أنجز اليمنيون حلماً لطالما ظل يؤرقهم ويراودهم سنين وسنين.. ولم يتمكنوا من تحقيقه، هذا الحلم هو حلم التغيير الذي ظل عصياً وصعب المنال، بل وبلغ لدى البعض منهم اليأس حد الاستحالة إلا بثورة شعبية عارمة. وما كان لهذا الحلم أن يتحقق لولا فضل الله أولاً، ثم شباب ثورة فبراير السلمية، هذه الثورة الشبابية الشعبية التي أعادت الآمال والأحلام للذاكرة اليمنية لتستعيد حضورها الشعبي وزخمها الثوري، وتكسر قيود الصمت والعجز والخوف، فكان أن خرج الشعب يهتف ثائراً: ولّى زمن الذل والقهر والانبطاح.. الشعب يريد الحرية والعدالة والكرامة.. باختصار الشعب لا يريد شيئاً سوى الحياة.. فما كان مستحيلاً أصبح واقعاً معاشاً. وتوج اليمنيون انجازهم هذا يوم 21 فبراير بانتخابهم رئيساً توافقياً هو الأخ عبد ربه منصور هادي رئيساً جديداً لليمن وخلعهم نظام الفرد والرئيس الأوحد والزعيم الأسطورة. والآن وقد صار عبد ربه منصور هادي رئيساً توافقياً لليمن، وأصبح يحظى بشرعية شعبية ثورية مسنودة بإرادة وإجماع دولي وإقليمي وطالما قد ارتضته ملايين اليمنيين، وتوافقت عليه لقيادة المرحلة الانتقالية، سيكون لزاماً عليه أن يتخلى عن انتمائه الحزبي ليكون رئيساً لكل اليمنيين، حتى يكسب رضاهم ودعمهم له في إدارة هذه المرحلة.. وعليه أن يدرك في قرارة نفسه يقيناً أنه الرجل الأول، والرئيس الفعلي لليمن ويتحرر من شخصية النائب إلى الرئيس الآمر.. ويبدأ بإصدار قرارات جمهورية حكيمة تُشعر المواطن البسيط بصدق التغيير. كذلك نرجو منه أن ينتصر للفكرة ويوقف عبث التمجيد والتقديس للأشخاص، ويأمر بإزالة صوره من الشوارع وأن لا توضع في المؤسسات، وتستبدل بلفظ الجلالة أو خارطة الجمهورية اليمنية أو العلم اليمني. أقول هذا لأننا قد نرى بعض الأبواق التي ألفت التزلف والنفاق، تجيد قصائد المدح والثناء، وربما المعلقات الطوال في حق الرئيس الجديد، ونقرأ صفحات التهاني له بمناسبة ودون مناسبة وقد نسمع عبارات وألقاباً تُخلع على الرجل بأنه المنقذ. ونرجو أن يكون منقذاً لليمن رجل المرحلة ، حامي الحمى، الرمز الفذ والبطل القائد، وهذا ليس تقليلاً من شأنه معاذ الله! فهو جدير بقيادة اليمن ولا يحتاج إلى التقديس والتمجيد ونربأ به عن ذلك. فكفانا تمجيداً وتقديساً للرؤساء والأشخاص.. كفانا دماراً وخراباً بحق هذا الوطن.. الذي هو وحده من يستحق الولاء والتمجيد.. فما ضاعت اليمن إلا يوم أن تحوّل بعض الكتاب والأدباءو... إلى أبواق يسبحون بحمد الشخص والزعيم الفذ.. وتحوّل البعض إلى حملة مباخر يبيعون لسيدهم الزيف والوهم.. ويصورن له أن الأمور تمام يا فندم، ويزينون له سوء عمله، فلا تركن إلى هؤلاء القوم أيها الرئيس الجديد.. فقد ثبّتتك الثورة الشعبية رئيساً. وحتى لا نصنع صنماً جديداً ونظل نمجّده ونقدّسه، ونكرر نفس أخطاء الأمس يجب أن تختفي أبواق المديح، وهتافات الفداء بالدم والروح للفرد. فنحن من ساعدنا هؤلاء الطغاة على امتطاء ظهورنا، لأنها دائماً محنية للحاكم.. نحن من جعلناهم ( فراعين ) يتفرعنون علينا، وجعلناهم أصناماً نتقرب إليهم زلفى بأحقادنا وكراهيتنا للبعض، لأننا نحن اليمنيين تعودنا أن نقدّس ونمجّد الأشخاص، وانسقنا وراء العاطفة والتأثير.. وألغينا إعمال العقل والتفكير. وما كان علينا سوى التحرر من ثقافة التقديس سواء كان للشخص أم الحزب أم القبيلة، والتسلح بثقافة الوعي والمسئولية والانتصار للفكرة البناءة أياً كان قائلها، والولاء للوطن.