الكل ينتظر المفاجآت التي من الممكن احتمالية حدوثها في المرحلة القادمة خصوصاً مرحلة ما بعد و21فبراير. حقيقةً رغم التوترات السياسية والمحاولات الهادفة التي تسعى إلى إفشال العملية الانتخابية إلا أنني لست متشائماً بما سيحدث مهما كان وزنه أو حجمه لأننا في صدد ثورة لن يخمد جذوتها صغائر الأمور, الكثيرون يتوقعون هدوءا نسبيا ربما يسيطر على الواقع السياسي, لو احتملنا حدوث ذلك، هل بالطبع سيخلف جواً مناسباً لتعزيز أواصر الشراكة السياسية بين طرفي النزاع السياسي بما يخدم المصلحة الوطنية كهدف أساسي قامت على أساسه تلك الشراكة. نعم أعتقد أنه سيحدث ذلك في حالة وصول طرفي الوفاق السياسي إلى قناعة تامة وإيمان حقيقي بقيمة هذا الوطن وبالتالي سيؤثرون مصلحة الوطن عن مصالحهم الشخصية وهذا بالطبع سيولد جواً مفعماً بالولاء لهذا الوطن الغالي في الوقت الذي ستنخفض فيه حدة الاحتدام السياسي تدريجياً بمرور الأيام إذا وصل الطرفان إلى شفافية مطلقة. وبالتالي ليس هناك أي قلق يبعث الخوف في النفوس طالما هناك اتفاق سياسي يفضي إلى وصول الفرقاء إلى طريق واحد تحفظ لهذا البلد أمنه واستقراره. لو استطعنا أن نخطي هذه الخطوة الرائعة بالتأكيد سنكون قد تجاوزنا عنق الزجاجة ومن الممكن الشروع في العمل الوطني بشكل تكاملي ضامن ليسر العملية الديمقراطية ولكن يفترض أن يكون وفق معايير تخدم المشروع التنموي كي نتمكن من الخروج من هذا المأزق ونتجه اتجاها واحدا نرعى من خلاله المصلحة العامة لا المصحة الخاصة. نتمنى أن يدرك الفرقاء خطورة المرحلة المقبلة باعتبارها نقطة تحول في التاريخ السياسي اليمني؛ ولذا يجب أن يسود تلك المرحلة جو ديمقراطي ذو طابع مرن حتى لا تستغل المواقف لأغراض سياسية لا تمت للواقع بمعنى، بل ربما تحوله إلى مستنقع للمناكفات السياسية ومقاضاة الأغراض الشخصية. لذلك سنشعر في نهاية المطاف بأننا ما زلنا نعيش في نفس المربع الماضي ولم نحصد من ثمار الثورة سوى الأعباء والشعارات التي كنا نرددها وكنا نظن أننا بها قد كسرنا جدار الخوف وما تبقى من الثورة إلا اليسير. ما هو واضح ومما لا يدع مجالاً للشك وجودية الثورة على أرض الواقع بأشكالها المختلفة وكأنها كائن يعيش في أوساطنا لا يمكن إنكاره ولهذا من لا يزال جاحداً بها يجب عليه أن يقتنع بواقعه حتى لو كان واقعه يفرض عليه المكابرة أو التحدي لأن الثورة بطبيعتها إنصاف للمظلومين قبل أن تكون وسيلة للتغيير أو نقل السلطة. لا يجوز لنا أن ننظر للثورة من منظور ضيق ونحكم عليها بأنها موجهة وأن شبابها عملاء ومرتبطون بالخارج, هذا إفلاس وجحود للواقع, كي نكون منصفين يجب علينا أن ندرك الأسباب والتداعيات التي أدت إلى حدوثها قبل الحكم عليها، كما أيضاً يجب ألا نحكم عليها بالعاطفة ونعتبر ما حدث مجرد صدفة؛ نظراً للحدث المفاجئ الذي طرأ على منطقتنا العربية, يجب أن نفهم جيداً أن الثورة أكبر من أن تختزل في جيل معين أو فترة زمنية محددة أو ظرف سواء كان غامضاً أو العكس، الأمر أكبر مما نتصور, فالثورة حدث استمراري يبدد الظلام على مرور العصور حتى قيام الساعة. لعلنا تابعنا أحداث ثورة الربيع العربي عن كثب من كان يتوقع هذا التغيير ربما يحصل بمجرد إحراق شاب نفسه ونحن نعلم من خلال متابعتنا لوسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية مقتل العشرات كل يوم بسبب العنف السياسي والفقر والاضطهاد والتعذيب خلف قضبان السجون. على أية حال لم تأت الثورة من أجل إسقاط النظام فحسب، بل هناك مطالب تعتبر غاية في الأهمية تأتي في مقدمة الأهداف الأساسية التي من شأنها قامت الثورة ومن أهمها: إقامة دولة النظام والقانون. المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات, في الوقت ذاته هناك أيضاً أسباب حقيقية أدت بالفعل إلى حدوث الثورة ومن أهمها: 1 - احتكار السلطة في نطاق عائلة واحدة استفردت بالحكم. 