جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انهيار سريع وجديد للريال اليمني أمام العملات الأجنبية (أسعار الصرف الآن)    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    وفي هوازن قوم غير أن بهم**داء اليماني اذا لم يغدروا خانوا    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    كاس خادم الحرمين الشريفين: النصر يهزم الخليج بثلاثية    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    الانتقالي يتراجع عن الانقلاب على الشرعية في عدن.. ويكشف عن قرار لعيدروس الزبيدي    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    مقتل واصابة 30 في حادث سير مروع بمحافظة عمران    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    الخطوط الجوية اليمنية توضح تفاصيل أسعار التذاكر وتكشف عن خطط جديدة    دوري ابطال اوروبا: دورتموند يحسم معركة الذهاب    غارسيا يتحدث عن مستقبله    خبراء بحريون يحذرون: هذا ما سيحدث بعد وصول هجمات الحوثيين إلى المحيط الهندي    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    احتجاجات "كهربائية" تُشعل نار الغضب في خورمكسر عدن: أهالي الحي يقطعون الطريق أمام المطار    العليمي: رجل المرحلة الاستثنائية .. حنكة سياسية وأمنية تُعوّل عليها لاستعادة الدولة    الكشف عن قضية الصحفي صالح الحنشي عقب تعرضه للمضايقات    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    الرئيس الزُبيدي يعزي رئيس الإمارات بوفاة عمه    رئاسة الانتقالي تستعرض مستجدات الأوضاع المتصلة بالعملية السياسية والتصعيد المتواصل من قبل مليشيا الحوثي    مكتب التربية بالمهرة يعلن تعليق الدراسة غدا الخميس بسبب الحالة الجوية    مأرب ..ورشة عمل ل 20 شخصية من المؤثرين والفاعلين في ملف الطرقات المغلقة    عن حركة التاريخ وعمر الحضارات    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    بعد شهر من اختطافه.. مليشيا الحوثي تصفي مواطن وترمي جثته للشارع بالحديدة    رئيس الوزراء يؤكد الحرص على حل مشاكل العمال وإنصافهم وتخفيف معاناتهم    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    الشيخ الزنداني يروي قصة أول تنظيم إسلامي بعد ثورة 26سبتمبر وجهوده العجيبة، وكيف تم حظره بقرار روسي؟!    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    برفقة حفيد أسطورة الملاكمة "محمد علي كلاي".. "لورين ماك" يعتنق الإسلام ويؤدي مناسك العمرة ويطلق دوري الرابطة في السعودية    التعادل يحسم قمة البايرن ضد الريال فى دورى أبطال أوروبا    نجل الزنداني يوجه رسالة شكر لهؤلاء عقب أيام من وفاة والده    بعشرة لاعبين...الهلال يتأهل إلى نهائى كأس خادم الحرمين بفوز صعب على الاتحاد    وزير المالية يصدر عدة قرارات تعيين لمدراء الإدارات المالية والحسابات بالمؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي    تنفيذية انتقالي لحج تعقد اجتماعها الدوري الثاني لشهر ابريل    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نور باعباد: أحببت العمل الإعلامي منذ طفولتي، وعدن لونت حياتي
نشر في المصدر يوم 19 - 08 - 2010

تنشر صحيفة "السياسية" الصادرة عن وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" حوارات أسبوعية تتناول جوانب مخفية عن شخصيات سياسية واجتماعية عرفنا نصف حياتها لكننا لا نعرف شيئاً عن نصفها الآخر.
المصدر أونلاين وبالاتفاق مع الصحيفة ومع الزميل صادق ناشر الذي قام بإجراء هذه الحوارات يعيد نشرها، وفيما يلي الحلقة الأولى من الحوار مع الأستاذة نور باعباد.

الحلقة الأولى
في حياة كل فرد منا شخصيتان مختلفتان: الأولى تلك التي يتعامل معها الناس ويعرفون مواقفها وأخبارها التي تخرج إلى الناس والصحافة، والثانية تلك المخفية التي لا يعرفها سوى قلة قليلة من المقربين والأصدقاء.

