العقل والمنطق يحتمان بل ويفرضان أن من حق الشعب أي شعب كان أن يختار وينتخب من يراه جديراً بثقته، ومن حقه أيضاً أن يحاسب ويحاكم ويسائل من يخونون أمانة المسئولية ويثرون على حساب شعوبهم وعلى حساب المال العام والخاص للمواطنين، ومن يرتكبون الجرائم الكبيرة منها والصغيرة بحق مواطنيهم سواء بالقتل للأفراد أو الجماعات أو بنهب ثرواتهم وممتلكاتهم.. ولكن أن يأتينا أولئك المسئولون سواء كانوا تشريعيين أو تنفيذيين أو غيرهم، بقرارات أو قوانين حصانة تقيهم تبعة المساءلة والمحاسبة أو المحاكمات عما صنعته أيديهم من جرائم وأخطاء وآثام، فذلك يعد خروجا عن المعقولية والمنطق ونفياً تاماً لحقوق الإنسان، الذي خلقه الله حرا له الحق كل الحق في اختيار من يتحملون مسئولية حكمه وتسيير شئونه وله الحق أيضا بخلعهم ومحاكمتهم ومساءلتهم ومحاسبتهم، عن أي تقصير أو نهب وسرقات حدثت منهم أو إثراء غير مشروع أو جرائم قتل حتى لمواطن واحد وليس لعشرات ومئات الآلاف من البشر .. فقرارات وقوانين الحصانة سواء صدرت من وعن سلطات تنفيذية أو تشريعية أو قضائية تتعارض كليا مع حقوق الإنسان ولا تتواءم مع الحكم الرشيد أبداً، وتتعارض أيضا مع السلوك الإسلامي الصحيح ومع مبادئ الإسلام التي جسدها سيد البشرية محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم وصحابته وخلفاؤه الراشدون، فهذا أبو بكر الصديق وبعده عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، يقولان لعامة المسلمين عند توليهما الخلافة (أطيعونا ما أطعنا الله فيكم، فإن رأيتم فينا اعوجاجا فقوموه) مما حدا بأحد الحاضرين في المسجد أن يقف ويقول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه (و الله يا ابن الخطاب لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا) فلم يغضب عمر ولم يأمر الجنود والحراس ولا أجهزة الأمن السياسي والقومي التي لم تكن توجد حينها بسحل ذلك المتطاول ولا بمعاقبته على جرأته، لكنه رفع وجهه ويديه إلى السماء وقال (الحمد لله الذي أوجد في أمة محمد من يقوم اعوجاج ابن الخطاب بسيفه).. تلك مبادئ الإسلام وذلك هو الحكم الرشيد، أما أن يأتونا بتقليعة جديدة مستوردة من أنظمة تقر دكتاتورية الحكام بثياب ديمقراطية، فهذا نزع لحق من حقوق الإنسانية للشعوب وإلغاء للعدالة والديمقراطية التامة والصحيحة، فلو كل حاكم وكل مسئول عاث ولاث وقتل ونهب حاز على الحصانة لخربت البلاد وظلم العباد، فحقوق الناس لا تسقط بالتقادم ولا بالحصانة، وليس من حق أحد أن يمنح غيره حصانة تتيح التماثل وتصبح عادة سيئة يعمل بها كل فاسد وظالم وسارق، فلكي يكون هناك حكم ديمقراطي رشيد لا بد أن يساءل ويحاسب ويحاكم كل من أساء لشعبه ومواطنيه وكل من تجبر وتطاول على الحقوق الإنسانية وقتل وسفك الدماء ونهب الأموال العامة والخاصة.. ولا أعني بهذا مسئولي النظام السابق فقط ولكني أعني كل مسئولي الأحزاب والجهات التي تسببت بدمار البلاد وقتل الأبرياء ونهب الأموال وتبديد ثرواتنا الوطنية، منذ قيام ثورة 26سبتمبر وحتى الآن، مرورا بأحداث 13يناير 1986م في الشطر الجنوبي سابقاً وحرب الانفصال وحروب صعدة وأحداث أرحب ونهم وجرائم أصحاب الحراك ضد الآمنين الأبرياء وغير ذلك، فكلهم الذين كانوا وراء تلك الأحداث متساوون وكلهم أساءوا للوطن وأجرموا بحقه وأضاعوا حقوق الإنسان في صراع ليس لعامة الشعب فيه لا ناقة ولا جمل.. وانطلاقاً من كل ما سبق أناشد مجلس النواب بكل أعضائه أن لا يقروا ذلك القانون الذي أقرته حكومة الوفاق لفرض الحصانة لأركان النظام السابق من أكبرهم إلى أصغرهم، فذلك لا ولن يكون الأمر محصوراً بعلي عبد الله صالح وأعوانه وإنما سيمتد ويشمل كل من سبقوه وعاصروه سواء في جنوب الوطن أم في شماله، فالعدل يحتم ويوجب أن يحاكم كل من تسبب في دمار البلاد وقتل الأنفس التي حرمها الله ونهب وعاث ولاث، فليسوا كلهم ملائكة بل لا أحد منهم في السلطة أو في المعارضة أو ما يسمون باللقاء المشترك، إلا وفي أعناقهم ما تشيب له الولدان، لا يقدر على غفرانها إلا الله خالقهم ،أما نحن البشر فلا نستطيع الغفران ولا نرغب بذلك، فأرواح الشهداء الذين سقطوا في أحداث عديدة سواء في 13 يناير 1986م في الشطر الجنوبي سابقا أو في حرب صيف 1994م الانفصالية أو في حروب صعدة والحراك الانفصالية أو في الأحداث الأخيرة طوال أحد عشر شهرا مضت، تصرخ فينا وتنادي بالقصاص ممن تسببوا في إزهاقها.. فاتقوا الله يا نواب الشعب وبدلا من إقرار ذلك القانون بالحصانة، عليكم أن تحيلوا كل من أساءوا وارتكبوا الجرائم والأخطاء بكافة أنواعها وأشكالها بحق المواطنين والإنسانية إلى القضاء، ليبرئ من يستحق البراءة ويقاصص ممن يستحق القصاص والعقاب / ذلك عدل الله في الأرض وتلك مبادئ الإسلام، أما أن يترك كل مسئول وحاكم يعمل ما يريد يقتل وينهب ويسرق ثم نعطيه الحصانة فذلك جرم كبير وإثم عظيم بحق الوطن والمواطن، فمهما فعل الحاكم أو المسئول من حسنات وأعمال جليلة فلا يعني ذلك تبرئته من أفعال أخرى أضرت بالبلاد والعباد.. وليترك الفصل والتمييز بين ذلك للقضاء فقط لا غير، من أحسن فله ومن أساء فعليه، وبعيداً عن حكاية قانون الحصانة سواء أقر أم لم يقر ،أوجه القول لكل القوى السياسية التي تريد وتحلم بمحاكمة ومحاسبة الرئيس علي عبد الله صالح وأقاربه وأعوانه أن تكون صادقة مع نفسها ومع الله وترى بمنظار الحق والحقيقة الذاتية، فإذا رأت أنها بلا أخطاء وخطيئة وأن تاريخها ناصع البياض ليس فيه نقاط سوداء أو أفعال مشينة ارتكبوها بحق البلاد والعباد، عند ذلك يحق لهم أن يحاكموا علي عبد الله صالح أو من يريدون، فالمثل أو الحكمة يقولان (لا ترموا الآخرين بالطوب وبيوتكم من زجاج) وتلك عظة لو تفهمون..