ما أجمل التغيير، وما أحسن من دعا إليه في أي قطر عربي أو أجنبي، وما أفضل ثورة التغيير المنطلقة من السلام، واختيار نهج السلم طريقاً للعبور إلى شاطئ الأمان. وكم تكلم المتكلمون عن التغيير خاصة خلال ثورات الربيع العربي، وكم تحدث المتحدثون، وأرعدوا وزمجروا وأحرقوا أفكارهم ليضيئوا الطريق للآخرين، فكانت دعواتهم وكتاباتهم برداً وسلاماً. وكما لاحظنا أن التغيير ثمنه صعب وعظيم، وما الدماء التي سالت والإصابات التي ظهرت في ربوع الأرض إلا غيض من فيض. وما دام التغيير كذلك فإن له إرهاصات جمة، يستحيل على المرء أن يوجزها في مقال أو مقالين أو أكثر، ولكن سنركز هنا على بعض هذه الإرهاصات، وأهمها أن التغيير الكامل والمطلوب لا يكون إلا من النفس أو القلب. وما أروع من قال: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم على أرضكم، ولنا في كتاب ربنا خير دليل إذ قال سبحانه وتعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} فهل تغيير النفس كان منطلقنا الأول، أم أننا نريد أن نقيم الظل ومازال العود أعوج، وهل القلب صافٍ وصالح للتغيير من أجل أن يصلح سائر المجتمع؟!. إننا بحاجة إلى أن نفتش عن هذا القلب من أجل الانطلاق بثورة حقيقية ألا وهي ثورة النفوس، ثورة الأخلاق، ثورة القيم، ثورة الضمير الإنساني، ثورة الذات. إذا كانت مؤسساتنا قد دُنست، وأموالها قد استنزفت، ورجالاتها قد “تفكفكت” وعزائمها قد ارتخت، وبناياتها قد أزهقت ومناظرها قد طمست.. فما السبيل إلى الإجابة عن سؤالها: {بأي ذنب قتلت}؟!. إن السبيل إلى إنقاذها هو أنت أيها الإنسان .. أنت من تبني.. أنت من تغير هذه المؤسسات من الأسوأ إلى الأحسن، من الظلام إلى الضياء، من الخفوت إلى الإشراق.. لكن بحكمة يمانية صادقة بعيداً عن النفاق وتمجيد أشخاص على حساب الوطن. مؤسساتنا بحاجة إلى أصحاب همم عالية يصلحون ما أفسده الآخرون، مستمدين تعاليمهم من قول الخالق سبحانه وتعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}. إن التغيير المؤسساتي بحاجة إلى أهل الكفاءة والخبرة والعلم المنطلق من قوله تعالى:{يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} فبالله عليكم أيكون التغيير ذا حقيقة صادقة ومن يكون مسئولاً عليك أقل درجة منك، وهل التغيير المؤسساتي يكون صواباً ومن أمروا على موظفيهم لا يسجدون لله سجدة، بل تمر أوقات الصلوات وهم على الأرائك متكئون وبجانبهم أجهزتهم أو وريقات القات وغيرها شغلهم الشاغل؟!. مؤسساتنا بحاجة إلى الصدق في الحديث وأن يكون ظاهر المرء كباطنه. تخيلوا مسئولاً يتظاهر بالصلاح والتغيير لكن باطنه مملوء بالغيظ والحسد؛ يدعو إلى السلم الظاهري ويمارس الحرب الداخلية، يتظاهر بأنه أحد الأملاك ولا حول ولا قوة إلى بالله ورائحته القلبية نتنة، يتظاهر بأنه مربٍّ فاضل وقدوة وداعية سلام وخير ولكن أسرته وأقاربه وجيرانه يعرفون أنه فظ غليظ القلب؟!. إن مجتمعاتنا ليست بحاجة إلى بطون ممتلئة بالشحم واللحم؛ بل بحاجة إلى بطون زاهية بالعلم والقيم والأخلاق السامية. إن من يزيّن نفسه أمام الآخرين في هذا الوقت وسيرته كانت ملوثة بالفساد ومنافقة الناس ويخرج كلاماً مملوءاً بالشهد والتحنان لابد أن يعلم أن هناك رباً يطّلع على خفاياه في السر والعلن.. وليعلن التوبة إلى ربه ويفتح معه صفحة جديدة قبل أن يمتلئ الإناء، وإذا امتلأ الإناء فمستحيل أن يتم تعبئته مرة أخرى، وإذا انكسرت الزجاجة فيستحال إصلاحها. إن مجتمع الفضيلة هو من يغيّر نفسه قبل أن يغيره الآخرون، هو من حاسب نفسه قبل أن يحاسبه الآخرون، هو من ارتضى العدل والقانون سبيلاً لبناء بلده المنهك، هو من تحرر من عبودية العباد إلى عبادة رب العباد، هو من تمثل قول الشاعر: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا [email protected]