انتهى عهد علي عبد الله صالح بكل سلبياته وإيجابياته ، وبدأ عهد عبد ربه منصور هادي ، الذي ظل هادئاً على مدى 18 عاماً، والذي يفترض أن يؤدي اليوم اليمين الدستورية رئيساً للجمهورية اليمنية. يأتي هادي إلى الرئاسة بشرعية شعبية حقيقية لم يحظ بها سلفه على مدى سنوات حكمه ال33 ، ذلك أن ما حصل عليه هادي من أصوات اليمنيين في 21 فبراير لم يحصل عليه صالح مطلقاً حتى وهو في أوج شعبيته . لا أحسد هادي ولا أعتقد أن هناك في اليمن من يحسده ، فما يواجهه من تحديات، وما القي على كاهله من مسئوليات سيقلب حياته «الهادئة» رأساً على عقب ولن يعود هادي اسماً على مسمى، فقد ولى عهد الهدوء شاء الرجل أم أبى ، ومن الآن فصاعداً فلن يكون له من اسمه نصيب . هادي اليوم يواجه اليمن بكل ازماته ، ويواجه اليمنيين بكل مآسيهم وأحلامهم وطموحاتهم، يواجه الحوثيين والحراكيين والقاعدة ، ويواجه فوق هذا وذاك تركة ثقيلة من الفساد، ناهيك عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد، وعلى الكيفية التي سيتعامل بها مع كل ذلك سيتوقف مستقبل اليمن . يترقب اليمنيون أولى خطوات هادي وقراراته ، وبلا شك فإنه من الآن أصبح تحت المجهر وكل حركة أو خطوة يخطوها ستكون محسوبة عليه ، فعلى ذلك يتوقف مستقبل اليمن عموماً. على هادي إذا ما أراد أن يكون رجل المرحلة بجد وأن لا يخيب ظن الناس فيه أن يتخلص أولاً من عبء وعباءة صالح ، وأن يفصل فصلاً تاماً بين كونه زعيماً في حزب المؤتمر ، وبين كونه رئيساً لليمن، وأن يكشف عن حقيقته وأن يتصرف باعتباره الرئيس هادي وليس هادي النائب لعلي صالح . عندما قبل الناس بهادي كبديل لصالح لفترة انتقالية كانوا ينطلقون مما عرفوه عن الرجل من صدق وجدية والتزام بما يتعهد به وهي صفات كانت غائبة عن صالح ، وعندما قبلت الجماهير اليمنية بذلك وأقبلت على انتخاب هادي كانوا يتمثلون هذه الصفات ويأملون أن يظل كما عهدوه . ليس مطلوباً ولا ينبغي أن يكون مطلوباً من هادي أن يصنع المعجزات ، بل المطلوب منه أن يسير في خط مستقيم باتجاه تنفيذ حزمة الاصلاحات التي أقرتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. وكي ينجح هادي في إنجاز المهمة الموكلة إليه، ويكسب ثقة الناس، ينبغي أن يشرع فوراً في إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والجيش ، ورأب الصدع الحاصل في هذه الأجهزة ، وتوحيدها على أسس وطنية بحتة. بالطبع سيواجه هادي وحكومة الوفاق الوطني عوائق جمة في طريق إنجاز هذه الخطوة ، لكنها في تقديري الخطوة الأساس التي ستبعث رسالة طمأنة وتحذير إلى الجميع في اليمن بدءاً من الشباب في ساحات الحرية والتغيير وانتهاء بالحوثيين والحراكيين والقاعدة وكل من تسول له نفسه أن يعبث بأمن اليمن ومستقبله. كما أن على هادي أن يشرع فوراً في إعادة جميع الموظفين في مختلف المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية إلى وظائفهم والتوجيه بتسوية مستحقاتهم فوراً، وبالتوازي مع هذه الخطوة إقالة جميع الفاسدين في المناصب العليا في مختلف المؤسسات أو على الاقل أولئك الذين ثارت ضدهم مؤسساتهم كخطوة تمهيدية في اتجاه تصفية مؤسسات الدولة من كافة الفاسدين. وعلى هادي قبل هذا ومعه أن يشرع فوراً في عمل جاد لإعادة تدوير عجلة اقتصاد البلاد التي أصابها الشلل وإعادة تفعيل مختلف المؤسسات الخدمية التي يرتبط عملها بحياة الناس اليومية . هذه في تقديري الشخصي هي أوليات الأيام الأولى من حياة هادي في الرئاسة ، وعلينا بالمقابل أن نمنح الرجل فرصة لإنجاز كل ذلك ، وان نعي تماماً أن الرجل يتحرك في إطار ضيق جداً ، ومحدود بحدود إمكانيات وموارد البلاد ، ومحكوم بالتوازنات التي أدت الى هذا الوضع الذي نعيشه والتي لا يمكن لنا القفز عليها أو تجاوزها شئنا أم أبينا . لقد صبرنا كثيراً وضحينا بالغالي والنفيس في سبيل الوصول الى هذه المرحلة التي نطوي فيها صفحة صالح ونبدأ صفحة جديدة، ولن يضيرنا أن نصبر قليلاً في سبيل الانطلاق نحو العهد الجديد على أسس صحيحة تجنبنا الانتكاس نحو الماضي الأليم .