سأنتخب عبدربه؛ لأنه النقطة الأخيرة في كتاب التوريث قبل أن نمزقه إلى الأبد، ومن ناحية أخرى لأجل النقل التاريخي للسلطة من الشمال، فالمعروف أن للصراع على السلطة في اليمن تاريخاً دموياً مديداً طائفياً وقبلياً وعسكرياً، في حين ظلت السلطة مغلقة على عقدة الشمال المتسلطة لعقود. وفي تقديري الذاتي للرجل إنه يخبئ توقعات عالية جداً بقدرته على تجاوز العوائق؛ نظراً لمؤازرة الخارج وثقة الداخل في آن، كما من الخطأ ألا نعتبره ليس مطلعاً بما يكفي على أصول اللعبة والتوازنات واتخاذ القرارات الصحيحة في اللحظات الحرجة التي تنتظر القول الفصل. والحاصل أن الرجل تراكمت فيه خبرات شتى منذ فترة الإنجليز جنوباً فالحكم الاشتراكي مروراً بفترة النزوح إلى الشمال فمرحلة الوحدة ثم تبوّئه النيابة الرئاسية...إلخ، ما يجعلني أعتقد أن حدث الثورة قد صهر شخصيته أو أثر فيها كثيراً على الأقل. من هذا الجانب فإن الصورة الشخصية اللارسمية لعبدربه يحملها برأيي عنوان كتابه غير الشهير: “الدفاع في المناطق الجبلية في استراتيجية الحرب”، بحيث إنه يفكر بعقلية أن المهم هو النتيجة، غير أن الخوف سيبقى جاثماً من تلك العناصر التي ستعول على استغلال جموده مثلاً، بينما عليه الاستيقاظ تماماً؛ تفعيلاً لعلاقاته الجيدة بمحيطه الإقليمي والدولي الآن، كما من أجل تفعيل القدرة اللائقة على إدارة الصراعات المحيطة بسدة الحكم، بمعنى أن على عبدربه كسر الحواجز مع الجميع وبالذات الممانعين كالحوثيين والحراك. بالطبع فإن للمشترك مصلحة كبرى في التجانس المشجع معه خلال العامين الحاسمين، كما لا يوجد للمؤتمر أي تسويغ منطقي لمحاولة عرقلة تلك الفترة الانتقالية إلا بدوافع معضلة التوريث السيئة التي شملت سائر مفاصل الدولة اليمنية خلال السنوات العشر الأخيرة بالذات، في حين جلبت محمولات ثقيلة لاشك. كذلك يبدو صحيحاً بالمقابل أن كثيرين يرون بأن الكشف عن نيات عبدربه لايزال صعباً إلى ما قبل 21 فبراير، إلا أنه صار معنياً بالفعل بدفع ثمن الرئاسة، على هذه الخلفيات بشكل خاص. ومع أنه لايزال يحرص على الظهور بالشكل المتواضع الهادئ وسط غابة من مراكز القوى والثعابين، يتشكك كثيرون في حضوره كما يكرس شعبياً لن يكون مهيمناً أبداً، غير أن على الرجل واجبات مهمة ينبغي له مواجهتها بحنكة وشفافية وشجاعة، أي بشكيمة فاعلة؛ إذ لابد له إعطاء هذه الأمور والحساسيات أولوية استراتيجية قصوى؛ من أجل أن ينجح وطنياً وتسقط بالتالي فزاعة المركز المقدس، ثم إن المرحلة تتطلب الإجهاد والذكاء المتواصلين. [email protected]