تتوالى استحقاقات المبادرة الخليجية التي قدمت خارطة طريق واقعية لخروج البلد من حالة الاحتقان السياسي، والمآزق المتتالية التي طالما اعادت إنتاج نفسها خارج منطق الحكمة والرويّة، وهكذا يتموضع فرقاء الساحة السياسية أمام الالتزامات الأدبية والاخلاقية التي تضمنتها المبادرة الخليجية، وارتضى الجميع القبول بها، والأخذ بمرئياتها. خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية تحقق تقدم ملموس على درب تطبيع الحياة العامة، بالرغم من الأصوات النشزة التي مازالت تدق طبول الحرب، وأفلحت حكومة الوفاق الوطني في نزع سلسلة من الفتائل الحارقة، قابضة على جمرة الصبر والمصابرة، وتمكنت مكونات الحكومة في تحقيق تلك المرئيات التي تقدم خطاها الأستاذ محمد سالم باسندوة، وترافق معه على خط تأصيل الشرعية المتجددة نائب الرئيس الأستاذ عبدربه منصور هادي، فبدت القيادة موحدة بالرغم من التفاصيل الكثيرة والمُملة، وتشارك العقلاء في بلورة ملامح مرحلة جديدة تخلو من ثقافة المكايدات والمصائد والمكابرات الفارغة. ولا بد أن أُشير بهذه المناسبة إلى كافة مكونات العقل السياسي، الظاهرين منهم على السطح، والفاعلين بصمت المتواضعين المتوارين عن الأنظار، فقد أسهم الجميع في ما نحن فيه من حال يُبشر بالخير الكثير، وبأسرع مما نتوقع . وخلال الايام الماضية سارت السفينة اليمنية قُدماً باتجاه تنفيذ مرئيات المبادرة واحدة تلو الاخرى، وها نحن الآن نقف عند عتبة هامة من عتبات التنفيذ والمتعلقة بقانون الحصانة الذي يشمل الرئيس علي عبدالله صالح ومن معه، ويمثل لحظة فارقة في زمن المبادرة، والمتغير السياسي اليمني الذاهب نحو التغيير بقوة دفع تستمد رصيدها من الصعود الحر إلى ذرا المعاني الكبرى لتاريخنا المعاصر، وهو مايذكرنا بالقامة الرفيعة للزعيم نيلسون مانديلا الذي استلم حكم جنوب افريقيا، متخلياً عن الماضي وسيئاته.. ناظراً إلى المستقبل ووعوده الناجزة . الأخذ بمبدأ الحصانة يوازي التخلّي التام عن البدائل التراجيدية، والتحلي بثقافة المستقبل، بل ومحاصرة أُمراء الحرب المتطلعين للكر والفر المدمرين. لقد سجل اليمانيون مآثر على هذا الدرب الحكيم، منذ مصالحة الملكيين والجمهوريين، مروراً بالحروب الشطرية المتتالية، وحتى حرب عام 1994م، وليس كثيراً علينا أن نواصل هذا الدرب المُفارق لمألوف الزمن السياسي العربي، فالمهم ان نتغيّر باتجاه المستقبل، لا أن نبحث عن تصفية الحسابات ،، فما يُنجز بالسلم والتسامح أجدى وأبقى مما ينجز بالموت والانتقام، ولنا في الرسول الكريم محمد “ ص” أُسوة حسنة، وهو الذي فتح مكة، واعتبر كل مُشركي قريش طلقاء أحراراً لا يطالهم انتقام، وهو الذي قال أيضاًً «الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية» .