عبدالله حسين باوزير الذي عرفناه صامتاً يعمل بجد واجتهاد وكللت سفراته لألمانيا وغيرها بتدعيم المطابع وتواتر الإنتاج حتى تم اختياره لمهمة صعبة جديدة وهي الإشراف والقيادة لمطابع الكتاب بحضرموت، وقد أثمر جهده بنتائج باهرة رغم قصر الفترة الزمنية، ولكن هكذا هي النجاحات التي يتولاها الأكفاء الذين نعتز بهم دائماً وأبداً. إن مطابع الكتاب المدرسي اليوم مفخرة للتربية والأجيال والوطن، والاهتمام بها ودعمها ومن ثم الاعتراف بالجهود المبذولة لقياداتها المخلصة يكون من أولويات الوزارة الجديدة ومعالي الوزير الأشول.. فهل هذا يكفي أم نزيد؟ نعم.. لقد فقدنا كتربويين مكسباً عظيماً كان حصناً لنا وللأجيال، وفرطنا فيه بكل بساطة ذلكم هو «المؤسسة العامة للأثاث والتجهيزات المدرسية» التي كانت مؤسسة وطنية تعمل لصالح الطالب والمعلم والمنشأة التربوية، بل كانت تصدر الفائض لدول الجوار.. لكننا بين لحظة فارقة وجدنا هذه المؤسسة قد أحيلت إلى «المؤسسة الاقتصادية» ما ضيّع المكسب، وعجزنا عن توفير محتاجات المدرسة تماماً، بسبب الديون.. وهكذا «أكلنا يوم أكل الثور الأبيض» كما يقول المثل. لكن وما دمنا في مرحلة تصحيح الأوضاع واجتثاث الفساد بطرق علمية ومنطقية ووطنية نأمل من معالي الوزير إعادة النظر بالموضوع عبر مجلس الوزراء الجديد نظراً للمصلحة العامة ولجسامة الخسارة التي منينا بها بقرار مجلس الوزراء السابق. ولذلك نقول الوطن هو الكاسب أولاً وأخيراً.. إذا عادت «الجوهرة من الفحام» إلى من يعرف قيمتها، وهي التربية والتعليم دون منازع! والله الهادي لنا جميعاً وهو المستعان.