صحيح أن حكومة الوفاق الوطني لم يمضِ وقت كافٍ على تكليفها لا تقاس سوى بالأسابيع، وهي فترة قليلة لا نستطيع من خلالها أن تضبط من أمور الدولة شيئاً حتى الآن لأن الفترة الزمنية قصيرة والتركة ثقيلة، حيث ورثت هذه الحكومة أعباء وتراكمات عشرات السنين من الفوضى الإدارية والتسيب المالي والإداري وفقدان للمؤسسات الحديثة التي تدير البلاد فكانت العشوائية هي السائدة وهي المتسيدة لكل مفاصل الدولة فأصبحت البلاد تعيش حالة غير طبيعية. فالاقتصاد الوطني إذا سميناه مجازاً اقتصاداً فإنه كان يعاني من أسوأ الأحوال، نظراً لعدم وجود خطط وبرامج اقتصادية علمية ومدروسة تلبي متطلبات الواقع، كان هناك انهيار مالي وسوء إدارة وانفلات وفساد في كل مفصل من مفاصل الدولة. وسنجافي الحقيقة إذا قلنا إن التعليم كان يسير على ما يرام وكان مرضياً لتطلعاتنا في بناء المستقبل الجديد لأبنائنا وأجيالنا القادمة، حيث المدارس والجامعات لم يتخرج منها سوى كتبة يعملون في مرافق ومصالح الدولة المختلفة، وكان الاهتمام بالكم على حساب النوع واختفت مراكز الأبحاث في مختلف الجامعات اليمنية. وكذلك الحال بالنسبة للصحة وسوء الإدارة وعدم تكافؤ الفرص في عملية التوظيف، واختلالات كبيرة في سلك القضاء حيث كانت الرشاوى والمحسوبيات والوساطات هي من تحرك القضاء والذي أصاب البلاد في مقتل حين غاب العدل وأصبح القوي يأكل الضعيف مما أفرز الكثير من المشاكل الاجتماعية والتي هي غريبة أصلاً عن مجتمعنا اليمني، حيث وصل الكثير من الناس إلى حالة من الإحباط واليأس بعدم إمكانية الإصلاح وتصحيح ما أفسده الدهر ووصل شعار الكثير من الناس عندما تسأله عن الحال يجيب عليك «مشي حالك»، وهذا الرد يعكس الإحباط الذي وصل إليه المواطنون الذين أصبحوا يتعاملون مع الواقع كما هو وغير مكترثين بما سيكون. وما أريد الوصول إليه هو أن حكومة الوفاق الوطني تتحمل مسئولية وطنية كبرى طالما وهي تدرك تماماً ما ستواجهه من أثقال قد يتعذر عليها حملها، إنما بالإصرار لابد وأن تحقق قدراً من الإصلاحات تجعل من المواطن يشعر بأن هناك حكومة قادرة على إصلاح ما أفسده الزمن. وهنا نقول بأن هذه الحكومة بحاجة إلى الوقت الكافي لتبرهن قدرتها على فعل ما تصبو إليه، وهذا لن يكون إلا بوجود إرادة سياسية قوية ورغبة شديدة في الإصلاح وأن لا تنظر إلى الماضي وأن يبتعد أعضاؤها عن المكايدات لأن البلد لا تتحمل أكثر مما هي فيه من متاعب، ومع هذا لا نعفي الحكومة من القيام بإصلاحات إسعافية عاجلة وهي ممكنة وبالإمكانات المتاحة حالياً. وتتمثل هذه الإصلاحات في تفعيل وإصلاح قطاع المرور حتى يتمكن من أداء دوره الذي كاد يغيب، كما أنها قادرة على اتخاذ خطوات تصحيحية في التعليم والصحة وخطوة خطوة تستطيع الحكومة أن تلبي قدراً لا بأس به من مطالب وتطلعات الناس، وهي مطالب ليست بالمستحيلة، فإذا نجحت الحكومة ببعض خطواتها فإن نجاحها سيكون نجاحاً للجميع، وعلينا ألا نفرز النجاحات لهذا أو ذاك. وفي الأخير إن فشل أي عمل من الأعمال من أسبابه المناكفات والتربص بالآخر، لذا على كل أعضاء الحكومة أن يجعلوا من اليمن حزبهم الأول والأخير.. الأمل كبير بأن اليمن ستتخلص عما قريب من كل ما علق بها من أمراض السياسة وتعود إليها صحتها وبهاءها، ولا يغيب عن أعضاء الحكومة بأن كل فعل يقومون به هو تحت المجهر، فالشعب كل الشعب يراقب ما ستقوم به الحكومة بالإضافة إلى أنها مدعومة إقليمياً ودولياً.