وفي هذه المساحة تحاول "السياسية" الدخول في الزاوية المخفية من حياة هذه الشخصية أو تلك، من خلال حديث ذكريات يشمل أسرار الطفولة والشباب والعمل، والتعرف عن قرب على العادات والتقاليد والظروف الصعبة التي عاشها اليمنيون قبل أن يروا النور بثورتي سبتمبر وأكتوبر ودولة الوحدة.

"النصف الآخر" محاولة لإخراج ما خبأته السنوات في حياة اليمنيين، من خلال رصد الواقع الذي عاشوه ويعيشونه اليوم. كما أنها محاولة لمعرفة كيف يفكر من عايشناهم طوال سنوات ولا نعرف ما ذا يحبون، وماذا يكرهون، وكيف وصلوا إلى النجاح الذي وصلوا إليه.

تحاول "النصف الآخر" الابتعاد عن الخوض في الشأن السياسي، الذي يحبذ الكثير عدم الخوض فيه، وإن كانت السياسة حاضرة في بعض المواقف التي ضمها الحوار، لكن بشكل غير مباشر.

"النصف الآخر" سلسلة لحوارات مع شخصيات يمنية مختلفة في السلطة والمعارضة، رجالاً ونساء على السواء، ومن كل مناطق البلاد. وستكون هذه الشخصيات حاضرة بتجاربها في الحياة هنا لتكون شاهدة على صور مختلفة من حياة اليمنيين.

*من هي نور باعباد، كيف لنا أن نعرف نشأتها؟
- أنا نور محمد باعباد، من مواليد مدينة عدن العام 1952، درست في مدارس كريتر والشيخ عثمان بمدينة عدن، وعشت طفولتي في "حافة حسين" بمنطقة كريتر، توفت والدتي وأنا صغيرة؛ فعشت في بيت جدي عمر عبد الرحمن بلجون، والد أمي -رحمة الله عليه- الذي جسّد معنى التكافل، القوامة والرعاية والتربية، فقد كان بيته محضناً لجميع الأهل والأحفاد، وكانت جدتي لأمي هي التي ربّتني إلى جانب بناتها خالاتي، وكانت حصتي مثلهن، بالإضافة إلى ما يقدمه والدي -رحمه الله- من نفقة وزيارات، من حسن حظي أنني تربيت في هذه البيئة الطيّبة وافرة الحنان والعلم والثقافة التي زرعها جدي فيّ.

شهدت ما عاشته المدينة من محبة ومودة فلا يحتاج أي ساكن لخدمة إلاّ ولباها له جاره، فقد احتضنت عدن كل الناس ومن كل المناطق اليمنية، بالإضافة إلى جنسيات أخرى عاشت وترعرعت وعملت وأحبت عدن وأصبح الجميع نسيجا وطنيا واحدا.
مازلت أتذكّر عندما كنت أذهب إلى حوافي عدن – كريتر، بأمان وحُرية، خاصة مع خالتي فهي في سنّي، أمل بلجون، الإذاعية المعروفة، حيث يسكن الأهل والمعاريف، وتتواجد مدارسنا في: الميدان، الطويلة، حافة حسين، حافة القاضي، القطيع، الخساف، والشعب (بكسر الشين) فيها قبر ولي الله الصالح (العيدروس).

وأتذكر ما يقوله أهل عدن "شي لله يا عيدروس"، وتلك الأغاني المعروفة التي ترددها النساء بمحبّة تقديرا لذلك الولي ومن تعاقب، بعده فلا تعرف عدن إلا فيه معلما إسلاميا وروحانيا، خاصة مسجده (مسجد العيدروس)، الذي تتبارك زفات العرس بزيارته، وهو نوع من التعبير عن توازن الفرح وروحانية العبادة وذكر الله في السراء والضراء وعباده الصالحين، وتلك الحفرة في الجبل الذي يطلق عليه "العيدروس"، تعبيراً عن حماية الله عز وجل لعدن من الأعداء ومزارا سنويا.

