كنت أعتقد أن الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وبعد أن انتزع حصانة من الملاحقة القضائية عن كل جرائمه وفساده طوال فترة حكمه، سيقف مع نفسه في لحظة صفاء وينظر إلى ذلك الدمار الذي خلّفه وراءه متسائلاً: عما إذا كان «الكرسي اللعين» الذي سفك كل تلك الدماء من أجله يستحق التمسك به..؟ (صالح) الذي طلب قبل شهور حين مغادرته إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية لاستكمال العلاج من الشعب الصفح والمسامحة هو ذاته من يصف اليوم ثورة الشباب بثورة البلاطجة، متهماً إياهم بأقذع العبارات، وهو عينه من يحاول الآن خلق حالة الفوضى واللا استقرار في كثير من المناطق وخصوصاً تنظيم القاعدة وفقاً لإحدى وثائق (ويكليكس) التي نشرت مؤخراً وجاء في إحدى فقراتها (أن أمريكا باتت تمتلك إيماناً مطلقاً بدعم صالح للجماعات الإرهابية لكن الأدلة مازالت شحيحة). إنه باختصار شديد يمارس سلوكاً عدائياً ضد شعبه الذي ظل متحملاً كل حماقاته على مدى عقود ثلاثة ماضية.. كاشفاً عن أسوأ نموذج لحاكم عربي، لم يستسغ حتى اللحظة حقيقة الإطاحة بحكمه المتسلط البغيض، لكنه وعوضاً عن الاستفادة من الحصانة الممنوحة له بكرم خليجي وتواطؤ داخلي مازال مصمماً على ممارسة صبيانيته السياسية لتوتير الأجواء وخلق حالة من الفوضى، معتقداً في قرارة نفسه أنه بهذا يمارس نوعاً من المعارضة التي هدد بها ذات نهار في أحد خطاباته بقوله: (يحكموا وأنا عد أوريهم المعارضة على أصولها) إنها المعارضة من وجهة نظره وإن كانت فوضوية ستتسبب في الدمار كثير من الحرائق لكنه نسي أو تناسى أنه الآن يمارس معارضته ضد من وصفه (بالأيدي الآمنة). ليس بوسعنا سوى أن نسميها معارضة فوضوية وأفعالاً قبيحة تعكس حقيقة شخصيته اللامتزنة واضطرابه النفسي، وإن حاول جاهداً بمعاونة إعلامه المؤيد إضفاء مسألة بقاء الشباب في الساحات كعنوان مضلل لكثير من المشاكل الحاصلة التي باتت مكشوفة للجميع بأنها صنائع يديه، بإمكان أي شخص عادي بقليل من الربط بين الأحداث أن يكتشف السبب الحقيقي وراء كل ما يحدث الآن في الساحة اليمنية والذي يكمن في عقلية الرجل الذي يعجز حتى اللحظة عن تقبل مسألة إقصائه عن الحكم. صحيح ليس الأمر سهلاً بالنسبة له أن يجد نفسه فجأة وقد سقط من كرسي الحكم بعد كل هذه السنين الطويلة التي ظل فيها (الآمر الناهي) ومن بيده خزائن المال والمتصرف الأوحد بالثروات والأراضي ...إلخ، لكن الأمر بات واقعاً لا يمكن تجاهله.. إنها مشيئة الله وعزيمة الشباب، ومن الصعب أن تعود عجلة التاريخ إلى الوراء كما ظل يردد على مسامعنا في خطاباته المكرورة التي صرنا نحفظها عن ظهر قلب، لكنه وكما يبدو نسيها اليوم. مامن سبب مقنع يجعلني أكنّ للرجل ولو قليلاً من الاحترام أمام إصراره العجيب على فقدان ما تبقى في رصيده من تعاطف شعبي عند بعض البسطاء وهو يمارس هذه الألاعيب القذرة التي تجسد عبارته الشهيرة (سأهد المعبد على من فيه). إنها فرصة ذهبية ربما كان يحلم بها زين العابدين ومبارك والقذافي يجدر به استغلالها بالشكل الأمثل.. فرصة ستمنحه فترة نقاهة طويلة واستراحة من عناء الرقص على رؤوس الثعابين. كثير من الساسة ينظرون إلى «صالح» على أنه شخص ذكي استطاع بفضل دهائه أن يختار لنفسه نهاية سعيدة بأفضل طرق الخروج من السلطة مقارنة ببقية الزعماء الذين أطاحت بهم ثورات الربيع العربي، ليكسر بذلك قاعدة السياسة التي تقول: إن انتصار طرف سياسي يعني بالضرورة خسارة الطرف الآخر. ربما وحدهُ علي عبدالله صالح من أثبت خطأ هذه المقولة حين لم يخرج مهزوماً، لكن الأهم ألا يخونه ذكاؤه هذه المرة ويصور له أنه مازال قادراً على خداع الشعب مرة أخرى، فالشعب الذي ارتضى بمنحه الحصانة عن سنوات حكمه لن يغفر له أية حماقات قادمة. [email protected]