بكى باسندوة، وما أقسى دموع الرجال، خصوصاً عندما يكونون رجالاً من طينة محمد سالم باسندوة، وأصدقكم القول أنني لم أفكر في حياتي أن أُمَجِّد شخصاً أو أن أكتب عن شخصيات بعينها بنوع من المدح، لكن هذا الرجل لم يترك لي خياراً آخر، فقد جرتني دموعه إلى كتابة هذه الحروف من دون أن أشعر بشيء غير شعور واحد، وهو حب هذا الرجل، وعشق دموعه الحارة! بكى باسندوة، وتساقطت دموعه على خديه، وظهر أن تلك الدموع الحارة هي دموع (النائحة الثكلى) وليست كالنائحات المستأجرات اللائي يظهرن بين الحين والآخر يطلبن العفو والسماح على فترات الإجرام و(العُهر السياسي) الذي اتسمت به حياة هؤلاء النائحات، بكى وأبكى معه وطن، مرة حزناً على دموع باسندوة، ومرة أخرى فرحاً وسعادة بعد شعوره بوجود رجال يغارون على هذا الوطن، ويذرفون الدمع حزناً وحرصاً عليه. ابكِ يا باسندوة، فالتركة التي تثقل كاهلك ثقيلة جداً، هي تركة عقود من الفقر والتخلف والمرض والجهل والأمية والفساد والاستبداد، ابكِ فسنين حكم من سبقك والتي اتسمت بسياسة (الضحك) على الذقون تركت لك كل المخلفات لتعالجها أنت، الجميع هرب وتخلى بعد أن دمروا كل شيء وبقيت أنت، ابكِ فلستَ أول من بكى من ثِقل المسؤولية، فلا يبكي إلا الرجال إن شعروا بحجم مسؤوليتهم، سيد الخلق محمد فزِع وذهب إلى أهله ليدثروه ويزملوه عندما ألقيت إليه مسؤولية (الرسالة)، وابن الخطاب كما هو حال بقية الخلفاء بكى عند اختياره (للخلافة) حتى كان في وجهه خطان أسودان من جريان الدموع فيهما، وكذا هو حال العظماء دائماً، مع اختلاف النسب باختلاف الزمان والمكان! عجبي ممن قال أن دموعك يا باسندوة هي (دموع التماسيح)، إن كانت دموعك أنت هي دموع التماسيح، فبالله قولوا لي ممن ستهطل دموع الرجال، هل من ذاك الذي أصبح اليوم يطلب من الشعب رضاه وعفوه، أم هي من (عبيدة) الذين لم يبرحوا يحرضون الشعب على ثورته، من خلال ادعاءاتهم وأكاذيبهم بأن الثورة سُرقت، وأن الشهور التي قضاها الشباب لم تنفعهم بشيء، وأنها ذهبت هدراً وسدى، هل هؤلاء المتباكون على ثورةٍ عملوا على وأدها وهي في مهدها بكل وسائل البلطجة والقذارة والشيطنة هم أهل لنسمع كلامهم أو نرى دمعاتهم (المزعومة)، حيث لم يتورعوا عن قتل الأنفس المحرمة، وبالآلاف، ولم يتركوا أي باب للنفاذ إلى عمق الثورة لإفشالها إلا ودخلوا منه، فدخلوا من أبواب متفرقة، وجاءوا بأساليب متعددة، وتقاسموا الأدوار، وأدوا كل ما طلبه منهم مُخرج مسرحيتهم، وفي الأخير يأتي هؤلاء (التماسيح) ليقولوا أن دموعك يا باسندوة هي دموع التماسيح، خابوا وخابت دموع (التماسيح) التي تذرفها أعينهم على ثورةٍ أبانت لنا أصناف الرجال! ابكِ يا عزيزي، فقد غسلت بدموعك قذارات مرحلة (وسخة) بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، مرحلة لم نرَ فيها إلا (براميل قمامة) تأكل منها الناس الجائعة، و(براميل قمامة) أخرى ذات كروش منتفخة تحكمنا وتريد أن تقنعنا أنهم الأنفع لنا، ابكِ يا محمد، فقد سالت دموع كثيرين وهم يرون دمعاتك، لأن إحساس الدموع لا يخيب، فالدمعة الصادقة تجذب أخواتها من مختلف العيون ولو غصباً عنها، ابكِ فليس عيباً أن تبكي، بل العيب أن يضحك (المتباكون) على تلك الدموع التي ذرفتها عيون أمهات الشهداء وأطفالهم ونسائهم، وحتى على دموعك أنت، بل ليس عيباً فقط، فهو عار، وأي عار أكبر من أن تقتل إنساناً ثم تذهب للبكاء عليه، إنها قمة الوقاحة التي تُشعر صاحبها بأنه على حق لأن (الشيء إذا زاد عن حده انقلب ضده)، وأن ما سواه من ملايين الشعب هم على الباطل، والباطل المحض أيضاً! يا سيد الدمع الصادق، ويا ملك المشاعر الطيبة، هل من المعقول أن (عبدالله بن أُبي) صاحب قصة (الإفك) سيبكي إن رأى من عائشة رضي الله عنها مثلاً شيئاً معيباً وهو الذي جنّد نفسه لكي يثير الشائعات حولها، وهل من المعقول أن (الذئب) سيترك غنيمته بعد انفراده بها، والتي كان قد فعل المستحيل للوصول إليها، وهل يُعقل أن (نيرون) بكى عندما رأى دجاجة تحترق في (شواية) مطعم، وهو الذي أحرق روما بكل ساكنيها من رجال ونساء وأطفال وحيوانات وهو يضحك ويتلذذ بذاك المنظر، أسئلة عجيبة غريبة كما هو السؤال الأغرب، هل يمكن أن يبكي على الشعب من قتلوه لسنين طوال، وهل يمكن أن يبكي رجلٌ بحرارة وبمشاعر حقيقية كما فعلت أنت، هذا ما لا تملك أنت إجابته، ولا أنا، بل تملك إجابته القلوب التي أحبتك، والعيون التي ذرفت الدمع تفاعلاً مع دمعاتك التي ليست بالتأكيد كدموعهم، ليست كدموع التماسيح!! [email protected]