أتذكر طفولتي، وتلك الزيارات للأولياء، في فرح طفولي في الملابس وشراء الحلوى واللعب واستضافة الأسر، بالإضافة إلى زيارات أخرى، مثل: زيارة الهاشمي وزيارة العثماني. ويقال إن منطقة الشيخ عثمان نسبت إلى اسمه، وكذا مناطق: التواهي، المعلا، ودار سعد، تمتد هذه العادة وما يطلق عليه ب" السياحة الداخلية"، إلى مدينة لحج، حيث تفيض حالة من الروحانية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بعد انتهاء موكب الزيارة، وسير كسوة الولي في موكب يتقدّمه أئمة المساجد والعلماء. وعلى جانب آخر تتوفّر فرص العمل، فتنصب الأكشاك في ساحة للتجمّع والبيع، ويُقام سباق الجمال، وساحات الرقص الشعبي للرجال، وتنشط حركة المواصلات والمطاعم. بمفهوم اليوم "نشاط سياحي".

كريتر مدينة صغيرة، لكنها تحتضن مساجد في كل شارع، يصحو سكانها على أذان الفجر، ويوقتون حياتهم على مواقيت الصلاة التي يؤم مساجدها الجميع، لا يعرفون إلا أنهم مسلمون، حراك وتنوع تجاري في سوق الزعفران، السوق الطويل، وتفرعاته، أسواق الطعام، الحدادين والبهرة، أحدث منتجات الصناعات العالمية في المتناول، كون ميناء عدن تصله كل المنتجات فهو ثالث ميناء في العالم ويتوسط طرق التجارة العالمية.

أتذكر طفولتي بما تميّزت به عدن من تخطيط حضري بسيط ومنظّم، البسطاء من شعبنا في سوق الخضار، محلات الفول والمخبازة والحلاوة والبرد (الثلج)، إذ أن عدن تتسم بالجو الحار، وابتدائية الميدان، وإعدادية العيدروس، كلية البنات بمدينة خور مكسر؛ فثانوية الطويلة التي درست فيها، وعدد من دور السينما التي قدمت زادا فنيا وحراكا ثقافيا رائعا، صهاريج الطويلة الشامخة المطلة على كريتر، ذلك المزار الذي لا أمِّل منه، زرته قبل 5 سنوات مع ابنتي الصغرى، فهي من مواليد صنعاء؛ لأعرِّفها بمزار يحبّه الجميع، لهذا حرصت على زيارته معها. كذلك جزيرة صيرة وجسرها الحميمي الذي يصطاد منه الهاوون، وبيوت الصيادين الخشبية البسيطة وأسماكها الطريّة، وماءها النقي.

هذا الطيف هو الذي كون شخصيتي، أي ما عاشته عدن ازدهاراً ثقافياً متنوعا، وانعكس وأثر إيجابا عليّ إلى يومنا هذا، والذي حرص جميع أبناء وبنات الأسرة على الاستزادة منه.

لقد أرسى جدي -رحمه الله- لنا تقليدا من القيم الثقافية، وخاصة القراءة، يتمثل في أننا نذهب كل يوم خميس لمكتب التوزيع (وكالة الأهرام) في الشارع المجاور لنأخذ المجلات المصرية، وهي تصل سريعا مثل: "سمير"، "ميكي"، "روز اليوسف"، "صباح الخير" و"المصور". كما كانت في بيت جدي مكتبة غنية بروائع الأدب العالمي في كتب دار الهلال المصرية، وكانت هذه بالنسبة لي فرصة للقراءة وللتثقف، وقد قرأت كثيراً في تلك المرحلة.

وهناك معلومة لا يعرفها الكثيرون، فقد كان في مدينة عدن مكتبة تتبع بلدية عدن عبر اشتراك شهري للقراءة أو للاستعارة لمختلف الأنواع من كتب تاريخية، أدبية، دينية، وثقافية، بما فيه للصغار، وكنت أذهب لأقرأ واستعير، وكانت هذه فرصة للاطلاع على الثقافة العالمية، وخاصة المترجم منها.

في تلك الفترة كانت الأوضاع السياسية العربية والعالمية حادة وحاسمة، تم استقلال العديد من شعوب العالم، قيام دول عدم الانحياز، العدوان الإسرائيلي على العرب، مناهضة التمييز العنصري والحرب الباردة وثورة شعبنا اليمني بشقيها.

ما صاغ تفكير ورؤى الناس على اختلاف مستوياتهم، كان هناك تأثير قوي لمشاهدة السينما والاستزادة من هذا الزاد الثقافي الراقي، فتذهب الأسر لتُشاهد الأفلام وما أنتجته السينما المصرية والهندية والعالمية، وكانت تعرض السينما مع الأفلام المصرية الجريدة السينمائية التي تحوي أهم الأخبار عن العدوان الإسرائيلي على مصر، وأخبار ومقابلات ومواقف الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، قضايا سياسية تحررية عن الشعب الفلسطيني، الجزائري، الصيني والفيتنامي، ودول عدم الانحياز ودعم الاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكية.

