حققنا أول أهداف الثورة الشبابية الشعبية السلمية، وبأي طريقة يراد لها أن تنتصر.. كنا منهكين بما يكفي - كشعب ودولة - باقتصادنا الركيك وتأريخنا الغارق بغير الشريف وجغرافيتنا المجروحة، وحتى بكرامتنا المنكسرة. وحينما فكرنا أن نثور لنغيّر هذا القالب القاتل لحقنا القتل، وكاد يتبعنا التشرذم والشتات، بصراحة كشعب فقير منهك لا ظهر له يستند إليه سوى مبادرة وآلية مزمنة تحفظ ما تبقى من كرامتنا، بعد أن حاول النظام “من مصدر ضعف لا قوة نسف وإحراق ما تبقى من وطن”، وفتح النار في كل اتجاه. لحظة أن أمسك الرئيس صالح بالقلم في الديوان الملكي السعودي وقرر التوقيع أدركنا بأنه استدراج للثورة وللساحات المليونية، لكننا أيضاً تأكدنا بأنه التغييب الحتمي لرئيس متعنت، سيخلفه من بعده عبدربه منصور هادي كرئيس في وطن يريد أناسه أن يتركهم لنعيش، نعمل، ونأكل ونكتب ونتكاثر بطريقتنا، بعيداً عن طريقتهم النظامية الفجة. كنا في تلك اللحظة أحوج إلى أن يزيح هذا الرجل فوهات بنادقه المصوبة إلى جباه الشباب والنساء منذ تأسيس دولتنا (الساحة) الأكثر وطناً، وهي في الأساس موجهة منذ تأسيس نظامه البوليسي، وحتى الآن. لم نكن نطمح سوى أن يخلع عنا رداء الذل الذي ألبسنا إياه منذ ولادتنا كجيل عاش تحت إبط نظامه المتجهم القاتم، نريده يتركنا أن نموت بهدوء دون أن تكون “عربات الرش والقناصة” زارتنا داخل الساحات وخارجها. وأن نغادر الحياة بأجساد صحيحة دون أن تنهشها مختلف الأمراض التي عجز النظام بكل مؤسساته الصحية واللاصحية أن يكافحها ولا يقضي عليها. استغرق من حياتنا أوقات مؤلمة وطويلة؛ 33 سنة من التخرص والخرس، وسنة (2011) من الشجار والتبجح والعناد والقتل، وتغييب شبه رسمي للدولة، حد الانتقام بالقمامة، والانفجارات الصوتية والحقيقية والشد والجذب والاحتقان الذي لا ينتهي: (مات، لم يمت، سقط، لم يسقط، سافر، لم يسافر، رجع، لا مش راجع، وقع لا لن يوقع)، سنة حارقة في ذاكرة الوطن ونحن نعيد إنتاج مشاهد داحس والغبراء، وبصراحة لم تكن في الثورة من أعاد ذلك، لقد شهدناها في مسارح هذا النظام، في البرلمان المؤتمري العجيب، في الاحتفالات الوطنية الغريبة، في المهرجانات الانتخابية الشكلية، لقد أعاد جميع نقائض جرير والفرزدق في كل خطاب متلفز أو لقاء صحافي، ظل “يهضرب” أكثر من ثلاثة عقود، لتأتي الثورة المنقذ والمخلص من كل هذا الهراء. المرحلة الانتقالية مرحلة جديدة، فترة نحتاج فيها إلى بعض التفاؤل بمستقبل البلد، وبعض الشعور بالرضا الذي تصاحبه المسؤولية التاريخية تجاه الوطن والمجتمع، وبعض التسامي على الجراحات الحية والطموحات السياسية المبالغ فيها، فهناك الكثير مما لم يتم إنجازه حتى اللحظة يجب أن يكون نصب عيون الوطنيين وهذا الشعب الحي العظيم. [email protected]