«من توعد ماقتل».. أورد سلطان البركاني هذا المثل في مقابلة مع صحيفة الميثاق قبل شهرين تماماً من اندلاع ثورة الشباب حين سئل عن تهديد المشترك بإخراج الشارع. قال البركاني: «لو كان المشترك يملك تحريك الشارع لحركه عندما هدد في 2006، تحريك الشارع لغة قديمة ويئسنا من هذا التهريج، والشارع ليس مع المشترك ولايسير في فلكه.. ومن توعد ماقتل». كأن البركاني يحاول أن يدخل في غيبوبة ونحن من علينا أن ننسى أنه قال هذا الكلام. كان المشترك حينها يقيم مهرجاناً له في تعز وكان أحد أكبر المهرجانات الغاضبة على تصرفات المؤتمر وذلك في دوامة الحديث عن اتفاق فبراير وإقدام المؤتمر على تعديل قانون الانتخابات بانفراد. قال البركاني عقب ذلك المهرجان: «تعز ليست عاصمة ينطلق منها المهرجون». نعم تعز ليست عاصمة ينطلق منها البركاني مثلاً، تعز للأسف أصبحت عاصمة لانطلاق الثورة إذا لم ينس البركاني هذا الأمر، وهي عاصمة لانطلاق أطول مسيرة في الوطن العربي هي “مسيرة الحياة”. يريد البركاني من الشعب أن ينسى كل تهريجه الذي تحول إلى وقود لثورة فعلت مافعلت حتى اليوم، بدأ البركاني استفزازه للناس بتلك التصفيقة في 2006 حين عاد الرئيس ليعلن ترشحه، كانت تصفيقة أشبه بتصفيقة المصارع الأمريكي لينجستون قبل أن يقضي على خصومه، لكن البركاني فشل كما يفشل لينجستون دوماً، فقط تبقى في ذاكرة المشاهد تلك الحركات. يريد سلطان البركاني أن يحول الكذب إلى حق يعتاد عليه الناس، لكن الناس يريدون حقاً آخر لم يكن في حسبان الرجل، كونه لم يشعر بفقدان هذا الحق.. إنه حق الحياة أولاً، وحق الحرية ثانياً.. ربما يمتلك البركاني الحق الأول، لكن حق الحرية يفتقده مثلنا، فهو يظهر أمام صالح بطريقة توحي أن زمن العبودية لم يرحل بعد. تظهر صورة البركاني كوهم أساسي لادعاء الحق في الديمقراطية لكن على الطريقة المؤتمرية، العاجزة عن الاعتراف بحق الآخرين في خلق ديمقراطية حقيقية. البركاني ربما يباهي بأنه رائد صنع الأزمات، وقد حول هذه الصفة إلى ميزة وامتياز، وبالتالي أصبح عاجزاً عن استيعاب حق الآخرين في الخروج من أزماته وحزبه. ذاكرة الشعوب لاتصدأ، وهو مالم يستوعبه البركاني حتى اليوم، فالاحتكام إلى الذاكرة ربما يخرج البركاني من غيبوبته الناتجة عن صحوة الشعب لاستعادة حقه في التغيير على الطريقة التي رآها مناسبة. غيبوبة البركاني لم تشعره بأن حزبه وقادة نظامه لم يكتفوا بالاستيلاء على كل شيء، وأنهم يريدون حتى الاستيلاء حتى على ذاكرتنا، وأنهم يستكثرون علينا حتى الحق في تشجيع نادي برشلونة. “من يتوعد لا يقتل”.. نعم قد يكون التراث اليمني مخطئاً هنا، أو هي وشاية ارتكبها التراث ليوقع بلسان سلطان البركاني، أو أن البركاني كعادته لا يجيد التعامل مع الواقع بلغة المنطق، أو أن المنطق الذي أجاده هو منطق “القلع” والإلغاء أساساً. من المستحيل أن يستمر حزب لزمن طويل بالاعتماد على لسان البركاني، ولعنة اليماني. هنا يقف المؤتمر الشعبي أمام مفترق ألسن، أو مفترق ذاكرة شعب يحفظ جيداً كل أشجار الوهم التي زرعت خلال مسيرة هذا الحزب، لتظهر في النهاية أنها أشجار بلاستيكية، أسقاها الناس مياه صبرهم لكنهم فجأة اكتشفوا أن تلك الأشجار لم تزهر بتاتاً وأن لونها بهت مع مرور الزمن. على البركاني أن يشعر بقليل من الحرج عقب كل كوارثه تلك، وأن يدرك أن عملية زرع الشعر في مقدمة رأسه لم تخف معالم وجهه، وهنا يجب على المؤتمر أن يؤمن بأن التغيير أصبح أمراً حتمياً، وأن عملية زرع شعر تختلف عن حلاقته، فالبداية يجب أن تبدأ من داخل الحزب نفسه كي لا يجد نفسه خارج سرب معادلات المستقبل، وأن يدرك أن الزمن تغير وأن “من يتوعد... يقتل!”. [email protected]