كان والدي رجلا بسيطا نصف أمي تابع تعليمه حتى الصف الثالث الابتدائي. يحسن كتابة ما يريد حتى مستوى الرسالة البسيطة. لم أره يوما يقرأ كتابا أو رواية. في النادر كان يقرأ جريدة. مكانه الذي لايبرحه الدكان الذي فيه يعمل. يسمونه عندنا دكان عطارة في القامشلي حيث ولدت. فيها تقريبا كل لوازم التأمينات البيتية من سكر ورز وكبريت وكاز وعطر وصابون. كان رحمه الله أمينا في تعامله مع الناس. إن رد إليه أحد بضاعة فيها نقص أو خراب أبدلها له ولم يسأل. أحسن كساءنا وغذاءنا وتعليمنا وأنفق علينا بدون بخل ومنة. كان رحمه الله يتفقد ملابسي بنفسه فيرسلني إلى القيسرية وهي ممر مغلق لحوانيت عدة فنشتري من اللباس ولا نسأل عن الأسعار. في الأعياد كانت البدلات تنتظرنا مع القمصان والأحذية الجديدة. قضى جلّ عمره في المحل لايحجزه برد شتاء وقيظ صيف. يذهب مع شروق الشمس ويعود مع الغروب فإذا دخل البيت اشتغل من جديد في تنظيم البيت وحوائجه. ما زلت أره في المنام وهو يعمل في هذا الحانوت مع تقدم العمر والمرض فأشفق عليه. عجيب استمرار وتواصل اليقظة بالمنام والموت بالحياة أليس كذلك؟ كان وحيد والديه ودلال أمه. تقول أمه: مات عشرة وبقي واحد. أما هو فكان يقول: كثرة الأولاد خير كالمطر، على المرء الاستزادة منهم فأكثروا لأن معظمهم سيموت! لا أذكر من والده عبد العزيز جدي سوى خيال واحد. أتذكره باللباس التقليدي مع الطربوش العصملي (العثماني). كان لباسهم يسمونه (زبون) يتكون من سروال قطني داخلي سابغ فوقه قفطان يلف من الجانب فوقه يلبس الجاكيت وعلى الرأس طربوش عثماني أحمر أطول من المغربي تتدلى من الخلف شرشوبة من خيوط سوداء. اعتمر والدي أيضا هذا الطربوش فترة طويلة. كان حلمه أن يحقق ثروة متواضعة فلم ينجح وانتهى رحمه الله بالغرق في الدين حتى أرحته أنا فأمنت له حياة مريحة وهو في الستين حتى فارق الحياة وقد زاد عن التسعين. رحمة الله عليك والدي.