تعلم العالم في العام المنصرم 2011م من شعوب الربيع العربي دروساً حقيقية في صناعة الحرية، وصياغة العزة والانعتاق لبني الإنسان، الذين تعرضوا لعقودٍ من أعمارهم في حقبة الأعراب لصنوف الهوان، وألوان التدجين وطبعت على ألسنتهم النشيد الديكتاتوري “بالروح والدم نفديك يا رٍئيس”...حتى ولد الربيعيون في شتاء الطغاة الدكاترة...وديكتاتوريات الشتاء العربي ،فحان موعد الإطاحة بالأصنام العربية..وتحول شعار الشعوب الثائرة إلى«الشعب يريد إسقاط النظام» و«بالروح والدم نفديك ياشعب». أدرك أحرار العرب أنه لا يمكن لأحد أن يركب ظهورهم إلا إن كانوا منحنيين، وأن الذي يولد ليزحف، لن يستطيع أن يطير ويحلق..وفطنوا ما كان يرمي إليه الأديب الحر مصطفى الرافعي بقوله:«إذا لم تزد شيئاً على الدنيا، كنت زائداً عليها»..وحرروا حياتهم من الحياة مع الزواحف، والحثالة التي ارتضت أن تظل دودةً على الأرض ثم تلقي بالملامة على من يدوسها، وتكتفي بالموت زاحفة كما ولدت لا يأبه لها، ولا يأسف عليها أحد!!.. انتفاضة غاضبة...احتجاج عارم...رفضٌ جامح..ثورة مشتعلة..ثم طوفان يجرف الأنظمة المنتهية وطنيتها وصلاحيتها، ويطهر البلدان من نتانة وعفونة الاستبداد..وعندما يتحدث الشعب بصوته العالي، يبلغ دويه كل أروقة وزوايا أفئدة الجبارين في أوطانهم، فيطالها رعب الأحرار، وعنفوان الثوار، ويتساقطون في الربيع العربي كأوراق الخريف، فمنهم من تذروه رياح التغيير إلى المحكمة وقضاء خريف عمره في سجون العدل والانتصاف منه للقهر والتعسف والتكبر واستغلال البلاد، وإذلال العباد..ومنهم من طار من كرسيه، وسحق على عرشه، وسحب على كرشه، وأحرق فرشه، ولم يتمتع بالمليارات المسروقة من قرشه..ومنهم من ذاق الذل والصغار والاحتقار مثلما أذاقه لشعبه وأهل جنسه..واللعنات لا تزال كل لحظة ويوم تناله من المكلومين والثكالى والأرامل وذوي الشهداء والجرحى..إنها لوحة الحياة الجديدة التي رسمتها أنامل الأحرار، وخطتها دماء الجرحى والشهداء الأبرار..وكانت تتوق إلى أن تعيشها واقعاً لا حلماً..وبعد أن أذن الله تعالى بموعدها دخلت في أمره سبحانه “كن فيكون” ووقع ما كان من المستحيلات، وأصناف المعجزات...لأن الأباة يرفضون الضيم...والناس ولدوا أحراراً يدفعون الثمن غالياً ليحيوا كراماً، وإن عانوا وطال أنينهم فإن النصر حليفهم، والخزي والعار نهاية مناطة بصناع الهوان للشعوب، ومصائرهم تقررها عدالة الله في الدنيا ليذوقوا السوء وآلام الجراح للكرامة، فيصبحوا منبوذين مفقودي التعاطف من الإنسانية،لأنهم أعداؤها بامتياز...وملعونين يوم القيامة، لأنهم أرادوا منازعة سلطة الله في الأرض فتسلطوا، وحصدوا ما بذروا، وظنوا أنهم لن يحاسبوا على جرائمهم، وغفلوا أن الجبروت والملكوت لله الواحد القهار.. “2011م” عام الأحرار وربيع الغضب العربي، عامٌ ودعت فيه أمة العرب الأتراح، وصنعت الأفراح، بعد أن كانت قبله تصبح على الجوع وتنام على الأوجاع والدموع، إنه عام الربيع الذي أراده الطغاة أن يظل مسجوناً مغلغلاً فأبى الأحرار إلا أن يكون عام دفن الديكتاتوريات، وحقبة الظالمين، وولادة الفجر الباسم من قلب الليل الحالك الجاثم على الملايين من هذه الأمة..إن العام الجديد إيذان بقدوم الربيع..واندثار الشتاء القاتم لحقبة الإذلال والقهر الذي اقتلعته أرواح الشهداء، وهمم الشعوب الأبية وصدق فيهم قول الزبيري أبي الأحرار: هنا البراكين هبت من مضاجعها تطغى وتكتسح الطاغي وتلتهمُ.