فات وقت التدريب على الطاعة، لم يعد في حوزة الموالين للنظام غير بقايا نضال، لم يعد في حوزة مداحي القصر وشعرائه غير بقايا من قرطاس وقلم، لم يعد في حوزة المدافعين عنه وعنك غير بقايا من سيف ورمح. في هذه الأثناء يمكن للملايين الهادرة أن تصلي في ميدان السبعين بلا رب وحتى بلا زعيم؛ لأنك لم تعد سادس الخلفاء الراشدين، ولأنهم انفضّوا من حولك، كأنهم كانوا في حفلة تنكرية، لم يدافعوا عن الشرعية الدستورية سوى كونها مشروعاً استثمارياً، بطاقة بنكية أو دفتر شيكات. وحدك تدرك ما الذي يجري في هذه الأيام.. يسير الوطن للتعافي بعد عقود.. أجريت تمارينك على إخضاعه لقوانين الخوف، عام على شاكلة 2011 اقتربنا في لحظاته الأولى بل والنهائية - ليس كما كنت تطمح من سلب للحرية - بل أصبحت تنوي مصادرة الحرية والحياة معاً.. بداياته عبر التوريث، لنجلك “أحمد” ونهايته بالرصاص والقناصة، فقطعت الثورة نسل أحلام شلة القصر.. من كانوا حولك تساقطوا أو أسقطوا.. كم تخلعت وتداعيت. على مدى عام، لاحظنا في عينيك انقباضاً غير مسبوق، كلها تشرح رغبتك بالتمسك والبقاء فوق “رؤوس الثعابين”، كنت تردد اسطوانتك بتفانٍ، ولم تنطلِ على هذا الجيل الغاضب.. طلبت المسامحة فأتت متأخرة، ثمة مسافة فاصلة بين خطاباتك بتوصيفاتك العجيبة: “قطاع الطرق، الخونة، الانقلابين، تجار المخدرات، والاختلاط”، وبين طلبك الصفح وأنت تلقي كلامك الأخير، الذي لا يمكن أن نسميه خطابا؛ لأننا عهدنا خطاباتك رنانة تخترق مسامعنا مع الرصاص والبارود، حديثك ذكرك بالله وقوله: “تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء”. بصراحة لمسناك متماسكاً؛ تتسوّل البقاء، بعد أن كنت الملك والمملوك..لاحظناك أكثر من مرة تتشبث بالبقاء على رأس النظام ..أقساها عليك حادثة “جامع النهدين” المشئومة، اخترقت الشظايا رئتك والرقبة، أخضعتك”يد الله” للعبرة، ولم تعلن التنحي عن مستقبل الشعب، فأنقذتك الحصانة، ثم إنك في النهاية تغادر السلطة والبلد. لم تعد تمتلك ما تسند إليه قامتك المتهالكة، أدوات القمع انسلت عن قبضتك.. وزعتها طيلة عام، طوقت الساحات والمدن ومارست حقها في الاعتداء. للأسف، لقد باءت بالفشل.. أخرجها الشعب المقهور بقبضاته العارية.. صدقنا لم نكن نعرف أن هؤلاء يخافون من النبض في القلب والتحدي في العين، والنبرة في الحنجرة. لا شيء أمرّ على الإنسان من العزلة، لا شيء أثقل من عذابات الضمير سوى المنفى..أذكرك بأن مهجرّي الجعاشن ينعمون بسلام، وأن الوطن ينتظر عبدالله عبدالعالم ومنصور راجح والمنفيين قسراً جراء حرب صيف أربعة وتسعين. جميعهم هجّروا وحرموا من وطنهم وموطنهم الأصلي، لا شك تذوقتهم الغربة وصهرهم المنفى لحظة بلحظة.. ولا شك بأنك ستجرب واقعهم، وتتألم.. صدقني، لم نكن نرغب بنهاية من هذا النوع، أنت وحدك من اختارها. انتهيت وحيداً، معزولاً، مشطوراً، لا مدد يأتيك من الجوار، ولا عون تتلقاه من أمريكا أو أوربا.. وجِلٌ تبدو، لما اجترحه القريبون منك والبعيدون، وسائلهم سايرت عنادك سنة ويزيد، لتأمين مخرج لائق. سيدي الرئيس، لم تعد رئيساً.. ولو أطلت عمر إقامتك إلى يوم 21 فبراير القادم، ويسرّنا ذلك.. أصبحت القائد الأعلى لجيش ليس مطيعاً، وأمن ليس مؤهلاً حتى لما بعدك، وميادين شعبية ضاجة، قطعت وعداً ضدك، ألزمت نفسها بوعد مع نفسها: أن اليمن لأهلها.. وليست لمن كان معك عابثاً، فاسداً،ولمن كان يقتات من فتات الولائم. أوهموك بأنك زعيم تاريخي، ورجل التأريخ، من صنائعك. بعض الظن ليس إثماً، التأريخ يصنعه الأقوياء بواسطة الضعفاء، وأنت كنت أضعف من أنك ترحل مكرهاً، اقتادتك فرق من يعرفون بالبلطجية فانقدْت، أشاروا إليك بفكرة جمعة الكرامة ففعلت، أخذوك إلى محرقة ساحة الحرية بتعز فنفذت.. كانت تلك كتائب القتل تقودك إلى هذه النهاية، إلى ممارسات فرض الطاعة، أطعت فقتلت العزل حتى من الأطفال والنساء..