ظلوا منتصبين يملأون هذه الأرض صخباً وضجيجاً.رددوا: «الشعب يريد إسقاط النظام» فنجحوا بأن لا ينعم النظام في هجعته والنوم.من ظل دهانقته ملقيين بكل ثقلهم فوق أجساد البائسين والمظلومين،ما يزيد عن ثلاثة عقود. لكن ذلك لم يستمر. في العام 2011 اصطف أحرار هذا الوطن “سرباً من ضوء الحرية الذي أشرق بهم،وبتنا نشك بأنه سينطفئ” كما قال جيفارا، والمؤكد بأنه كان يقصد التواقين للحرية هنا أو هناك حينما قالها. كنا على يقين بأن كل ما قيل وكلما سيقال عن الثورات والثوار يعنينا ويخصنا في هذا الوطن المنهك،كما أننا على يقين بأن هذا البلد سينال حريته ويسجل تاريخه الحقيقي بملاحمه الساطعة، ويمننا السعيد الذي كنا نطمح إليه ونكابد سوداويته عائد إلينا لا محالة.صحيح بأن نظام الحزب الواحد استضعفنا، أذلنا، كان يحاول خطف غدنا بعد أن سرق أجمل سني عمرنا وروع حياتنا، زرع اليأس في ربيع أيامنا.لكنا القلوب النابضة بأحلامها،لم تنحن أمام مخططاته، ومع كل ذلك– طيلة عقود - تركناهم يكتبون بدمائنا وأوجاعنا تاريخهم الوحشي الناصع، مكناهم من مزاولة بشاعتهم حتى آخر لحظة من العام المنصرم، وتلقى الشباب الرصاص بصدور عالية عارية. كان ذلك أيضاً نوعاً من الرضوخ الطويل؛لكنه لم يصمد؛ لأننا لم ننكفئ ولم نندب حظنا،و هذا قرار لا رجعة فيه، وكم نعشق أن نسلخ كنعاج على مقصلة الوطن.وكل التهمة أننا نحب بلدنا وهم يكرهونه، نحافظ عليه ويتفيدونه، نموت كمداً لو نزلت به نائبة، ويبتهجون.طبائع تجار الأوطان أنتم، في البر والبحر، عرفناكم جيداً حتى آخر لحظة، سخرتم أموال النفط التي هي أموال اليمنيين في خدمة قادة المحاور العسكرية، أركان بسط النفوذ، أرصدتكم البنكية تتنامى من مستحقات البسطاء وعرقهم، لكنهم قرروا أن لا يسكتوا بعد اليوم، قرروا أن يخرجوا للاقتصاص من الفساد والظلم الذي طالهم، يرفضون تكرارها ولو دفعوا أرواحهم ثمناً، وذلك الذي حصل. إنهم مدركون بأن البلد يمر في أيام عصيبة وأن مستقبلهم ومستقبل أسرهم و إخوانهم و أبنائهم مرهون بهذه اللحظات التاريخية،كما باتوا لا يمتلكون فيها ثمن كسرة الخبز، تأكدوا من القبض على حقهم في التغيير،ولم يدعوها تنزلق من أيديهم، أو يمررها الأفاقون إلى حيث يريدون. كان هذا الشعب محبطاً، ويعلم بأن العجز والخنوع واليأس عن التعبير ورفع الصوت بخفوت ملاحظ أو الكتابة بطريقة ناعمة،كانت وستظل أبلغ من أي سجن أو قيد، لكنها تتوالى بهدوء جم، لذلك لم يتركوا خياراتهم المتاحة واللامتاحة تتلاشى، لم يرضخوا ولن يهادنوا؛ لأن النظام عاش حياتهم بما يكفي، سحق منابتها الولادة، استنزف ثرواتها هو ولصوصه وسدنته ومبخروه ومخبروه وعبث بكل مقوماتها الخيرة التي هي ملكنا ونستحقها. ومع كل ذلك ظل يراوغ ويتملص.قلنا بأنه يعي الدرس المصري وفهم التونسي ومن بعدهم الليبي، ولم يفعل. استقوى بالأجهزة البوليسية ونسور الصيد، فكانوا أضعف من أن يقاوموا شعباً ثار، تفنن في إرسالهم مدججين بأدواتهم الحديدية والخشبية إلى ميادين الحرية والتغيير والطرقات، ليس لشيء إلا للقتل وسفك الدم. إلى هذا الحد يغري الكرسي الحكام و الرؤساء والزعماء والملوك العرب، إن كان كذلك فلماذا غدر بمبارك وقبله بن علي وبعده القذافي واليوم في اليمن، ونبقى ننتظر قائمة الساقطين تطول وتتمدد. إن صناعة التغيير متاحة كانت و ممكنة في أيدي اليمنيين،وهاهم ينجزون ما بدأوه،لم يكونوا أقل من إخوانهم المصريين أو التونسيين والليبيين،من سبقونا إلي إسقاط حكامهم، لقد تعلموا بأن خاماتكم وطاقاتكم - أيها اليمنيون الأحرار- التي تتمتعون بها في هذا البلد أفضل بكثير من أي وقت مضى،ويجب أن تدركوا أنكم حينما خرجتم تنددون بسقوط النظام انضمت إليكم مختلف شرائح الشعب،صرخوا في أقاصي البلاد بكم ومعكم، رددوا لا للعبثية، لا للدكتاتورية، لا للصوص، والظلمة. لقد تفاعلوا من أجل استرجاع ولو لقمة العيش الكريمة التي ابتلعتها بطون المرتزقة المتورمة والمنفوخة بقوتكم، وأنتم كنتم القادرين على إسقاطهم، فنجحتم بإصرار عزيمة الرجال المخلصين، وها أنتم تحتضنون حريتكم والوطن في أبهى صوره. [email protected]