صباح الاثنين الماضي كان عبدربه منصور هادي وعلي عبدالله صالح يجلسان إلى جوار بعضهما في القصر الرئاسي بصنعاء خلال حفل توديع الأخير الذي غادر السلطة بعد ازدياد الضغوط الشعبية عليه. حاول الرجلان أن يبديا قدراً من الحرص في الظهور بثوب الرضا والتوافق، مبتسمين أمام عدسات التلفزة وضيوف الحفل على خلاف حقيقة ما يضمره كل منهما للآخر. في مشهد بثته إحدى قنوات التلفزة ظهر الرئيس الجديد عبدربه منصور هادي وهو يشير بيده ناحية الكرسي الذي يتصدر القاعة الكبرى في دار الرئاسة، وظل «صالح» قابعاً عليه طوال 34 عاماً خلت، مخاطباً الرئيس السابق بأن يجلس عليه قبل أن يرضخ ليمين «الحرام والطلاق» من صالح ويجلس هو لاول مرة عليه. الموقف رغم تكلفه أوحى للبسطاء ومراقبي الحدث بقدر من الاحترام الذي يكنه أحدهما للآخر.. لم يتحدث الرئيسان الجديد والسابق طويلاً لكن أعينهما باحت بالكثير. فالأول يخشى كثيراً من ضربات تحت الحزام قد يوجهها له الأخير لإرباكه خلال فترة حكمه التي ستمتد لسنتين بذات القدر الذي يتوجس فيه من ثعابين «صالح» التي أجاد فيما مضى مراقصتها ولايزال وهو ما قد يعني القضاء على المستقبل السياسي لأول رئيس جنوبي في دولة الوحدة وإحراق صفحته البيضاء التي راهن عليها كثيرون في قيادة البلد وإيصالها إلى برّ الأمان. في المقابل لم تستطع عدسات الكاميرا إخفاء تلك النظرات التي بدت في عيون «صالح» وإن حاول تغليفها بابتسامة مصطنعة.. نظرات روت فصولاً كثيرة من الحسرة على عرش سقط بفعل ثورة شبابية شعبية اشتعلت كنتاج طبيعي لسياساته الرعناء. على الأرجح أن علي عبدالله صالح وفي تلك اللحظات حينما كان يرمق «هادي» الجالس على كرسي حكمه، قد مرّ أمام ناظريه شريط ذكريات طويل، بدأت تفاصيلها بعد أحداث يناير 1986 حينما فرّ إليه ذلك البدوي ذو الأصول الأبينية الذي يجلس أمامه الآن كرئيس لليمن، فاحتضنه وساعده في إعادة ترتيب أولوية الوحدة لا حباً فيه وإنما نكاية وابتزازاً لحكام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية آنذاك، ولاشك أنه تذكر صيف 1994 أيضاً وما تلاها من أحداث.. هل يشعر علي عبدالله صالح بالندم الآن على قرار أصدره ذات مساء لتعيين عبدربه منصور هادي نائباً له؟ لا يمكنني الجزم بذلك.. لكن الراجح في الأمر ان «صالح» لم يكن يتصور في يوم ما سير الأحداث على هذا النحو الدراماتيكي الذي أفشل كل مخططاته في التوريث ليجد نفسه مرغماً على مغادرة «كرسي النار» كما كان يحلو له تسميته وأن «هادي» الذي فضّل التزام الصمت والحياد خلال كل الأحداث التي جرت في البلد عقب صيف 94 هو من سيخلفه في الحكم. إنها مشيئة السماء التي ينبغي على «صالح» القبول بها والتخلي عن عناده ومحاولاته العودة إلى واجهة المشهد السياسي.. يجب أن يقتنع بأن «عجلة التاريخ لا تعود للوراء» كما كان يردد دوماً في خطاباته، ومن الأفضل له ولليمن أن يتوارى الآن عن الأنظار تماماً ليتيح المجال أمام من قال عنها «الأيدي الآمنة» لإصلاح ما أفسده هو خلال سنوات حكمه وإدارة البلد بالطريقة التي يرونها مناسبة دون تدخلات أو إملاءات منه ويتفرغ هو لكتابة مذكراته والاستمتاع بالتحف التي صادرها من دار الرئاسة لأن الوطن لم يعد يحتمل مزيداً من العبث ورقصات الثعابين. [email protected]