سؤال: لماذا تؤيد يا ماوري تقديم حصانات للقتلة من أتباع النظام، وتتنازل نيابة عنا عن دماء شهدائنا وشهيداتنا، وأموال شعبنا المسروقة، وأنت محسوب على الثورة، وقد سمعنا أنك من مؤسسي مركز العدالة الانتقالية في القاهرة، فهل طلبت منك ابنة الشهيدة تفاحة أن تتنازل عن دم أمها؟. الجواب: لا يا أخي أو يا أختي لم تطلب مني ابنة الشهيدة تفاحة أن أتنازل عن دم أمها الشهيدة، ولم أتحدث أبداً نيابة عن أهالي الشهداء، كما أن مرحلة العدالة الانتقالية لم تدشن بعد كي أتحدث باسم مركز العدالة الانتقالية الذي سيكون له رأي آخر بلا شك. وكما أبلغت زملائي الأفاضل مؤسسي مركز العدالة الانتقالية، وبينهم رئيس المركز الدكتور ياسين القباطي والسفير عبدالله نعمان والأخت حورية مشهور - وزيرة حقوق الإنسان في حكومة باسندوة - والأستاذ حسن الحيفي وعشرات آخرين، فإن ما يقلقني ويرفع من ضغطي هو إعطاء حصانات دون مقابل، أو حصانات مقابل بقاء المحصنين في مراكزهم ومناصبهم، هذه هي الكارثة الحقيقية وليست الحصانات في حد ذاتها. في الاتفاقات السياسية لا يحصل أي طرف سياسي على مكسب من أي نوع دون مقابل إلا في اليمن، وقد سمعنا عن عروض من قبيل النفط مقابل الغذاء أو الأرض مقابل السلام، أو العفو مقابل الرحيل، ولكني لم أسمع أبداً حصانة مقابل البقاء إلا في اليمن. الوحيد الذي يقدم شيئاً محسوساً مقابل الحصانة هو علي عبدالله صالح؛ لأن المطلوب منه هو أن يترك العمل السياسي، ولكن لا أدري لماذا يمنح قيران والعوبلي وعمار وأحمد ويحيى وكل من عمل مع النظام حصانة تغفر لهم ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر دون مقابل؟. وفي المقابل هناك من يريد الحصول على الحرية والعدالة دون مقابل. الحرية يا سادة ثمنها غال، ولا يمكن الحصول عليها بتسولها من القابض على خناقها، أو من أولئك الذين يريدون تقليل كلفتها وكأنها بضاعة مستوردة من الخارج. وإذا كانت أحزاب المشترك ترغب في تقليل الكلفة المفروض تقديمها على هيئة دماء، فقد قدم الشباب اليمني الكثير من هذه الدماء، ومازال مستعداً لتقديم ما هو أكثر، أما الحصانة فهي ثمن كبير يكاد يساوي التنازل عن الدماء المسفوكة، ولهذا يا سادتي الكرام اسمعوا كلامنا ولو مرة واحدة، واعلموا أن أقل المقابل لهذه التضحية الكبيرة هو رحيل من سيمنحون حصانة، أو على الأقل قصر الحصانة على من سيرحل منهم، أما من هو مصر على البقاء فعليه أن يدفع ثمن بقائه. وللشباب والباحثين عن العدالة الانتقالية أقول: إننا نخادع أنفسنا لو صدقنا أن الفترة الانتقالية قد بدأت أو أن النظام قد سقط، ولهذا فأنا أتحدث بلغة ما قبل المرحلة الانتقالية ولغة ما قبل العدالة الانتقالية. وبما أننا مازلنا وسط المعركة ولم نتمكن من إسقاط النظام بعد فإني حالياً أطرح طرحاً عسكرياً وليس طرحاً سياسياً ولا قانونياً. ومن أجل توضيح وجهة نظري فإني استندت فيما قلت عن الحصانات إلى الحكمة العسكرية القائلة: حاول أن تعطي عدوك مجالاً للانسحاب من ميدان المعركة ولا تحشره في زاوية ضيقة تضطره للصمود والاستبسال بشكل قد يتمكن فيه من تغيير موازين المعركة ويقضي عليك بدلاً من أن تقضي عليه ويحاكمك بدلاً من أن تحاكمه. هذا هو ما أقصده من السماح للنظام أن يعطي نفسه الضمانات التي يريد مقابل الخروج من ميدان المعركة، ولم أقصد أبداً أن يعطوا ضمانات ويبقون في مناصبهم. هذه الضمانات لا تقلقني بأية حال من الأحوال، ولكن ما يثير قلقي بشدة هو شعوري بأن بعض قيادات المعارضة تريد إعطاء ضمانات دون مقابل، أي مع استمرارهم في مراكز القتل والنهب، فهل هذا يعقل؟ هل هؤلاء المعارضون يفكرون بعقول في رؤوسهم أم بأحذية “شيكي” قديمة، وقلوب ضعيفة أو ضمائر ميتة؟!. ولهذا فأنا أتفهم كل التفهم وجهة النظر الرافضة للحصانات من حيث المبدأ، ولكني لا أستطيع أن أفهم دوافع القابلين بحصانة دون مقابل. أما أولئك المتحمسون للمحاكمة الفورية والمحاسبة، فأقول لهم: يا جماعة تمام ما قصرتم ورّونا شطارتكم وحاكموهم، ولكن قبل أن تحاكموهم عليكم أولاً إسقاطهم، وهذا ما خصصت له مقالاً كاملاً في صحيفة (الجمهورية) تحت عنوان (من يرد المحاكمة فعليه إسقاط النظام أولاً). أنا شخصياً لست ضد المحاكمة، ولكني لا أحب أن أتسولها تسولاً أو أناشد النظام أن يحاكم نفسه، بمعنى آخر أنا لا أحب أن أظهر كما يقول المثل الشامي: “شحات ومشارط”. وهدفي من كل ما أطرح هو خدمة الثورة وإرضاء أهالي الشهداء، واستعادة الأموال المنهوبة، وتحقيق العدالة الانتقالية، ولن يتم كل هذا إلا برحيل النظام وتخلي رموزه عن الإمساك بأدوات القتل والرعب أو بتخلي هذه الأدوات عنهم. وإذا كانت الحصانة الصورية ستؤدي إلى محاكمة فعلية، فأهلاً بها وسهلاً، أما إذا كانت المزايدات اللفظية ستؤدي إلى حصانة فعلية ودائمة لهم، فلتذهب هذه المحاكمات التخيلية إلى الجحيم. سوف تتحقق العدالة الانتقالية رغماً عنا؛ لأن هناك رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ويعملون صامتين لتحقيق العدالة في وقت تعلو أصوات مزايدة تطالب بمحاكمة النظام وهي في حقيقتها تقدم للنظام الخدمة التي يريد بإفشال المساعي الدولية لنقل السلطة في اليمن، على أمل إفشال الثورة ذاتها. ورغم احترامي لمن يرفض الحصانات عن دافع قانوني حقيقي وقناعة من ضميره، فإن هناك من يريد إسقاط الحصانات من أجل إسقاط المحاكمات، وهناك من هو أسوأ من كل هؤلاء؛ لأنه يريد إعطاء الحصانات دون مقابل.