هذه الثقافة الإنسانية الأممية التضامنية مع حق الشعوب الحاضرة في عقولنا وقلوبنا حتى اليوم وباستمرار، وأنا أحد هؤلاء، وهي التي كوّنت وتكًون عقليتي وثقافتي، وباستمرار استرجعها.

*أين أنت من بين أفراد الأسرة؟
-أنا الثانية من بين 6 أخوة وأخوات، ورغم تفرّق حياتنا المبكِّرة، إلا أن علاقاتنا اليوم هي علاقة أخويّة عميقة.

ذكريات الطفولة
*هل تتذكرين بعض المواقف في طفولتك؟
-عشت طفولتي في بيت جدي، وهي أسرة ممتدة تجمع أجيالا. وطفولتي هي مع أقراني من الأسرة، وخالاتي من هن في سنّي. كانت طفولة في الغالب جميلة جدا. كانت عدن تشهد حراكا عُمرانيا؛ كنا نفرح عندما تُبنى عمارة جديدة في الشارع. وكانت الأكوام من "النّيس" تتيح لنا فرصة لنلعب به. وكنا نفرح أكثر في فترة هطول الأمطار، ونستمتع بالذهاب إلى الصهاريج، خاصة وأن "حافة حسين" كانت قريبة منها.

كُنا نجد متعة عندما نذهب إلى البحر وإلى بساتين لحج وأبين، وكانت المدارس ترتّب لنا رحلات، كما كان لتأسيس فرق الكشافة المدرسية ومخيّماتها لتوسيع المدارك دور هام. كانت قائدتنا الفقيدة التربوية المعروفة القيادية في اتحاد نساء اليمن، ثم رئيسة اللجنة الوطنية بعدن اعتدال ديريه. كانت هناك متعة الاستماع إلى الإذاعة؛ لهذا يمكن أنني أحببت العمل الإعلامي منذ طفولتي، فكانت فرصة في ذهاب مجموعة منّا، وبحكم معرفة أهلنا بالعاملين في الإذاعة، اكتشاف مواهبنا وقدراتنا، ونمثّل في بعض التمثيليات.

*هل تذكرين بعض الألعاب التي كُنتم تمارسونها وانتم صغار؟
- في ذلك الوقت كانت الألعاب بسيطة، وكانت تعمل على اختبار القدرات العضلية والذهنية للطفل أو الطفلة، أي كيف يقفز، وكيف يحقق فيها النصر في السرعة والذكاء، وكان فيها نوع من الصبر ونوع من النصر.

كانت هناك بعض الألعاب التي نشترك فيها مع الأولاد، كفرق في الجري، وهناك لعب موسمية مثل: "الفتاتير"، "البلية"، كانت تجذبني بألوانها الزجاجية الزاهية، وهي الطائرة الورقية تحتاج لجهد وكان ممتعا رؤيتها تسبح في الفضاء في فترة الرياح وتتقاطع مع بعضها، وكانت هناك لعبة تسمى "الدروان"، الخدروف بالعربية -على ما أعتقد- وهي عبارة عن خشب منحوت يثبّت بنهايته مسمار يلف بخيط ليُسهل اللعب، وهي: ألعاب -تحضر من الهند- للجميع، وهناك ألعاب خاصة بالفتيات مثل: "الشبدلو" والعرائس وغيرها.

حكاية جدي ووالدي
*ماذا تتذكرين عن جدك عمر عبد الرحمن بلجون؟
-كما قلت، عشت في بيت جدي. وكان له تأثير كبير في حياتي وحياة كل أفراد الأسرة. كان -رحمه الله- رجلاً متميّزاً وعصامياً، كان يحب أسرته قولا وفعلا، وقد عشنا في كنفه -نحن أحفاده- كان مثقفاً ومنظما في حياته، يصحو مبكراً، نسمعه يقرأ القرآن في مواعيد معينة، يقرأ الصحف والمجلات، لبسه منظم حتى دولاب ملابسه كان مرتباً، يأكل بنظام ونوعيات غذائية متنوعة ومفيدة. وقد تعلمنا جميعا منه هذه الثقافة.

