في ظل تغير المعطيات على الساحة السياسية بعد ثورة الشباب وما أفرزته من اتفاقات بين النخب السياسية والحزبية على ضرورة تدشين مرحلة جديدة من العمل السياسي الذي سيضمن لجميع الأطراف توافر الحد الأدنى من تكافؤ الفرض في أية انتخابات قادمة قد تشهدها البلاد, يتقافز إلى الذهن سؤال مهم حول فرص المؤتمر الشعبي العام في الصمود أمام هذا الواقع الجديد. الواضح أن السياسات والتكتيكات القديمة لحزب المؤتمر لن تكون مجدية مستقبلاً, بعد أن خلط الشباب بثورتهم المجيدة كل الأوراق, وغيّروا تماماً قواعد اللعبة التي ستعتمد منذ اليوم على معايير الكفاءة والقدرة على تقديم برامج طموحة قابلة للتنفيذ في أرض الواقع. ربما سيكون على الحزب, الذي لم تغب شمس السلطة عنه منذ بداية تكوينه, أن يخرج اليوم من جلباب علي عبدالله صالح بكل أعبائه وصهر نفسه (كحزب) في بوتقة جديدة تتلاءم مع معطيات الحاضر وظروف المستقبل.. وقبل ذلك إخضاعه لعملية تنقية دقيقة من الشوائب العالقة فيه والمتمثلة بأولئك الفاسدين الذين يحاولون سحبه أي ”المؤتمر” للخلف مدفوعين بشهوة الانتقام من كل شيء بعد أن شعروا بأن هذه الثورة قد تسببت بإحداث جرح غائر في صدورهم. لا أحد يستطيع إنكار حقيقة اقتران حزب المؤتمر بالفساد كتوأم سيامي يتطلب طبيباً بارعاً لفصلهما عن بعض, لدرجة أن أصبح ”حزب الفساد” هو المرادف اللغوي لحزب المؤتمر الشعبي العام, وهذا ما يؤكده فاسدوه وأبواقهم الإعلامية بطريقة أو بأخرى حينما يعتقدون في قرارة أنفسهم أن أية قرارات وإجراءات هادفة إلى تقويم الاعوجاج وإصلاح ما تم إفساده خلال العقود السابقة, إنما هي استهداف شخصي مباشر لهم ولرئيسهم المخلوع، ومن هذا المنطلق تعاملوا مع كل قرارات الرئيس عبدربه منصور هادي ووزير دفاعه اللواء محمد ناصر أحمد الأخيرة رغم أن الرجلين محسوبان على المؤتمر الشعبي العام. قد يختلف البعض في كون المؤتمر هو أكثر الأحزاب اليمنية انفتاحاً, بيد أن الجميع يتفق على أنه لم يكن في يوم من الأيام حزباً منظماً بالمعنى الحقيقي مع كل التقدير للجهود الحثيثة التي بذلها الدكتور عبدالكريم الإرياني والدكتور عبدالقادر باجمال في فترة من الفترات في محاولة منهما لإكسابه بعض التنظيم الذي ظل يفتقده منذ تأسيسه قبل أن تصطدم محاولتهما بنرجسية علي عبدالله صالح وفوضى صقوره الذين مازالوا حتى اللحظة يكابرون ويزايدون في تحميل الآخرين مسئولية أخطائهم دون الاعتراف بمسئوليتهم عن ارتكاب هذه الأخطاء. الجميع يعلم بوجود صراع في أروقة المؤتمر, لكن لا أحد يدري بالضبط حجم وضخامة هذا الصراع الدائر بين الصقور الذين يسعون لبقاء الفوضى والعبث, وبين الحمائم الذين يحاولون إعادة بناء الحزب على قاعدة صلبة تستوعب المتغيرات الجديدة إدراكاً منهم بخطورة المرحلة القادمة التي ستشكل اختباراً حقيقياً لهم. أعتقد أن المهمة لن تكون سهلة في ظل صعوبة إعادة تشكيل عقلية بعض القيادات العتيقة، والتي إن كتب لها النجاح في التغيير أو التخلص منها فستغدو الخطوات التالية أسهل بكثير. يخالجني شعور أكيد أن في المؤتمر رجالاً أذكياء وشجعان بما فيه الكفاية لقيادة ثورة حقيقية داخل الحزب لتحريره من سلطة الفاسدين وإعادة بناء ما دمره السفهاء من مبادئ وقيم وفضائل جميلة تليق به كحزب شعبي يحظى بتأييد لا بأس به, وبإمكانه استقطاب الكثير من الأنصار والمؤيدين إذا تم ترتيبه بشكل صحيح يضمن بقاءه كحزب قوي لا حزباً ورقياً كما يسوّق البعض, وبما يحفظ توازن القوى المطلوب في المرحلة القادمة.. وهو التوازن البعيد عن سيطرة القطب الأوحد الذي سيخلق نوعاً من الاستقرار سيجني الجميع ثماره. إنها ثورة تستوجب على كل عضو مؤتمري شريف يمتلك شيئاً من الغيرة على حزبه أن يسهم فيها, وينبغي أن يكون الرهان على أولئك الشرفاء الذين ظلوا مغيبين ومهمّشين اضطرارياً رغم كفاءتهم وقدرتهم على إحداث قفزة نوعية هائلة في أداء حزب المؤتمر. همسة بإمكاني أن أتفهم قدرات بعض الصحفيين العقلية التي لا تفرق بين العبودية لعلي عبدالله صالح وزمرته الفاسدة وبين خدمة الوطن, لكن ما لا أستطيع فهمه هو ذلك الغضب الذي ينتاب بعضهم لمجرد الحديث عن حزب الحصان. “لا شيء أسوأ من أن تصبح صحفياً ممسوخ الإرادة, تمرّغ رأسك تحت أحذية الفاسدين في وقت ترتفع فيه الرؤوس بحثاً عن الحرية”. [email protected]