أهذه مكافأة الصبر والظلم والجور؟!. اخترعت مصيبة القاعدة كخير محتوم؛ للابتزاز والارتزاق، جعلت من القاعدة وحشاً تنام في فراش النظام، يأكل من موائدنا ويوقع الصفقات باسمنا، يقدم البلد على أنه نحن وأنه منا، وهي في الحقيقة لم تكن القاعدة البعبع، بل كان نظامك الحاضن للوحش، البعبع، ليصبغ اليمني في أقصى الأرض بالإرهابي، المتطرف الوحشي. فحضرت التهمة وغاب اليمن السعيد، وناسه الغلابى الطيبون..غاب الفرح في ملامح اليمني وهيئته؛ لأنه صار إرهابياًَ محترفاً، وتجلت الممانعة الكونية بينه والحقيقة بسبب ما لحقت به من سمعة سيئة، لكأن العالم ويا (للفاجعة) ينظر لهذا الوطن؛ عاصمة دولية لتنظيم القاعدة، وهكذا تعامل معنا، يحاول عزلنا عن المحيط. شاركت في صناعة الوحدة، وساهمت في ذبحها في المهد.. حرّضت أنت ومن معك ضد الحوثيين، تكبدت البلاد ستة حروب خاسرة، مع أن الشعب اليمني ليس كله حوثيين ولا حتى (متحوثثين).. الحوثيون إخوتنا، يمنيون، والحل معهم بالحوار، وليس بالقمع والاحتراب، متى يتعلم الدكتاتوريون أن الحرب لا يحل المشكلات بل يفاقمها. نتذكر كم خفقت قلوبنا أسى وحزناً وانفطرت ألف شهيد وشهيد ومواجع وجروح، وأنت تحاول أن تسلمنا للخوف. وإذا لم تكن كذلك، فكيف كان يمكن لهذا الشعب النبيل المقهورأن يشعر أن وطنه منفاه ومقبرته طيلة عقود من التخبط والذل، ويستمر غارقاً في الصمت؟. إن أفضل ما يسعى إليه اليمني هو الحصول على بطاقة هروب، واللجوء إلى مكان ما في هذا العالم، إن لقي ترحيباً، ليبيع جهده وينفق عرقه ويصرف أحزانه وحسراته على اليمن الذي كان سعيداً. سيدي... قصص مختلقة من الترهيب فقط، لا الترغيب والتخيير الحتمي بشخصك، الزعيم القائد والملهم الواحد.. ألم تكن الوطن والوطن أنت لتجعلنا فقط شعباً تشبّع بالخوف؟.. أضعفت قوة وعزة هذا الشعب الحر.. حاولت ترويضه بأن يكون من سلالة (بافلوف). أكثر من مرة تفعل أنت، والشعب يستجيب وفق عملية الاستجابة الشرطية.. تذكر انتخابات 2006 قلت: لن تترشح صدقناك، لكنك عدلت عن رأيك، وتغاضينا، قلت: لا توريث، فباشرت عمليات نقل القصر لنجلك. هذا اليمن التاريخي المزور بك أنت..ها نحن نستعيده، هو بنا ومنا ومعنا في محفظة القلب.. صار تأريخنا، الذي يشعر اليمنيون بالانتماء إليه الآن.. صنع خيارات سياسية قد تكون الآن مجحفة، صحيح.. لكن الشعب لم يختر ما أقدمت عليه من ارتكابات خاطئة.. (اللقاء المشترك وشرفاء المؤتمر وأصحاب اليسار واليمين إخوة يمنيون). التاريخ الحقيقي هو التاريخ الآتي؛ لأنه تاريخ طامس ومضاد لتاريخك.. اليمن يصنع أحداثه وتعبيراته، يغير ويتغير، لغة وثقافة واقتصاداً وفناً وإنجازًا، وحباً ومودة.. اليمنيون يشاركون في بناء لبناته، وعبر نجاحات يحققها في مواجهة التحديات والمخاطر، تركتك الخبيثة، ونعدك أن نتجاوزها وبأي ثمن. نحن اليمن، نحن الشعب، صناع التاريخ القادم.. بكل المعاني الحضارية، التاريخية والثقافية.. نحن اليمنيون أولاً، ونحن اليمنيون غداً، بكل ما لدينا من خفة وثقل ومقام رفيع وموقع.. سنكون ما نريد. [email protected]