وهو خال الشخصيات الوطنية البارزة؛ عبد الله باذيب، رئيس الاتحاد الشعبي الديمقراطي، وزير التربية والثقافة الأسبق، وعلي باذيب وزير الإعلام ونائب رئيس الوزراء الأسبق، والأستاذ أبو بكر باذيب -أطال الله عمره- عميد كلية التربية الأسبق، الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني حاليا، رئيس تحرير صحيفة "الثوري" الناطقة باسم الحزب.

وأتذكر ضمن ما أتذكّره أن خطه كان جميلاً، كما كانت لغته الانجليزية ممتازة، وكان في تلك الفترة يحرص على أن يوفّر لنا الحياة الضرورية والكريمة، من بينها حرصه على أن يوفِّر لنا الزاد الثقافي، كانت عند جدي الأولوية الثقافية ضرورية جداً، كما تحدثت في البداية، كنا نذهب أسبوعيا لأخذ الصحف والمجلات المصرية التي كانت تصل إلى عدن بانتظام، بالإضافة إلى الصحف التي كانت تُصدر حينها في عدن، ويدفع فاتورتها فيما بعد، وكذا الاشتراك بالمكتبة واستعارة كتبها، كما كان يُسمح لنا بالذهاب مع الكبار إلى السينما، وهذا الشيء لم يكن مسموحاً لدى الكثير من الأسر. كان في نفس الوقت صارماً معنا (لا نتأخر فلا يأتي أذان المغرب ونحن خارج البيت) كانت العبادات ناموس حياته معنا، وخاصة الصلاة الخمس يوميا في وقتها والصيام خلال شهر رمضان.

كانت هناك تقاليد أسرية ونظام صارم في كل شيء حتى وجبات الأكل، كان فيها انضباط. أشعر بأن هذه الصرامة وهذه الجديّة التي أنا عليها اليوم منشأها البيئة التي كانت في بيت جدي.

*ماذا كانت طبيعة عمل جدك؟
-كان جدي يعمل في أمانة ميناء عدن الذي يسمونها "عدن بورت رست"، وكان عمله يتطلّب مهارة إدارية ولغوية. كان يجيد اللغة الإنجليزية بطلاقة كتابة ونطقا، وأيضا العربية. عمله يتعلق بتسجيل السفن، نوعها، زنتها، والغرض من دخولها. وكان يعمل-كما فهمت- في منصب إداري كبير؛ لأنه فيما يتعلق بالموانئ والسفن كانت هناك صرامة في معايير اختيار الموظفين.
خطه الجميل وإلمامه باللغة الانجليزية كانا يدلا على أنه لم يكن إنساناً عادياً؛ لأننا لم نكن نستطيع أن نتطفل على أوراقه أو على كُتبه أو خصوصياته، لكننا كُنا نشعر بأن له مكانة وظيفية هامة وكبيرة، وكان يستفاد كثيراً من خبراته. فبعض التجار في عدن استفادوا منه في الصياغات والمراسلات؛ لأن له خبرات إدارية ولغوية كبيرة جدا.

*وماذا عن والدك؟
- شاءت الظروف أن عشت مع والدي بحكم وفاة أمي فترات قصيرة متقطعة في عدن والسعودية، التي هاجر إليها المرة الأولى وعاد سريعا، ثم أقام طويلا وعاد إلى اليمن مع حرب الخليج الثانية، وتوفي رحمه الله- في عدن عام 1991. جدي ووالدي من نفس منطقة الغرفة في سيؤون بحضرموت. أبي من آل باعباد، وهم من مشايخ وسادة حضرموت، لديهم شجرة عائلة تمتد إلى قريش وعثمان بن عفان، وتوثّق لكل تنقلات القبيلة، ولكنها شجرة ذكورية لا تذكر فيها النساء!!، وهو ما أكده د. قائد طربوش، الشخصية القانونية لعلمه الغزير والفطن بعلم الأنساب.

