أتذكر جيداً تلك الأيام الحالكات من زيارتنا لمدينة السلمية وهي مدينة هادئة في منتصف سورية العجيبة الممتلئة بخمسين ملة وعشرين نحلة وعشرات الأحزاب والمذاهب والأنواء والمصائب والخلافات والتنازعات من التاريخ، ويصف المؤرخ توينبي أنها منطقة تشظي الحضارات، فليس من لغة إلا وتنطق، بما فيها اللغة الآرامية المنقرضة، التي جاء الممثل ميل جبسن فتعلمها وأخرج عنها آخر نسخة من الأفلام للمسيح عيسى بن مريم، ولم تكن تلك النسخة الجيدة وما زلت أندم على رؤيتي تلك النسخة. شاهدي من تلك الزيارة أننا كنا نسأل الأستاذ جودت سعيد وهو داعية سلامي في أرض العرب وهو من الشراكسة الذين فر أجدادهم من قفقاسيا، ولأن الرجل تعب على نفسه معرفيا فقد حبس نفسه عشرات السنوات في مكتبة القاهرة حتى التهم معظم كتبها، واصلا الليل بالنهار شبه صائم لا يفطر إلا على الكتب، وهو بذلك يذكرك بنوع من الناس وكأنهم لم يخلقوا من طينتنا بل شبح عابر في هذه الحياة الدنيا المتلاشية ينتمي إلى اللازمان. كنا نسأله ماذا نقرأ فكان يشير علينا بكتب قيمة عكفت أنا على دراستها جيدا ثم توسعت؛ فكان كل كتاب يأخذني لآخر، وقرأت أحمال بعران من الكتب وما زلت، بعد أن أضفت اللغة الألمانية إليها فأنا أقرأ كل يوم الجديد من الينابيع الألمانية. ومبدئيا قد أستعرض عناوين خمسين كتاباً سوف أحاول أن أسرد في كل مقالة اسم عشرة كتب للاقتناء والدراسة المعمقة، وتمنيت أن تنشر المقالة مع صورة الكتاب، وفي نيتي إصدار كتاب بهذا الصدد للتأسيس المعرفي بعنوان (قوانين البناء المعرفي) يتناول في حدود 300 إلى 500 كتاب للبناء المنهجي وتأسيس الوعي، فليضع القارئ القلم في يده ويتتبع كل كتاب محاولاً اقتناءه وحجزه في مكتبته ومعاودة قراءته حتى تهضم الأفكار وتستوي على سوقها. (1) “قصة الفلسفة” لويل ديورانت وهو كتاب عني بأهم الأدمغة الفلسفية في التاريخ وأغفل فلاسفة المسلمين وأن يكون من ترجمة المشعشع فهو رائع وكأنك تأكل الحلاوة مع مطالعته. (2) “بنو الإنسان” لبيتر فارب وهو من سلسلة عالم المعرفة الذي نشرته الكويت وهو يبحث في علم الاجتماع وأنا شخصيا قلبني الكتاب فخرجت منه بغير الروح التي دخلتها. (3) “الإنسان وعلم النفس” لعبد الستار إبراهيم وهو كتاب قرأته في جو متوتر وأنا في جبال عسير فأنهيته في أربعة أيام ولكنه مازال محفورا في الذاكرة ويعطي القارئ فكرة ممتازة عن تاريخ علم النفس ومدارسه وما هو علم النفس عموما. (4) “مختصر دراسة التاريخ” لجون آرنولد توينبي وهو من أربعة مجلدات يعنى بقوانين التاريخ وربط العلاقات ببعضها والرجل كتب الأصل في 12 مجلدا ينصح بالرجوع لها ولكن المختصر أكثر من رائع وأخذ مني شغل ثلاثة أشهر. (5) “العلم في منظوره الجديد” وهو كتاب من سلسلة عالم المعرفة ترجمة الخلايلي كتبه في الأصل اثنان من علماء فلسفة العلوم من كندا، وأصل الكتاب باللغة الإنجليزية هو قصة العلوم الجديدة، ويعد هذا الكتاب انقلابيا في تحول الحضارة الإنسانية، وقد بلغ من ولعي بهذا الكتاب أن قرأته أكثر من عشرين مرة. (6) تكنولوجيا السلوك الإنساني لعالم النفس السلوكي (مدرسة علم النفس السلوكي Behaviorism) سكينر وهو من أعمدة هذه المدرسة وأساطينها العظام، والكتاب دسم جدا ويتطلب جهدا مكثفا وفراغ بال واستعدادا ويفتح الروح على منافذ جديدة في فهم السلوك الإنساني. (7) “كتاب الكون” لكارل ساجان وهو من أبدع من ألف في علم الفلك ولأنه أذاعه في برامج تلفزيونية فقد خرج بهجة للقارئين ومتعة للمتوسمين وهو أيضا من ترجمة سلسلة علم المعرفة الكويتية.(8) “القيادة والعبقرية والإبداع” لسايمنتن، وهو أيضاً من سلسة عالم المعرفة الكويتية، يمكن أن يصل إليها القارئ عن طريق النت وطباعة الكتاب بسهولة، ويعتبر من خيرة الكتب التي بنيت على الدراسات لفهم عوامل العبقرية وعناصر النجاح ومهام القيادة للبارعين. (9) “المقال على المنهج وإحكام قيادة العقل للوصول إلى الأحكام الصحيحة” للفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت ويعنى ببناء العقل على صرح أقرب لليقين، لذا اعتبر الرجل من أعمدة التنوير في الحضارة الحالية.(10) “فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال” وهو لابن رشد الأندلسي المظلوم في تاريخنا، ويؤسس في هذا الكتاب للعقلانية الدينية، فليس من حلال إلا وكان نافعا في معظمه أو كله، وليس من حرام إلا وكان في معظمه أو كله ضارا، وهو يستقي من معين القرآن أنه يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم. والله يقول الحق ويهدي إلى سواء السبيل.