لست من الجيل الذي بدأ فيه طغيان النفوذ السعودي على العقل السياسي اليمني .. أنا من جيل الثورة الجديدة حيث لايمكن أن نضاعف هذا الاستلاب المشين بجلب نفوذ آخر علينا, الإيراني أقصد. كان جيل ثورة سبتمبر 62م بدون دليل وطني كافٍ، فيما أدى رضوخ التخلف أمام المال- كواحدة من تبعات التدخل المصري في الثورة الأولى - إلى سعْوَدة القرار اليمني في النهاية وتعميق النزف بين اليمنيين لاحقاً. لكن استجلاب إيران لمواجهة السعودية اليوم يبقى على درجة كبيرة من الخطورة، خصوصاً وأن المحتوى العام للتدخل الإيراني في اليمن سيكون طائفياً بامتياز. لذلك علينا أن نراكم النضالات من اجل تحررنا الموضوعي من أي تدخلات خارجية للحياة السياسية الداخلية، مستمرين في تفعيل خياراتنا الوطنية ومجابهة تدخل السعوديين أيضاً فرضاً لسيادة القرار الوطني مستقبلاً. ولعل في مغادرة علي عبد الله صالح السلطة فرصة تاريخية لتعميق مشاعر إرادة الوطنيين اليمنيين في هذا السياق. ثم إن على النظام القادم تأسيس قطيعة تدريجية لائقة من ناحية واقعية واستراتيجية مع الأسس الارتهانية التي قامت عليها حياتنا طوال أكثر من نصف قرن. خذوا العبرة ياهؤلاء، إذ لن يحقق آمالنا وتوقعاتنا الثورية والوطنية تصاعد نفوذ القاعديين والحوثيين، كما اننا مابين أنصار الشريعة وأنصار الله سنكون بمثابة مهاجرين فقط! بالمقابل نقول للسعوديين من غير اللائق اعتقادهم بأن منطق التغيير الذي أتى به الربيع الثوري العربي لن يصيبهم ويؤثر، فيما عقود من صراعات وآلام اليمنيين لابد أن تنعكس على المملكة التي كانت طرفاً رئيسياً في كل المشاهد الجمهورية كما يعلم الجميع. أما إذا اعتبرنا بأن المعضلة السعودية لن تنحسر في اليمن إلا عبر استجلاب معضلة إيران، فإننا سنكون مجرد مغفلين وحمقى، كما نؤسس لفقدانات وخسائر وطنية جديدة. وبالتأكيد نأمل أن تراجع الشقيقة أداءاتها التقليدية تجاهنا كما تنبغي العلاقات الدولية الحديثة وباعتبارات الجغرافيا والتاريخ ، إذ نعتقد انها لو حولت دوافعها السياسية المزعجة إلى دوافع تنموية موضوعية تجدي، فمن شأنها أن تضفي تحولاً مؤثراً على الحساسية العامة لليمنيين الفقراء الناقمين تجاه استراتيجيتها التقليدية في بلادهم، وبالتالي لها أن تستريح من كل مخاوفها اللاموضوعية أكثر. [email protected]