كان والدي -رحمه الله- حنونا، يحفظ القرآن والأحاديث وأمور الحساب واللغة والفقه التي يتعلمها الحضارم عادة في الأربطة، كما كان يجيد الغناء والعزف على العود، كعادة أهل حضرموت يحبون الغناء ولا يحرّمونه على غير ما هو عند آخرين. ذهب أبي إلى جدي في عدن وخطب منه وتزوّج بأمي، وأنجبت له أخي الأكبر عادل وأنا. عمل أبي عملا حُرا، وله دكان في المُعلا يعمل فيه أخي عادل إلى اليوم.

*تقولين إن أهل حضرموت يحبون الغناء ولا يحرمونه على غير ما هو عند آخرين، كيف؟
- كعادة أهل حضرموت متدينون، ولهم فلسفة وفهم للثقافة، يمارسون ويواصلون النهل والتطوير والإضافة للموروث الثقافي. ولعلك اليوم تسمع وتشاهد أغاني وأناشيد دينية مركّبة على أغانٍ معروفة غالبها عاطفية. هذا تأكيد على صحة نهجهم بعدم تقاطع الدِّين مع الغناء، وهذا جزء من مراجعات الفكر الإسلامي الآن الذي شهد مند فترة وجيزة هجمة بتحريم والغناء وتهديم القبور ثم صحوة في مهرجانات الأناشيد والموشّحات الدينية والقنوات الإسلامية. المهم الابتعاد عن الابتذال؛ كونه تطرفاً وإساءة للدِّين وللثقافة، وهو المطلوب. فاللحن هو أداء ثقافي فطري وامتداد للكلمة، وكذلك الرقص، إذ لا يوجد شعب بلا هويّة ثقافية والدّين جزء منها، كذلك الفنون من غناء وشعر ورقص، وإلا ماذا نقول عن الإرث العربي الكبير من الأدب والشعر بكل أنواعه؟ ماذا يعمل الناس في الأفراح ومواسم الحصاد، وذلك الكم من الفنون الحرفية والتشكيلية؟ هذه أمور متأصلة في وجدان البشرية لم يحرّموه -الحضارم بما فيه النساء- ما أن يحين موعد الأذان يتوقفون عن الغناء ويصلون، وهذا توازن روحي يحترم الإنسان دينه الكريم، وحاجته ويصقلها روحانيا.

*متى بدأت تشعر نور باعباد أنها أصبحت أكبر على الألعاب في الشارع مع صديقاتها، كيف كانت انتقالك؟
-هذه المرحلة فيها الكثير من المحطات الهامة، منها شخصية، ومنها أسرية، عمريا انتهت مرحلة من الطفولة وتغيّرت الاهتمامات، ومجتمعيا قلت فترة الشارع، ونحن مجتمع عربي شرقي مسلم يحترم ويصون الشباب في إطار القيم والتربية الأخلاقية، وهذا شيء طبيعي، وهي نقلة عُمرية وثقافية هامة.

*كيف كانت مرحلة انتقالك ومؤثراتها؟
- قضيت تعليمي للمرحلة الثانوية، جزءا منها في ثانوية البنات الوحيدة قبل الاستقلال (ثانوية خور مكسر)، كُنا كطالبات نتحدّى جنود الاحتلال البريطاني، ونحن في باص المدرسة، ونقول لهم: "اخرجوا من بلدنا"، ممّا يجعلهم يعرقلون سيرنا، كان الوضع في عدن صعباً مع اشتداد الإضرابات والعمليات الفدائية.

كانت هناك شخصيات في الأسرة -كما أوضحت- مؤثرة، هي إحدى خالاتي (شفيقة) -رحمها الله- إحدى ضحايا ما نسميه اليوم "العنف الأسري"، كانت ذات شخصية عصامية جدا، تمتعت برجاحة عقل وسداد رأي، حفظت القرآن رغم محدودية تعلمها، تثقفت كثيرا من الكتب والمجلات والراديو فعكست ذلك علينا، وحرصت على نُصحي وتوجيهي، وفرضت احترامها وحبّها على الجميع صغاراً وكباراً، وفقدها الجميع، فقد كانت مربّية لنا -نحن الجيل التالي- هي شخصية جاءت في زمن غير زمانها، حاضرة معي في كل محطات حياتي الصعبة، استمد منها قوّة وعزة المرأة.

النصف الآخر مع الشيخ عبدالله صعتر الداعية والخطيب والمعروف والقيادي في حزب الإصلاح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.