2 - الاستبداد السياسي والذي من خلاله تم استخدام العنف بشتى مظاهره المادية والمعنوية بشكل يثير الرعب والخوف بغية سلب هيبة المجتمع وتحويله إلى جثة هامدة من أجل تحقيق أهداف متعددة قد تكون شخصية أو سياسية تحت مسمى الديمقراطية ومسميات أخرى. أي ديمقراطية تمنح الحاكم صلاحية ليحكم مدى الحياة أمام صمت عالمي حتى على مستوى الدول المصدرة لهذا المفهوم دون أي نقد أو اعتراض يذكر حول ما كان يحدث من انتهاكات ومخالفات تتنافى مع كل القوانين المحلية والعالمية. على العموم نحن اليوم نعيش حراكا سياسيا ملموسا وهناك انتخابات قادمة على الأبواب، ماذا تعني الانتخابات بالنسبة لنا وهناك مرشح واحد!؟ هل هي مقياس لمعرفة حجم الفعل الثوري والإجماع السياسي لهذا المرشح التوافقي أو يراد منها الحفاظ على القواعد الديمقراطية وإرساؤها في اليمن خشية أن تنسف، خصوصاً في ظل هذه الظروف الحرجة وتتحول في نهاية المطاف إلى غبار متطاير، ما هو معروف لدى الجميع أن النظام الديمقراطي نظام مستورد فالدول المصدرة له هي من ترعاه وهي المسئولة الأولى والأخيرة في حالة حصول فشل في تنفيذه, فلو فشلت التجربة الديمقراطية في اليمن أو في أي بلد عربي معنى ذلك أن هناك مؤشراً خطيراً يكشف مدى ضعف تلك الدول المصدرة لهذه التجربة من سيطرتها على الموقف وبالتالي نجاح العملية الانتخابية في اليمن ليست مهمة لليمن بقدر ما هي مهمة لتلك الدول المصدرة لمفهوم الديمقراطية. هذا واقع يثبت صحته مدى استعداد المجتمع الدولي، خصوصاً دول أوروبا وأمريكا دعم هذه الانتخابات وإنجاحها بأي شكل من الأشكال مع أنهم يدركون ضعف احتمالية فشلها بسبب مرشحه التوافقي الوحيد المجمع عليه. على العموم طالما المرشح واحد والوطن واحد فنحن كيمنيين ما يهمنا هو المضي قدماً نحو التغيير وكسر حاجز احتكار السلطة, فانتخابنا لعبد ربه ليس حباً للواقع بل كرهن للماضي. فإذا كان لا بد أن تتحقق أهداف الثورة كاملة يجب علينا أن لا نستعجل حصد ثمارها حتى لا نحكم عليها بالفشل, كما أيضاً لا يجب أن نخاطب جهة واحدة في الثورة أو نحملها المسئولية الكاملة, هذا خطأ كبير؛ لأن الثورة ثورة الجميع لذا يجب أن نحافظ عليها جميعاً. الجدير بالذكر هنا ليس فقط أن نقيم ثورة على نظام فاسد هذا من السهل، بل من السهل جداً؛ لأن الفقر والفساد والاضطهاد والاستبداد تعد عوامل كفيلة لإحداث ثورة عارمة بغض النظر عن الظرف الذي من المحتمل وقوع الثورة في ظله. فكل العوامل التي ذكرت سلفاً هي في الواقع عوامل تساعد دائماً في خلق أجواء مناسبة وداعمة لقيام الثورات، ما هو مهم مستقبلاً مرحلة ما بعد 21 فبراير مرحلة البناء والعمل لا مرحلة تقسيم المناصب فمرحلة ما بعد 21فبراير هي مرحلة تحد حقيقي لكل الصعوبات؛ لذا نحن اليوم بحاجة ماسة إلى جيل واع مخلص يكون محط رهان حقيقي للخروج من الأزمة الراهنة والتوجه نحو بناء دولة النظام والقانون فينبغي علينا في ظل هذه الإنجازات أن نتنبه أيضا إلى أمور مهمة يجب أن تكون في مقدمة الأشياء التي من المهم إصلاحها, ما قام به النظام من ممارسات سيئة وأساليب أراد بها عزل النظر عن عالمه المظلم كانت لها أثر سلبي على الثقافة العامة للشخصية اليمنية مما أدى إلى تجريدها من محتواها الفكري والاجتماعي والثقافي والسياسي لتصبح مجرد صورة شكلية تفتقد الجوهر الحقيقي, حيث تم استبدال كل شيء جميل فيها بأسوأ الأشياء وبالتالي سنواجه بالتأكيد مشاكل عديدة في المستقبل ما لم نكن مستعدين لها. أخي القارئ: نحن اليوم بحاجة إلى إعادة ترميم وإصلاح في القيم الأخلاقية التي كادت أن تغيب من حياتنا دون أن نشعر.. نعم نحن اليوم بحاجة إلى جيل معتدل يرفض الماضي ومخلفاته ويتطلع نحو المستقبل دون انكسار أو تشاؤم, فالمستقبل مليء بالمفاجآت وسيكون بالفعل أفضل مما كان عليه في الماضي؛ لأن النظام السابق كان أسوأ نظام عرفته اليمن لا يمكن له أن يتكرر على المدى البعيد. على أية حال دعونا ننتظر لنرى كيف سيكون المستقبل!.